959
تاريخ ابن خلدون ( ابن خلدون )
تاريخ ابن خلدون
المجلد الرابع
صفحة 56 - 267
أقسم على الرحيل فلّما وصلوا إليه نكث وقاتلهم خامس المحّرم سنة خمس وثلاثين، فهزمهم. ثم عبّى المنصور عساكره منتصف المحّرم، وجعل البرابر في الميمنة وكتامة في الميسرة، وهو وأصحابه في القلب. وحمل أبو يزيد على الميمنة فهزمها، ثم على القلب فلقيه المنصور واشتدّ القتال. ثم حملوا عليه حملة رجل واحد فانهزم وأسلم أثقاله وعسكره، وقتل خلق من أصحابه وبلغت رؤوس القتلى الذي في أيدي صبيان القيروان عشرة آلاف، ومضى أبو يزيد لوجهه، ومّر بباغاية فمنعه أهلها من الدخول فأقام يحاصرها، ورحل المنصور في ربيع الأول لاتباعه، واستخلف على المهديّة مراما الصقليّ وأدركه على باغاية فأجفل المنصور في إتباعه. وكّلما قصد حصناً سبقه المنصور إليه إلى أن نزل المنصور طبنة فجاءته رسل محمد بن خزر أمير مغراوة، من أصحاب أبي يزيد،ومواطئه بالغرب الأوسط فاستأمن للمنصور فأمنه، وأمره بطلب أبى يزيد. ووصل أبو يزيد إلى بني برَْزال وكانوا نكاريّة، وبلغه خبر المنصور في اتباعه فسلك الرملة. ثم عاد نواحي غمرت فصادف المنصور وقاتله فانهزم أبو زيد إلى جبل سالات، والمنصور في أثره في جبال وأوعار ومضايق تفضي إلى القفر، وأصابهم الجهد وعلم أنه ليس أمامه إلاّالمفازة إلى بلاد السودان فرجع إلى غمرت من بلاد صنهاجة. ووفد عليه هنالك زيري بن مناد أمير صنهاجة فأكرمه ووصله كما يجب له. وجاء كتاب محمد بن خزر بالمكان الذي فيه أبو يزيد من المفازة، وأقام المنصور هنالك لمرض أصابه فرجع أبو يزيد إلى المسيلة وحاصرها. فلما عوفي المنصور رحل أوّل رجب سنة خمس وثلاثين وقصده فأفرج عن المسيلة، وقصد المفازة يريد بلاد السودان فأبى عليه بنو كملان أصحابه فرجعوا إلى جبال كتامة وعجيسة فتحصّنوا بها. وجاء المنصور ننزل بساحتهم عاشر شعبان، ونزل أبو يزيد فقاتلهم فانهزم وأسلم عسكره وأولاده، وطعنه بعض الفرسان فأكبّه وحامى عنه أصحابه فقتل في الحومة ما يزيد على عشرة آلاف، وتخلص. ثم سار المنصور في آثره أوّل رمضان، ولم يقدر أحد من الفريقين على الهزيمة لضيق المكان وصعوبته. ثم انهزم أبو يزيد لما ضرسه الحرب، وترك أثقاله وساروا إلى رؤوس الجبال يرمون بالصخر، وتزاحفوا حتى تعانقوا بالأيدي، وكثر القتل. ثم تحاجزوا وتحصّن أبو يزيد بقلعة كتامة، واستأمن الذين معه من هوارة فأمنهم المنصور، وحصر أبا يزيد في القلعة وقاتلها غير مرة حتى افتتحها عنوة وأضرمها ناراً، وقتل أصحاب أبي يزيد في كل ناحية، وجمع أهله وأولاده في
القصر، وأظلم الليل فأمرالمنصور بإشعال النيران في الشعراء المحيطة بالقصر، حتى أضاء الليل لتكون أحواله بمرأى منهم حذراً من فراره، حتى خرج الليل وحمل في أصحاب المنصور حملة منكرة فأفرجوا له، وأمر المنصور بطلبه فألفوه، وقد حمله ثلاثة من أصحابه لأنه كان جريحاً فسقط من الوعر وارتث فحملوه إلى المنصور فسجد سجدة الشكر، وأقام عنده إلى سلخ المحرم من سنة ست وثلاثين. ثم هلك من الجراحة التي به فأمر بسلخ جلده، وحشوه تبناً، واتخذ له قفصاً فأدخل فيه مع قردين يلاعبانه بعثاله. ورحل إلى القيروان والمهديّة، ولحق ابنه فضل بمعبد بن خزر، وزحف به إلى طبنة وبسكرة. وقصد المنصور فانهزم معبد، وصعد إلى كتامة فبعث إليه العساكر مع مولييه شفيع وقيصر، ومعهما زيري بن مناد في صنهاجة، فانهزم فضل ومعبد، وافترق جمعهم، ورجع المنصور إلى القيروان فدخلها.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق