إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 2 مايو 2014

1407 قصة الحضارة ( ول ديورانت ) قصة الحضارة -> بداية عصر العقل -> صراع العقائد على الس -> إيطاليا الأم الخيرة -> الفنون في روما 9- الفنون في روما




1407


قصة الحضارة ( ول ديورانت )

 قصة الحضارة -> بداية عصر العقل -> صراع العقائد على الس -> إيطاليا الأم الخيرة -> الفنون في روما

9- الفنون في روما


ظلت روما قصبة العالم الفنية. صحيح أن عصر التصوير الروماني العظيم قد انتهى، ولم يعد الآن إيطالي ينافس روبنز أو رمبرانت، ولكن العمارة الرومانية أزهرت، وظل برنيني أشهر فناني أوربا طوال جيل من الزمان. ومع أن بولونيا سطت على زعامة روما في التصوير، فإن نجوم هذه المدرسة كانوا يفدون على روما استكمالا لازدهارهم، وقد وصل فازاري عام 1572 ليرسم الصور الجصية للصالة الملكية في الفاتيكان. وأحتشد في »بوتيجي« روما الرسامون الذين ما زالوا محل التبجيل من أقليات مغرمة: ناديو وفديريجو زوكارو، وجيرولامو موتزيانو، وفرانشيسكو دي سالفياتي، وجوفاني لانفرانكو، وبرتولوميو مانفزيدي، ودومنيكوفيتي وأندريا ساكي. وأكثر هؤلاء يصنفون عادة تحت اسم »أصحاب اللازمات« -أي الفنانون المقلدون لطريقة فنان بعينه من أساطين الفن أيام عز النهضة. ويجوز ان نعتبر هذه »اللازمية« (1550-1600) مرحلة أولى للباروك.
أما فيديريجو زوكارو فقد نشر قلوعه فوق أمم أربع. ففي فلورنسة أكمل الصور الجصية التي بدأها فازاري في قبة الكتدرائية، وفي روما رسم »المصلى البولسي« في الفاتيكان، وفي فلاندر صمم سلسلة من الرسوم الهزلية، وفي إنجلترا رسم لوحات مشهورة للملكة اليزابث ولماري ستيوارت، وفي أسبانيا شارك في زخرفة الأسكوريال، وحين عاد إلى روما أنشأ أكاديمية القديس لوقا، التي أوحى نظامها لرينولدز بأكاديمية الفنون الملكية بإنجلترا. وكان الإقبال على فنه أعظم من جميع الرسامين الإيطاليين في ذلك الجيل، ولكن الخلف فضلوا عليه بييترو بيريتيتي


?
    صفحة رقم : 9758    


كاكورتونا. وبروح الكفايات المتعددة التي أثرت على فناني النهضة صمم بييترو قصري باربريني وبامفيلي بروما، ورسم في قصر بيتي بفلورنسة صوراً جصية تزخر بالأشكال الغريبة في كل غزارة الباروك وتدفقه.
أما القطب الحقيقي للتصوير الروماني في هذا العهد فهو ميكل أنجيلو مريزي دا كارافادجو. كان رجلا فيه روح تشلليني، وقد ولد لبناء بالحجر في لومبارديا، ودرس في ميلان، وانتقل إلى روما واستمتع بعدة مشاجرات، وقتل صديقاً في مبارزة، ثم هرب من السجن، وفر إلى مالطة وقطانيا وسيراقبوز، ومات بضربة شمس على أحد شواطئ صقليو وهو في الرابعة والأربعين (1609)، وفي الفترات التي تخللت هذه المغامرات أحدث ما يشبه الثورة في مزاج التصوير الإيطالي واسلوبه. وقد أحب التناقضات العنيفة بين الضوء والظل، واستخدم حيلا كإضاءة المنظر من مدفأة مخفاة، وشكل صوره بالضوء، وأخرجها من خلفية معتمة، وبدأ في إيطاليا عهد »الفن المعتم« الذي تزعمه جويرتشينو؛ وريبيرا، وسلفاتور روزا. وإذ احتقر عاطفية الرسامين البولونيين المثالية، فقد روع العصر بواقعيته التي أشرفت على الوحشية. كان إذا تناول موضوعاً دينياً يجعل الرسل والقديسين يبدون وكأنهم عمال ضخام غلاظ نقلهم من عمال أرصفة الموانئ. وقد أكسبته لوحة »لاعبي الورق« (المحفوظة بمجموعة روتشيلد بباريس) شهرة دولية. أما لوحة »الموسيقيين«- وهم ثلاثة من المغنيين وعواد جميل-فقد تراكم عليها التراب ثلاثة قرون قبل أن يعثر عليها في متجر للتحف القديمة بشمالي إنجلترا حوالي 1935، وبيعت لجراح بمبلغ مائة جنيه، ثم اشتراها متحف المتروبوليتان بنيويورك (1952) بخمسين ألف دولار. وقد درجت الكنيسة على رفض صور كارافادجو الدينية باعتبارها مسرفة في الابتذال مفتقرة إلى السمو، أما اليوم فهي مشتهى كل ذواقة الفن. وقد بلغ إعجاب روبنز بلوحة هذا الإيطالي المسماة »مادونا ديل روزاريو« مبلغاً حمله على جمع 1.800 جولدن من فناني أنتورب ليشتريها


?
    صفحة رقم : 9759    


ويهديها إلى كنيسة القديس بولس(85)، ولوحة »عشاء عمواس« (بلندن) لا تبلغ في عمقها نظيرتها التي رسمها رمبرانت، ولكنها تصوير قوي لأشكال الفلاحين. أما »موت العذراء« (المحفوظة باللوفر)- وهي أيضاً صورة ريفية-فكانت إحدى الصور التي وطدت مدرسة »الطبيعيين« في إيطاليا والواقعيين في اسبانيا والأراضي المنخفضة. لقد أكثر كارافادجو من تأكيد ميلودراما العنف والخشونة، ولكن التاريخ كالخطابة قلما يقرر نقطة دون أن يبالغ فيها. وقد أقشعر لمرأى عمال الشحن مفتولي العضل هؤلاء جيل استنفد موضوعات العاطفة، ثم قبلهم على أنهم مدخل منشط دخل به إلى الفن رجال منسيون. والتقط ريبيرا فرشاة كارافادجو القائمة ولحق به، واقتفى رمبرانت أسلوب الإيطالي في توزيع الضوء والظل وجوّده، وحتى مصورو القرن التاسع عشر شعروا بهذا التأثير العاصف.
أما المعمار فقد شهد مجيء الباروك وذروته. وراح البابوات الواحد تلو الآخر يحيلون عرق المؤمنين الراضين ودراهمهم أمجاداً لروما. فأكمل بيوس الرابع البلفديري وقاعات أخرى في الفاتيكان. وبنى جريجوري الثالث عشر كلية روما وبدأ تشييد قصر الكويرينال-الذي اصبح مسكنا للملك عام 1870. أما دومنيكو فونتانا، الأثير بين المعماريين عند سيكستوس الخامس، فقد صمم قصر اللاتيران الجديد، ومصلى السيستين في كنيسة سانتا ماريا مادجوري، ومقبرة بيوس الخامس في هذا المصلى، وهي باروك مسرف. واضاف الكرادلة والنبلاء خلال ذلك إلى روما قصوراً جديدة (جوستنياني، ولاتشلوتي، وبورجيزي، وباربريني، وروسبليوري)، وفيللات جديدة (بامفيلي، وبورجيزي، ومديتشي). كذلك واصل الهدم أفاعليه، ففي هذه الفترة هدم بولس الخامس حمامات قسطنطين التي عمرت منذ عهد أول الأباطرة دون أن يمسها سوء تقريبا.
وكثر عدد المعماريين الأكفاء، ومنهم جاكوموديللا بورتا الذي أكمل بكفاية عدة معابد خلفها أساتذة فنيولا ناقصة، كواجهة كنيسة يسوع وقبة كنيسة القديس بطرس، وبهذه الضخامة صمم كابييلا جريجوريانا الفخمة،


?
    صفحة رقم : 9760    


ولمس قصر فارينزي لمساته الأخيرة، وكان ميكل أنجيلو قد بدأه؛ وهو صاحب الفضل في نافورتين رائعتين تضفيان على روما رواء شباب لا يشيخ.
وابدعهما نافورة السلاحف التي أقامها تاديو لونديني أمام قصر ماتي واشترك مارتينو لونجي الأب مع ديللا بورتا في تشييد قصر الكونسر فاتوري نقلا عن رسوم لميكل أنجيلو، وبدأ هو ذاته قصر بورجيزي، الذي أكمله فلامينو بونتزيو للبابا بولس الخامس. وأسهم دومنيكو فونتانا بنافورة »الفونتانوني« ديل أكوا فيليتشي، وفونتانا ديل أكوا باولينا، وشيد »قاعة البركة« الجميلة على الرواق المعمد الشمالي للاتيران القديس يوحنا. وخلفه أبن أخته كارلو ماديرنا معماريا لكنيسة القديس بطرس، فغير خطتها الأساسية من صليب ميكل أنجيلو اليوناني إلى الصليب اللاتيني، وصمم واجهة هذا الضريح العظيم، ووجد في حمامات كاراكاللا ودقلديانوس إلهاما بصحنها الهائل. وأعاد فرانشسكو بوروميني، تلميذ ماديرنا، بناء مدخل لاتيران القديس يوحنا بناء فاخرا، وبدأ رائعته-كنيسة سانت أجنيس-الفخمة الأنيقة التي تضارع »كنيسة يسوع« في بيانها للباروك الروماني. أما كنيسة يسوع فقد صممها (1568) جاكومودا فنيولا تحقيقا لرغبة اليسوعيين في معمار تروع فخامته العابدين وتلهمهم وتسمو بنفوسهم. وصمم المعماري وخلفاؤه صحنا فسيحا دون اجنحة، فيه الدعامات والسبندلات والتيجان والكرانيش المزخرفة، ثم مذبح مهيب، وقبة مضيئة، وحلية رائعة من الصور والتماثيل والرخام والفضة والذهب. وفي عام 1700 أضاف أندريا ديل بوتزو، وكان هو ذاته يسوعياً، مقبرة القديس اغناطيوس ومذبحه الرائعين. وقد اختلفت نظرة اليسوعيين للحياة عن نظرة غيرهم من رجال الكنيسة الكاثوليكية، وكانت النقيض التام لنظرة البيورتان, فالفن في رأيهم يجب أن يطهر من الحس الدنيوي، ولكن يجب أن يرحب به في تزيين الحياة والإيمان. على أنه لم يكن هناك »أسلوب يسوعي« بعينه. كانت كنيسة يسوع باروكا في الحجر، وكثير من


?
    صفحة رقم : 9761    

كنائس اليسوعيين لا سيما في ألمانيا كانت باروكا، ولكن كل كنيسة اتبعت الأشكال والأمزجة المحلية والفاشية.
وكان اكمال كنيسة القديس بطرس آخر منجزات الفن الروماني. فقد خلف ميكل أنجيلو نموذجا للقبة، ولكن »الطبلة« وحدها هي التي كانت ممدودة حين ارتقى سيكستوس الخامس كرسي البابوية. وكان قطرها 138 قدما. ولم يجرؤ على تغطية مساحة هائلة كهذه دون دعامات تتخللها سوى بروتولليسكي بفلورنسة. وأحجم المعماريون والمهندسون أمام العمل الذي اقترحه بووناروتي (ميكل أنجيلو)، وشكا رجال المال من أنه سيكلف مليون دوكاتية وجهد عشر سنين. ولكن سيكستوس أمر بالشروع في العمل آملاً أن يحي القداس تحت القبة الجديدة قبل أن يودع الحياة. وتكفل جاكومو ديللا بورتا بالمهمة يساعده فيها دومنيكو فونتانا. وراح ثمانمائة من الرجال يكدحون ليل نهار-فيما عدا الآحاد-من مارس 1589، إلى أن اعلنت روما في 21 مايو 1590، قبل موت الحبر الجريء بثلاثة أشهر، بإن »البابا المقدس سيكستوس الخامس«، قد أتم عقد قبة كنيسة القديس بطرس، لمجده الدائم وخزي أسلافه«(86).
وقد انتقص من وقع منظر القبة، إلا على بعد، واجهة الباروك التي أقامها ماديرنا في 1607-14. اما الكنيسة نفسها فقد كرست نهائيا عام 1626، بعد 174 سنة من البدء بتخطيطها. وفي عام 1633 صب برنيني بالبرونز البلداكينو (أي المظللة) المزوقة فوق »مقبرة القديس بطرس« والمذبح المرتفع. وقد أنقذ النحات العظيم نفسه باحاطة المدخل إلى الضريح بصف اعمدة بيضي هائل (1655-67) أعان على جعل كنيسة القديس بطرس أفخم بناء على وجه الأرض، كما أن قبتها ذروة توجت كل ما بلغه الفن الحديث من انجازات.


    صفحة رقم : 9762    

يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق