558
زاد المعاد في هدي خير العباد ( ابن قيم الجوزية ) الجزء الثالث
فصل
في فقه هذه القصة
فيها: أنَّ عادة المسلمين كانت غُسْلَ الإسلامِ قبل دخولهم فيه، وقد صح أمرُ النبى صلى الله عليه وسلم به، وأصح الأقوال: وجوبُه على مَن أجنب فى حال كفره ومَن لم يُجنب.
وفيها: أنَّه لا ينبغى للعاقل أن يُقَلِّد الناسَ فى المدح والذم، ولا سيما تقليدَ مَن يَمدح بهوى ويذُمُّ بهوى، فكم حَالَ هذا التقليدُ بينَ القُلُوب وبين الهُدى، ولم ينجُ منه إلا مَن سبقت له مِن الله الحُسْنَى.
ومنها: أنَّ المدد إذا لحق بالجيش قبل انقضاء الحرب، أسهم لهم.
ومنها: وقوعُ كرامات الأولياء، وأنها إنما تكون لحاجة فى الدِّين، أو لمنفعةٍ للإسلام والمسلمين، فهذه هى الأحوال الرحمانية، سببُها متابعة الرسول، ونتيجتُها إظهارُ الحق، وكسرُ الباطل، والأحوال الشيطانية ضِدُّها سبَباً ونتيجة.
ومنها: التأنى والصبرُ فى الدعوة إلى الله، وأن لا يُعجل بالعقوبةِ والدعاء على العصاة، وأما تعبيرُه حلق رأسه بوضعه، فهذا لأن حلق الرأس وضعُ شعره على الأرض، وهو لا يدُلُّ بمجرده على وضع رأسه، فإنه دال على خلاص من هم، أو مرض، أو شدة لمن يليقُ به ذلك، وعلى فقر ونَكَدٍ، وزوالِ رياسة وجاه لمن لا يليق به ذلك، ولكن فى منام الطُّفَيْل قرائن اقتضت أنَّه وضْعُ رأسه، منها أنه كان فى الجهاد، ومقاتلة العدو ذى الشَوْكة والبأس.
ومنها: أنَّه دخل فى بطن المرأة التى رآها، وهى الأرض التى هى بمنزلة أُمه، ورأى أنَّه قد دخل فى الموضع الذى خرج منه، وهذا هو إعادته إلى الأرض، كما قال تعالى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ}[طه: 55]، فأوَّلَ المرأة بالأرض إذ كلاهما محلُ الوطء، وأوَّلَ دخولَه فى فَرْجها بعودِه إليها كما خُلِقَ منها، وأوَّلَ الطائر الذى خرج مِن فِيه بروحه، فإنها كالطائر المحبوس فى البدن، فإذا خرجت منه كانت كالطائر الذى فارق حبسه، فذهب حيثُ شاء، ولهذا أخبر النبىُّ صلى الله عليه وسلم: ((أنَّ نَسْمَةَ المُؤْمِنِ طَائِرٌ يَعْلَقُ فى شَجَرِ الجَنَّة))، وهذا هو الطائرُ الذى رُؤى داخلاً فى قبر ابن عباس لما دُفِنَ، وسُمِعَ قارئ يقرأ: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِى إلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً}[الحجر: 27]. وعلى حسب بياض هذا الطائر وسواده وحُسْنِه وقُبحهِ، تكونُ الروح، ولهذا كانت أرواحُ آلِ فرعون فى صورة طيور سود تَرِدُ النارَ بكرة وعشيةً، وأوَّلَ طلبَ ابنه له باجتهاده فى أن يلحق به فى الشهادة، وحبسه عنه هو مدة حياته بين وقعة اليمامة واليرموك.. والله أعلم.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق