إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 1 مايو 2014

1382 قصة الحضارة ( ول ديورانت ) قصة الحضارة -> بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلت -> الدعوة إلى العقل -> الخرافة الفصل السابع الدعوة إلى العقل 1558-1649 1- الخرافة





1382


قصة الحضارة ( ول ديورانت )

 قصة الحضارة -> بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلت -> الدعوة إلى العقل -> الخرافة

الفصل السابع


الدعوة إلى العقل


1558-1649


1- الخرافة


هل الناس فقراء لأنهم جهلاء، أم جهلاء لأنهم فقراء؟ تلك مسألة انقسم عليها الفلاسفة السياسيون إلى محافظين يؤكدون أهمية عامل الوراثة (التفاوت الفطري الموروث في القدرة العقلية)، ومصلحين يعتمدون على البيئة (أهمية التعليم وإتاحة الفرصة). وبازدياد الثروة وتوزيعها ينمو العلم ويتقلص ظل الخرافة. ومع ذلك فانه حتى البلد المزدهر ازدهاراً كبيراً-وبخاصة بين الفقراء المنهوكين والأثرياء الخاملين-نجد أن الفكر يعيش في متاهة من الخرافات: علم التنجيم، حساب الجمل (دراسة المعاني السحرية أو التنجيمية للأعداد)، قراءة الكف، الأعاجيب، الحسد، السحرة، الغيلان، الأشباح، العفاريت، التعزيم لاستحضار الجن، التعاويذ والرقي، تفسير الأحلام، الكرمات والمعجزات، الشعوذة والدجل، الخصائص الخفية، الشافية أو المؤذية، للمعادن والنباتات والحيوانات. فلنتدبر إذن الجو الخانق الذي يسمم جذور العلم بثماره، في شعب ذي ثروة ضئيلة أو مركزة في أيدي فئة قليلة. إن الخرافة لدى ضعاف الأجسام والعقول عنصر ثمين في قصيدة الحياة، تضئ أيامهم الكئيبة بالأعاجيب المثيرة، وتخفف من بؤسها بالقوى السحرية والأماني الخفية.
وفي 1646 احتاج سير توماي براون إلى 652 صحيفة ليعدد ويعالج في إيجاز الخرافات المنتشرة في أيامه(1)، إن كل هذا الإيمان بالقوى الخفية تقريباً، نما وازدهر


    صفحة رقم : 9582    


بين البريطانيين في عهد إليزابث وأوائل عهد آل ستيوارت. ففي 1557 نشر الملك جيمس السادس كتاباً يعتبر مرجعاً "الإيمان بالشياطين" وهو من المروعات في الأدب. وفيه ينسب إلى السحرة القدرة على ارتياد البيوت، وغرس الحب والبغض في قلوب الرجال والنساء بعض لبعض، ونقل المرض من شخص إلى آخر، والقتل بإحراق تمثال أو دمية من الشمع، وإثارة العواطف المدمرة. وبرر عقوبة الإعدام للسحرة والمشعوذين-بل حتى لزبائنهم(2). وعندما كادت زوبعة تودي بحياته في طريق عودته من الدنمرك مع عروسه، أمر بتعذيب أربعة اشتبه فيهم حتى اعترفوا كانوا قد تآمروا على القضاء عليه بوسائل سحرية. وأحرق واحد منهم حتى الموت، وهو جون فين، بعد أن عذب تعذيباً وحشياً(3).
واتفقت الكنيسة الوطنية الإسكتلندية مع الملك في هذا الشأن. وهدد القضاة المدنيون الذين يتساهلون مع السحرة بالحرمان من الكنيسة(4). وفيما بين عامي 1560-1600 أحرق نحو ثمانية آلاف من النسوة باعتبارهن ساحرات في إسكتلندة التي لم يكن عدد سكانها يبلغ المليون(5). وكاد الاعتقاد في السحر في إنجلترا أن يكون عاماً شاملاً، وشارك في هذا الاعتقاد أطباء علماء مثل وليم هارفي وسير توماس براون. ونصت إليزابث العنيدة في القوانين التي سنتها 1562 على أن الاشتغال بالسحر جريمة عقوبتها الإعدام. وأعدم من أجلها إحدى وثمانون امرأة في عهدها(6). وخفف جيمس السادس من تزمته بعد أن أصبح جيمس الأول ملك إنجلترا، وأصر على محاكمة المتهمين بالسحر محاكمة عادلة، وفضح الاعترافات والاتهامات الباطلة وأنقذ حياة خمس من النسوة اتهمهن صبي مخبول(7). وكادت المطاردة أن تنقط بعد اعتلاء شارل العرش، ولكنها استؤنفت، وبلغت أقصاها أيام حكم البرلمان الطويل، حيث أعدم في عامين اثنين (1645-1647) مائتان من السحرة(8).
وفي وسط هذه الموجة العاتية من الضراوة والعنف ارتفع صوت واحد يناشد العقل ويتحكم إليه، هو ريجنالد سكوت، وهو إنجليزي على الرغم من اسمه، وقد نشر في لندن 1584 "الكشف عن السحرة". ولم يسبقه إلا جوهان فير في كتابه


    صفحة رقم : 9583    


"خدعة الشيطان" (بازل 1564) في هذه المحاولة الخطيرة، محاولة التخفيف من الخرافة البالغة القسوة. ووصف سكوت الساحرات بأنهن نسوة عجائز بائسات لا يستطعن الإضرار بأحد، وأنهن، حتى لو تصرف الشيطان عن طريقهن، أولى بالرثاء والإشفاق، أكثر منهن بالإحراق، وقال إن في نسبة المعجزات إلى هاتيك العجائز الشمطاوات، امتهاناً لمعجزات السيد المسيح. وفضح سكوت ألوان التعذيب التي جعلت السحرة غير ذات قيمة، وإجراءات المحاكمة المجافية للعدالة، والمشوبة بالمخالفات والتراخي. والشكوك التي يزدردها القضاة والمحققون. ولكن لم يكن ثمة أثر للكتاب.
وفي هذا الجو حاول العلم أن يشب على قدميه.


    صفحة رقم : 9584    



يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق