إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 1 مايو 2014

1376 قصة الحضارة ( ول ديورانت ) قصة الحضارة -> بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلت -> جيمس السادس والأول -> جيمس الأول ملك انجلت 2- جيمس الأول ملك إنجلترا 1603-1614





1376


قصة الحضارة ( ول ديورانت )

 قصة الحضارة -> بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلت -> جيمس السادس والأول -> جيمس الأول ملك انجلت

2- جيمس الأول ملك إنجلترا


1603-1614


أي صنف من الرجال كان قد أصبح جيمس في سبع وثلاثين سنة؟ كان متوسط القامة، ذا رجلين ضعيفتين، وكرش صغير، يرتدي سترة ضيقة وبنطلوناً محشوين أو مبطنين حتى يمنعا وصول نصال السفاحين إلى جسمه، وكان شعره ذا لون أسمر بني، وخلداه متوردين، وأنفه مكور، تشع من عينيه الزرقاوين نظرات الارتياب والحزن، وكأنما كان الرب خجلاً من جسمه. وكان كسولاً نوعاً ما، فآثر الراحة من عناء العمل، اعتماداً منه على إليزابث، وكانت لغته فظة، يتميز له وتسليته بالخشونة، وكان يتمتم ويتلعثم كثيراً، وكثيراً ما كان لسانه الخشن يفلت بغير حساب، وكان مزهواً كريماً، جباناً مخادعاً، لأنه كثيراً ما تعرض للخطر، وخدع وغرر به، مستعداً لتبادل الإساءة، وليصفح ويلتمس الصفح، من ذلك أنه عندما أنكر جون جب أنه ضيع بعض الوثائق الهامة، فقد جيمس صوابه، وركله بقدمه، فلما عثر على الأوراق، جثا أمام معاونه الذي أخزاه وأذله، وأبى أن ينهض حتى يصفح عنه جب. وكان متسامحاً وسط جو من التعصب وعدم التسامح. وكان في بعض الأحيان صلباً قاسياً، ولو أنه عادة حنون عطوف. وكان يرتاب في ابنه هنري لشعبيته البالغة، ويحب ابنه شارل إلى حد الحمق. ولم تشب علاقته بالنساء أية شائبة، ولكنه كان ميالاً إلى ملاطفة الشبان الوسيمين. وكان يؤمن بالخرافات، كما كان عالماً. وكان سخيفاً لاذعاً، يؤمن بالعفاريت والسحرة في الوقت الذي يعطف فيه على بيكون وجونسون، يحسد العلماء،


ويولع بالكتب، وإن من أول قراراته بوصفه ملكاً أنه منج جامعتي أكسفورد وكمبردج حق إرسال ممثلين لهما إلى البرلمان. ولما رأى مكتبة بودلي صاح قائلاً: "لو لم أكن ملكاً لآثرت أن أكان جامعياً، ولو قدر لي أن أسجن، وكانت لي الخيرة من أمري، لما آثرت مكاناً أسجن فيه غير هذه المكتبة، ملازماً لهؤلاء المؤلفين الأفاضل والأساتذة الذين قضوا نحبهم(14). وصفوة القول أنه كان رجلاً يعوزه الاتزان والحزم، إلى حد ما، ولو أنه كان في قرارة نفسه سمحاً ودوداً، يسخر منه الأذكياء، ولكن يغفر له قومه، لأنه حتى اقتربت نهايته المحزنة، وفر لهم الأمن والطمأنينة والسلام.
ولم يكن جيمس يحب الماء كثيراً إلى حد أنه كره استخدامه لأغراض الغسل. وكان يدمن على الشراب، وأباح في بعض حفلات حاشيته أن تسرف النساء والرجال في الشراب حتى تلعب الخمر برءوس الجميع وينتهي الأمر إلى ثمل عاطفي. ودرجت الحاشية على الإسراف في الملابس وفي الحفلات، إسرافاً لم يسبق له مثيل في بلاط إليزابث. وكانت إليزابث تميل إلى التمثيليات التنكرية، ولكن أما وقد كتب بن جونسون الرواية، وصمم إنيجو جونز الملابس والمناظر، وقام بالأدوار فيها اللوردات العظام والسيدات الفاتنات، وكأنما ارتدى الجميع، من شدة البذخ، أموال المملكة، فإن الفن الخرافي الغريب غير الواقعي بلغ الآن ذروته. وبلغ الاستهتار والخلاعة. والفساد في البلاط مبلغاً لم يسبق له مثيل. حتى جاء على لسان سيدة في إحدى روايات جونسون قولها. "أعتقد أنني إذا لم أجد من يحبني غير زوجي المسكين، فلسوف أشنق نفسي(15)". وقبل أفراد الحاشية "هدايا" قيمة مقابل استغلال نفوذهم في الحصول على المراسيم والتراخيص والاحتكارات والمناصب لمن يطلبها. من ذلك أن البارون مونتاجو دفع عشرين ألفاً من الجنيهات مقابل تنصيبه وزيراً للخزانة(16). وروى بسند ضعيف، أن رجلاً حساساً رقيقاً مرض وفاضت روحه عندما سمع كم دفع أصدقاؤه مقابل تعيينه قاضياً محلياً(17).
ولم يول جيمس مثل هذه المسائل كلها اهتماماً كبيراً. ولم يجهد نفسه كثيراً في شئون الحكومة. وترك إدارة البلاد لمجلس الشورى الذي يتألف من ستة من


الإنجليز ومثلهم من الاسكتلنديين، والذي يرأسه روبرت سيسل الذي عينه إرل سالسبوري (1605). وورث سيسل كل شيء إلا الصحة. فقد أقعده عن الحركة ظهره الأحدب، حتى بات منظره يبعث على الحزن والأسى. ولكنه تحلى بكل ما كان لأبيه من فطنة في اختيار الرجال وتوجيههم، وتشبث صامت وكياسة ماكرة، تفوق بها جميعاً على منافسيه المحليين وعلى أفراد أي بلاط أجنبي. ولما مات "كلب الصيد الصغير" وقع جيمس تحت سيطرة شاب وسيم هو روبرت كار، وعينه إرل سومرست، فهيأ له أن يخلف في مجال السياسة والإدارة، من هم أكبر منه سناً، وأكثر صقلاً وعلماً، مثل فرانسيس بيكون وإدوارد كوك.
وكان كوك تجسيداً للقانون، وحارساً أميناً عليه، أشهرته محاكمته للورد إسكس في 1600، ورالي في 1603، والمشتركين في مؤامرة البارود في 1605. وخرج على الناس في 1610 برأي تاريخي:
يبدو في كتبنا أنه في حالات كثيرة، يطغى القانون العام على قرارات البرلمان، وفي بعض الأحيان يعتبرها باطلة. لأنه إذا كان قرار البرلمان مخالفاً للحق العام أو العقل.... أو يستحيل تطبيقه،فإن القانون العام لا بد أن يلغيه أو يقضي عليه بالبطلان(18).
وربما كان البرلمان لا يستسيغ مثل هذا الرأي، ولكن جيمس عين كوك رئيساً للمحكمة العليا (1613) وعضواً في مجلس الشورى. وانقلب من كونه رجل الملك، إلى رجل يزعج الملك ويقض مضجعه، يستنكر البحث أو التحقيق في الآراء الخاصة، ويؤيد حرية أعضاء البرلمان في الكلام، وتناول بالتجريح سلطة الملك المطلقة في مذكرات لاذعة تؤكد أن الملوك ليسوا إلا خدماً للقانون. وفي 1616 اتهمه منافسه بيكون بارتكاب أعمال محظورة، وعزل كوك، ثم أعيد إلى البرلمان ليستمر في تزعم حركة المقاومة ضد الملك. وأودع سجن لندن 1621، ولكن سرعان ما أطلق سراحه. ومات غير نادم (1634)، مخلصاً أشد الإخلاص لنصوص القانون



وصرامته، وترك لنا أربعة مجلدات من "مجموعة القوانين" لا تزال تشكل مرجعاً هاماً في القضاء الإنجليزي .
وفي نفس الوقت كان جيمس يتابع مع البرلمان مناقشته التي كان لا بد أن تتمخض في عهد ابنه عن الحرب الأهلية وقتل الملك. إنه لم يكتف بممارسة كل السلطات التي كان هنري الثامن وإليزابث قد سيطرتا بها على مشرعيهما المتذمرين أو الذين روعهم التهديد، إنه صاغ دعاواه على أنها أوامر إلهية. فأعلن إلى برلمان 1609:
إن مقام الملكية هو أسمى شيء في الأرض. لأن الملوك لا يقومون مقام الله على الأرض ويجلسون على عرش الله. فحسب، بل إن الله نفسه يسميهم آلهة أو أرباباً.... إن الملوك يسمون بحق آلهة، لأنهم يمارسون شيئاً شبيهاً بالسلطة الإلهية على الأرض. إنكم لو تدبرتم في صفات الله لوجدتموها مجتمعة ومتفقة في شخص الملك. إن الله قادر على الخلق أو التدمير والإفناء، على البناء والهدم، وفق مشيته، يبعث الحياة أو يرسل الموت، يحاسب كل الناس ولا يحاسبه أحد... وللملوك نفس القدرة أو القوة. إنهم يصنعون رعاياهم أو يحطمونهم، ولهم القدرة، ولهم الكلمة العليا على كل رعاياهم، وفي كل الأمور، ومع ذلك لا يحاسبهم أحد إلا الله وحده. ولهم السلطة في أن يجعلوا... من رعاياهم قطع شطرنج يحركونها كيف شاءوا- فالبيدق يطيح


بأسقف أو بفارس- فيرفعون أياً من رعاياهم إلى عنان السماء أو يخسفون به الأرض، وكأنما يتصرفون في أموالهم(20).
وكانت هذه الخطوة إلى الوراء، لأن النظرية السياسية في العصور الوسطى، كانت قد جعلت الملك دوماً. نائباً عن الشعب صاحب السيادة. والبابوات فقط هم الذين أعلنوا أنهم نواب الله على الأرض. ولكن نضفي على هذه الدعوى أفضل واجهة فلسفية، يجدر بنا أن نفترض أن البابوات- بوصفهم الرؤوس العليا للسيادة والسلطان في العصور الوسطى، كانوا قد آمنوا بأن الدوافع الفردية في الإنسان قوية إلى حد أن الإبقاء على النظام الاجتماعي لا يتأتى إلا بأن يغرس في نفوس الناس، إجلال تقلدي للسلطة الدينية، وللبابوات بوصفهم صوت الله وممثليه. ولكن إضعاف الإصلاح الديني للسلطة البابوية أو هدمها. كان قد ترك السلطات السياسية مسئولة في المقام الأول، أو في النهاية، عن النظام الاجتماعي. وحكم هؤلاء أيضاً بأن السلطة البشرية الخالصة عرضة للتحدي، إلى درجة أنها لا تقوى على كبح جماح النزعات غير الاجتماعية في الإنسان، بطريقة فعالة أو من الناحية الاقتصادية. ومن ثم نمت نظرية حق الملوك الإلهي، جنباً إلى جنب، مع تطور القومية والانتقاص من سلطة البابوات. وبعد أن تولى الأمراء اللوثريين في ألمانيا، السلطات الروحية التي كانت للكنيسة القديمة في بلادهم، أحسوا بأنهم محقون في أن يحيطوا أنفسهم بالهالة الإلهية التي اعتقد معظم الحكام والملوك قبل 1789 أنها أساسية لا يستغني عنها للسلطة الأدبية والسلام الاجتماعي. وأخطأ جيمس في التعبير عن هذا الافتراض بوضوح أكثر مما ينبغي، وفي أشد صيغة تطرفاً.
وكان من الجائز أن يتقبل البرلمان، قبولاً نظرياً (مع ابتسامات خاصة) هذه الاستبدادية الملكية، إذا كان أعضاؤه، كما كان الحال مع إليزابث وهي في أوج عظمتها، من كبار ملاك الأراضي- الذين كانوا مدينين لملوك التيودور بأعمال جليلة بطولية. ولكن مجلس العموم الآن كان يضم بين أعضائه البالغ عددهم 467 عضواً، كثيراً من ممثلي الطبقات التجارية الناشئة الذين لا يستسيغون سيطرة ملكية بلا حدود على أموالهم- إلى جانب كثير من البيوريتانيين الذين ينكرون على الملك


دعواه في أن يحكم ديانتهم. وحدد المجلس حقوقه في إغفال جريء لألوهية جيمس، أو حقوقه الإلهية. وأعلن أنه له القول الفصل في صحة انتخاب أعضائه. وطالب بحرية الكلام، وحصانة أعضائه ضد القبض عليهم في أثناء انعقاده، وأثبت أنه بغير هذا لا يكون للبرلمان أي معنى أو قيمة. واقترح أن يتولى التشريع في المسائل الدينية، وأنكر سلطة الملك في الفصل في مثل هذه المسائل دون موافقة البرلمان. على أن الأساقفة الأنجليكانيين على أية حال طالبوا بحث المجمع الكنسي الأنجليكاني في الفصل في الأمور الكنسية، على أن تخضع قراراته لموافقة الملك. وأبلغ رئيس مجلس العموم جيمس أنه ليس للملك أن يسن قانوناً، ولكن يستطيع فقط أن يعتمد أو يرفض أي قانون يجيزه البرلمان. وأعلن المجلس في يونية 1604: "أن امتيازاتنا وحرياتنا هي حقوقنا وتراثنا القانوني... وليست بحال من الأحوال أقل شأناً من أراضينا ومتاعنا... ولا يمكن انتزاعها منا، دون أن يكون في ذلك إساءة صارخة إلى المملكة بأسرها(21)".
وهكذا نسجت خيوط النزاع التاريخي بين "حقوق" الملك و "امتيازات" البرلمان، هذا النزاع الذي قدر له أن يخلق ديموقراطية إنجلترا، بعد مائة من السنين توالت فيها الانتصارات والهزائم.


يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق