إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 2 مايو 2014

1403 قصة الحضارة ( ول ديورانت ) قصة الحضارة -> بداية عصر العقل -> صراع العقائد على الس -> إيطاليا الأم الخيرة -> مولد الأوبرا 5- مولد الأوبرا





1403


قصة الحضارة ( ول ديورانت )

 قصة الحضارة -> بداية عصر العقل -> صراع العقائد على الس -> إيطاليا الأم الخيرة -> مولد الأوبرا

5- مولد الأوبرا


لقد شارك الدين، الحب، والرقص، والبلاط، بل حتى العمل، في مولد الموسيقى. ووجد إيفلين أهل الريف الإيطالي »غاية في المرح وإدمان الموسيقى، وحتى الزراع كانوا كلهم تقريباً يعزفون على القيثارة... ويمضون عادة إلى الحقل ومعهم كمانهم(60)« وكان لكل بلاط دوق فرقة مرتلين وقائد للعازفين في الكنيسة؛ وفي فيرارا أثار رباعي من النساء اشتهر باسم »فرقة موسيقى السيدات« الدموع في عيني ناسو وأطلق قلمه بالقوافي. ونسجت أغاني الحب الشعرية شكاواها المتعددة الأصوات، فجعلت التعبد للمرأة حتى زواجها موضع توقير يكاد يرقى إلى توقير الابتهالات الموجهة إلى والدة الإله. وانطلقت القداديس وصلوات المساء والألحان والترتيل يصدح بها ألف أرغن. وحوالي عام 1600 بدأت فرق من خصيان صغار تشنف آذان المصلين. ووصف زائر بروتستنتي موسيقى الكنيسة الكاثوليكية »التي يرتلها خصيان واصوات أخرى نادرة، تصحبهم الآلات الموسيقية، كالعود والبيان القيثاري والفيول؛ ترتيلا كاد


?
    صفحة رقم : 9732    


يذهب بألبابنا(61) ودرب الرهبان والراهبات في فرق ترتيل تبعث الإيمان القويم حتى في الصدور المتوحشة. واجتذب أندريا جبرييلي، وكلوديو ميرولو، وجوفاني جبرييلي (ابن أخي أندريا) على التوالي ألوف المستمعين إلى كنيسة القديس مرقس بالبندقية لينصتوا لعزفهم على الأرغن ولفرقتهم الموسيقية ولفرق المرتلين التي يقودونها. وحين عزف جيرولامو فرسكوبالدي على الأرغن الكبير في كنيسة القديس بطرس احتشد ما لا يقل عن ثلاثين ألفاً في الكنيسة أو من حولها ليستمعوا لعزفه. وقد أثرت ألحانه المنوعة، المعقدة بتجاربها العويصة، في دومنيكو سكارلاتي، ومهدت للتطويرات الهارمونية التي جاء بها يوهان سباستيان باخ.
وكانت الآلات الموسيقية متنوعة تنوعها اليوم تقريباً. وحوالي منتصف القرن السادس عشر بدأ الكمان، المتطور عن القيثارة، يحل محل الفيول. وكانت بريشيا مقر أول صانعين من صناع الكمان العظام، وهما جاسبارو داسالو وتلميذه جوفاني ماجيني. ويلوح أن أندريا أماني أخذ الفن عنهما وحمله إلى كريمونا؛ حيث اسلمه ابناؤه إلى آل جوارنيري وآل ستراديفاري. وقد لقيت الآلة الجديدة مقاومة من أولئك الذين آثروا أنغام القبول الأكثر نعومة ورقة. وقامت المنافسة بين الفيول والعود والكمان قرناً من الزمان. ولكن حين وجد آل أماتي الوسائل للتخفيف من حدة صوت الكمان ارتقت الآلة الجديدة إلى مقام الصدارة غير منازع، يعينها عليه ازدياد غلبة اصوات السوبرانو في الموسيقى الصوتية.
كانت الألحان لا تزال توضع للصوت أكثر منها للآلة. وإلى هذه الفترة تنتمي شخصية شاعرية هي شخصية كارلو جزوالدو، أمير فينوزا، الذي زين النبالة بالموسيقى؛ والقتل بالأغاني الشعرية. ولد في نابلي (حوالي 1560) وأصبح عازف عود ممتازاً، وتزوج سيدة عريقة المولد؛ ودبر قتلها هي وعشيقها لشبهة الزنى؛ ثم هرب إلى فيرارا، وتزوج دونا اليونورا ديستي؛ ونشر خمسة كتب من أغاني الغزل انتقلت أنغامها


?
    صفحة رقم : 9733    

الجريئة وانتقالات طبقاتها الحادة من قوالب النهضة إلى قوالب الأصوات المتعددة الحديثة. وفي فبراير 1600 أخرج ايميليو دي كافالييري؛ في مصلى القديس فيليب نيري بروما؛ قصة رمزية شبه مسرحية، الحركة فيها للرمز فقط؛ ولكن يصاحبها الأوركسترا والرقص والخورس والمغنون المنفردون هذه الموشحة الدينية »الأوراتوريو الأولى«، سبقت أوبرا بيري المسماة »أوريديتشي« بثمانية شهور لا أكثر، وشابهتها من وجوه كثيرة. وبعد مرور جيل آخر ألف جاكومو كاريسيمي أوراتوريوات وكنتاتات أثرت تراتيلها الفردية في تطور الإلقاء الأوبري الملحون.
والتقت خطوط كثيرة أخرى من التطور الموسيقي لتخرج لنا الأوبرا، فبعض »التمثيليات المقدسة« التي خلفتها العصور الوسطى أضافت الموسيقى والغناء إلى الحركة. ففي هذه، وفي موسيقاها المعبرة عن آلام المسيح، كانت الكنيسة أما للأوبرا أو حاضنة لها كما كان شأنها في كثير من الفنون الأخرى. فقد كانت المقاطع الملحوظة المصحوبة بالموسيقى تسمع في القصور أواخر العصور الوسطى. وذكر علماء النهضة أن قطعاً من المآسي اليونانية كانت تغني أو ترتل بمصاحبة الموسيقى. وفي بلاط مانتوا، عام 1472؛ جمع إنجيليو بولتسيانو بين الموسيقى والدراما في مسرحيته القصيرة »فافولادي أورفينو أورفينو وبدأت هذه الأسطورة الحزينة تشق الآن طريقها الطويل إلى الأوبرا. كذلك شقت مسرحية الأقنعة »الماسك« التي اشتد الإقبال عليها في قصور القرن السادس عشر طريقاً آخر إلى الأوبرا؛ ولعل الباليه؛ والمشاهد المسرحية المترفة؛ والملابس الفخمة التي تراها في الأوبرا الحديثة، منحدرة من الرقص والمواكب والثياب الفاخرة التي غلبت على الحركة في مسرحيات الأقنعة أيام النهضة.
وفي أخريات القرن السادس عشر اقترح فريق من المتحمسين للموسيقى والأدب التقوا في بيت جوفاني باردي بفلورنسة أن يحيوا مسرحية اليونان الموسيقية بتحرير الأغنية من تعدد الأصوات الشديد ومن لغة القصائد الغزلية


?
    صفحة رقم : 9734    

المفرقة المكتومة، وردها إلى ما كانوا يعتقدونه اسلوب المأساة القديمة الفردي (المونودي). فقام أحدهم وهو فنشنزو جاليلي، أبو الفلكي، بتأليف موسيقى مونودية لأجزاء من جحيم دانتي. ووضع عضوان آخران من الجماعة، هما الشاعر أوتافيو رينوتشيني والمغني ياكوبو بيري، النص والموسيقى لما يمكن أن نعده أول أوبرا واسمها »دافني«، وقد أخرجت في بيت ياكوبو كورسي في 1597)63). وقوبل الأداء بالاستحسان الكبير حتى أن رينوتشيني دعى إلى وضع الكلمات للحن أهم، وبيري وجوليو كاتشيني إلى تأليف موسيقى اللحن، وذلك احتفالا بزفاف هنري الرابع وماريا دي مديتشي بفلورنسة (6أكتوبر 1600). و »الأوريديتشي« التي مثلت هناك هي أقدم الأوبرات الباقية على قيد الحياة. وقد اعتذر بيري عن عيوب هذا العمل المستعجل، راجيا »أن أكون قد فتحت الطريق لموهبة غيري من المؤلفين، ليتأثروا خطاي نحو هذا المجد الذي لم يتح إلى بلوغه(63)«.
هذا المجد بلغه أحد الفحول في تاريخ الموسيقى، وهو كلوديو مونتيفردي. حذق العزف على الكمان في مسقط رأسه كريمونا، حتى أنه عين عازفاً للكمان في قصر دوق مانتوا وهو لا يتجاوز الثانية والعشرين (1589)، وفي الخامسة والثلاثين أصبح قائد فرقة المرتلين في الكنيسة. وقد ندد النقاد تنديدا شديدا بكتبه الخمسة في الأغاني الشعرية (1587-1605) لما أخذوه عليها من تنافر شديد، و »نقلات شديدة التحرر«، ومتواليات هارمونية »غير قانونية«، وخروج على قواعد مزج الألحان (الكونتر بنط). كتب جوفاني ارتوزي في »مثالب الموسيقى الحديثة« (1600-3) يقول »هؤلاء الملحنون المحدثون يحلو لهم فيما يبدو أن يخرجوا أعظم ما يستطيعون من ضوضاء بالجمع بين عناصر لا رابط بينها اطلاقا ومجموعات متعاظمة من الأنغام المتنافرة(64)«.
ووجه مونتيفر دي محاولاته المتهورة إلى الشكل الجديد الذي سمعه في


?
    صفحة رقم : 9735    

فلورنسة، فأخرج في مانتوا أول اوبرا من تلحينه، وهي »أورفيو« أخرى (1607) يشارك في عزفها أوركسترا من ستة وثلاثين عازفا. وسجلت الموسيقى والحركة في هذه الأوبرا تقدما عظيما على أوبرا »أوريديتشي« لبيري. وفي الأوبرا الثانية التي لحنتها مونتيفردي، واسمها »أريانا« (1608) كانت الحركة أشد مسرحية والموسيقى أكثر استهواء للسامعين. وبدأت إيطاليا كلها تردد عويل أردياني التي هجرها حبيبها »دعوني أمت«، وفي توسيع مونتيفردي للاوركسترا واعادة تنظيمه، وفي تمييزه المتكرر لكل شخصية بلحن خاص، وفي افتتاحياته 0سنفونياته) التي استهل بها اوبراته، وفي تجويده للموسيقى الصوتية والألحان، وفي جمعه الحميم، المعقد، بين الموسيقى والدراما، في هذا كله سجل من التقدم الحاسم في الأوبرا ما كان يفعله معاصره شكسبير في المسرح.
وانتقل مونتيفردي في 1612 إلى البندقية قائدا للمرتلين بكنيسة القديس مرقس. ولحن مزيدا من الأغاني الشعرية، ولكنه غير من هذا اللون الآخذ في الانحلال مسرفا في العنصر الالقائي اسرافا حدا بالنقاد إلى اتهامه بأنه يخضع الموسيقى للدراما (على نحو ما سيتهم به برنيني من اخضاع النحت للدراما)، ومما لا ريب فيه أن أوبرا مونتيفردي-ككل أوبرا تقريبا- ضرب »من الباروك« الموسيقى. وافتتحت البندقية أول دار عامة للأوبرا »تياترو دي سان كاسيانو«، وفيها استمر عرض أوبرا مونتيفردي »أدوني« من عام 1639 إلى كرنفال 1640، بينما كان أوبرا أخرى له تسمى »أريانا« تشغل مسرحا آخر بين الحين والحين. فلما أخرج آخر أوبراته »تتويج البابا« (1642) اغتبطت إيطاليا لأنها رأت أنه ما زال في عنفوانه رغم بلوغه الخامسة والسبعين (شأن فردي الذي أخرج »عطيل« وهو في الرابعة والسبعين). وبعد عام مات تاركا دنيا الموسيقى بعد أن أن الهمتها وجددت شبابها ثورته الخلاقة.


    صفحة رقم : 9736    

يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق