إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 1 مايو 2014

1390 قصة الحضارة ( ول ديورانت ) قصة الحضارة -> بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلت -> الثورة الكبرى -> البيوريتانيون والمسر 3- البيوريتانيون والمسرح





1390


قصة الحضارة ( ول ديورانت )

 قصة الحضارة -> بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلت -> الثورة الكبرى -> البيوريتانيون والمسر

3- البيوريتانيون والمسرح


إن أول انتصار أحرزه البيوريتانيون كان في حربهم ضد المسرح. فإن كل ما تميزوا به-من لاهوت قائم على "الاصطفاء" و "الرفض" وخلق متزمت، ومزاج قاسي، وحديث إنجيلي-كان يتناوله المسرح بالتجريح والتسخيف، عن طريق الصور الكاريكاتورية الفاضحة التي لا تغتفر، وكانت الطامة الكبرى في 1629: فإن ممثلة فرنسية تجاسرت على إسناد دور نسائي إلى شاب في رواية مثلت على مسرح Black Friars فقذفوها بالتفاح والبيض الفاسد.
وربما أرضى الكتاب المسرحيون الجدد جماع البيوريتانيين، لأنهم كانوا في جملتهم مهذبين، من حين إلى حين، حاولوا بالبذاءات، إرضاء جمهور الدرجة الثالثة ذوي الأذواق السقيمة واجتذابهم. إن رواية فيليب ماسنجر "طريقة جديدة لتسديد الديون القديمة (1625) لم تكن تهجو الفضيلة المتزمتة، بل جشع الاحتكارات. ولم يكن ثمة شعر يحلق، ولا ذكاء يدوي، ولا مجازات وتخيلات صارخة، ولكن الرجل المبتز المجرد من الضمير والمبادئ الخلقية وقع في يد العدالة آخر الأمر. وتعاقبت خمسة فصول دون أن تظهر واحدة من البغايا أو بنات الهوى. وتحايل جون فورد على تصيد الجمهور بأن جعل عنوان الرواية "يا حسرتاه إنها مومس"، ولكن هذه الرواية، ورواية "القلب الكسير" (كلتاهما 1633) احتفظنا بشيء من الاحتشام، وربما أمكن تمثيلهما الآن لو أن الجمهور الحديث استطاع أن يتحمل العذاب في حل عقد الرواية.
وسدد البيوريتانيون أعنف ضرباتهم للمسرح، حين أرسل أشد أنصارهم جرأة وشجاعة، وليم برين، إلى الصحافة (1632) مقاله "سوط الممثلين Players Seourge وكان برين محامياً، ولم يدع النزاهة والتجرد، وقدم إلى


?
    صفحة رقم : 9634    


المدعي مذكرة من ألف صحيفة، وبالاقتباس من الكتب المقدسة ومن كتابات آباء الكنيسة بل حتى من كتابات الفلاسفة الوثنيين، أثبت أن المسرحية من عمل الشيطان، فإنها بدأت كصيغة أو شكل لعبادته. إن معظم الروايات ممتلئة بالتجديف والدعارة والفحش، زاخرة بعناق العشاق، والإيماءات الخليعة، والموسيقى والأغاني والرقص الذي يثير الشهوة، وإن كل أنواع الرقص من عمل شيطاني، وكل خطوة فيه إن هي إلا خطوة إلى الجحيم، وإن كل الممثلين مجرمون فجرة كفرة". "إن كنيسة الله، لا المسرح، هي المدرسة الوحيدة الصالحة، والكتاب المقدس والعظات والكتب الدينية المخلصة الورعة... هي المحاضرات" أي القراءات الوحيدة الصالحة للمسيحيين. فإذا أرادوا التحول عنها:
فإن أمامهم مشاهد متعددة في الشمس والقمر والكواكب والنجوم وسائر المخلوقات التي لا نهاية لتعددها وتنوعها، ليمتعوا بها أنظارهم. وإن أمامهم تغريد الطيور ليشنفوا به آذانهم، وإن لديهم الشذا الرقيق الجميل والروائح الزكية المنبعثة من الأعشاب والأزهار والفواكه لينعشوا بها أنوفهم.. ولديهم المذاق الجميل لكل ما يصلح للأكل... والمسرات والمتعة التي تقدمها لهم البساتين والأنهار والحدائق والبرك والغابات، والبهجة التي يوفرها لهم الأصدقاء والأقرباء والأزواج والزوجات والأولاد، والمقتنيات والثروة، وسائر النعم الظاهرة التي أنعم الله بها على الإنسان(31).
وكانت الحجة قوية بليغة، ولكنها وصمت كل الممثلات بالدعارة والبغاء، وكانت الملكة لتوها قد استقدمت من فرنسا بعض الممثلات، وكانت هي نفسها تتدرب على التمثيل دور في البلاط، وجرح شعور هنريتا ماريا واستاءت، واتهم لود برين بإثارة الفتنة، ودفع المؤلف بأنه لم يكن يقصد الطعن في الملكة أو التشهير بها، واعتذر عن عدم مراعاة الاعتدال في كتاباته. ولكن على أية حال، في قسوة علقت بأذهان البيوريتانيين طويلاً، منع من الاشتغال بالمحاماة وفرضت


    صفحة رقم : 9635    


عليه غرامة يستحيل دفعها، 5000 جنيه (250.000 دولار؟)، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة. ووضع في المشهرة وقطعت أذناه كلتاهما(32)، ومن سجنه أصدر (1636) "أنباء من أبزوك" اتهم فيه الأساقفة الأنجليكانيين بأنهم خونة شيطانيون، وذئاب ضارية، وأوصى بشنقهم. فعذب في المشهرة من جديد، واستؤصلت بقايا أذنيه، وبقى في السجن حتى أفرج عنه البرلمان الطويل 1640.
وفي 1642 أصدر البرلمان أمراً بإغلاق كل مسارح إنجلترا. وكان هذا في أول الأمر، فن تدابير حرب، بدا أنها محدودة بهذه الأوقات الفاجعة. ولكنها استمرت حتى 1656. وآذنت بزوال الحياة الطويلة للمسرحية الإليزابثية، وسط مسرحية أكبر لم يشهد لها المسرح الإنجليزي مثالاً قط.


    صفحة رقم : 9636    

يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق