إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 1 مايو 2014

1364 قصة الحضارة ( ول ديورانت ) قصة الحضارة -> بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلت -> وليم شكسبير -> تطور الشاعر 2- تطور الشاعر 1592-1595





1364


قصة الحضارة ( ول ديورانت )

 قصة الحضارة -> بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلت -> وليم شكسبير -> تطور الشاعر


2- تطور الشاعر


1592-1595


أن أول إشارة لشكسبير هنا تحط من قدره. وفي 3 سبتمبر 1592 أصدر روبرت جرين وهو على فراش الموت تحذيراً إلى أصدقائه، بأنه يزحزحهم عن مكنته في مسرح ندن "غراب ناشئ يزدان بريشنا نحن، وأنه في جرأة وحشية (له قلب نمر) يرتدي جلد الممثلين، (وفي هذا تهجم لاذع على بيت في مسرحية هنري السادس)، ويظن بذلك أنه قادر على أن يطنطن بالشعر المرسل كأحسن فرد فيكم أنتم. وبما أنه مستخدم يؤدي كل المهام، ففي تصوره أنه أحسن ممثل في أي بلاد(4)". وأعد هذه القطعة باعتبارها جزءاً من كتاب جرين "ما يساوي بضعة سنتات" من ذكاء جرين-أعدها هنري شاتل، الذي قدم في رسالة لاحقة، اعتذاراً إلى أحد الرجلين (ويحتمل أن يكونا مارلو وشكسبير) اللذين هاجمهما جرين.
إنني لم تكن لي صلة بأي من هذين الرجلين المعتديين، ولا أعبأ قط بأنني لن تكون لي صلة بأحدهما. أما الآخر، فإني آسف لأني رأيت بنفسي أن سلوكه لم يكن أقل لطفاً، كما لم يكن هو أقل امتيازاً في المهنة التي يدعيها، وفوق ذلك فان مختلف العادات تؤكد استقامة تصرفاته، التي تنم على أمانته وكياسته في الكتابة التي تؤيد فنه(5).
ويبدو انه ليس ثمة شك في أن هجوم جرين واعتذار شاتل كانا يشيران إلى شكسبير. وما أن جاءت سنة 1592 حتى كان سارق الصيد في ستراتفورد ممثلاً وكاتباً مسرحياً في العاصمة. ويروي دودال (1693) ورو (1709) أنه "استقبل في المسرح كخادم في مرتبة وضيعة جداً(6)"، وهذا أمر محتمل. ولكن صدره كان يجيش بأشد الطموح "يتلهف على فن هذا ومقدرة ذاك، دون أن ينصرف تفكيره إلى شيء سوى الجلال والعظمة(7)" وسرعان ما كان يمثل أدواراً صغيرة، جاعلاً من نفسه متعة وبهجة للنظر(8)، ثم مثل دور "آدم الشفوق" في رواية


"على هواك" والشبح في هملت وربما صعد إلى مرتبة أعلى لأن اسمه تصدر قائمة الممثلين في رواية جونسون Everyman In His Humour أو في رواية جونسون Sejanus، (1604) هو ويوريدج بأنهما "الممثلان المأساويان الرئيسيان(9)". وفي أواخر 1594 أصبح مساهماً في فرقة تشمبرلين للممثلين. ولم يكسب ثروته من كونه كاتباً مسرحياً، بل لكونه ممثلاً ومساهماً في فرقة مسرحية.
ومهما يكن من أمر فانه في 1591 كان يكتب الروايات. ويبدو أنه بدأ "طبيباً للرواية" (يعالجها ويفحصها) فحرر المخطوطات ونقحها وكيفها للفرقة. وانتقل من مثل هذا العمل إلى الاشتراك في التأليف. وإن الأجزاء الثلاثة من "هنري السادس" (1592) لتبدو أنها من مثل هذا الإنتاج المشترك. وبعد ذلك كتب روايات بمعدل إثنتين كل عام، حتى بلغت جملتها ستاً وثلاثين أو ثماني وثلاثين رواية. وإن عدة من رواياته الأولى مثل Two Gentlemen Of Venoma, Acomedy Of Errors، (1594)، Loves Labours Lost (1594)- توافه هزلية مليئة بالمزاح المرهق لنا الآن. وإنه لمن الدروس المفيدة أن نعلم أن شكسبير صعد سلم المجد بالعمل الشاق والجهد المضني. ولكن الصعود كان سريعاً. وأوحت إليه رواية مارلو "إدوارد الثاني" أن يلتمس في التاريخ الإنجليزي أفكاراً لموضوعات مسرحية كثيرة وضارعت رواية "ريتشارد الثاني" (1595) رواية مارلو. أما رواية "ريتشارد الثالث" (1592) فكانت بالفعل قد بزتها. ووقع إلى حد ما في خطأ خلق شخص واحد من صفة واحدة-الملك الأحدب من الطموح الموصوم بالخيانة والقتل، ولكنه بين الحين والحين ارتفع بالرواية عن متوى مارلو بعمق التحليل وقوة الإحساس وومضات من العبارة المشرقة. وسرعان ما أصبحت عبارة "جواد! جواد! مملكتي مقابل جواد!"، ذائعة على كل الألسنة في لندن.
ثم فترت العبقرية في Titus Andronicus (1593). وغلب التقليد، وعرض رقصة الموت البغيضة، فان تيتس يقتل ابنه، وآخرين صهره أو زوج ابنته، على المسرح، وتغتصب عروس وراء الكواليس فتأتي إلى خشبة المسرح، وقد قطعت يداها، وقطع لسانها، والدم ينزف من فمها، ثم يقطع أحد الخونة يد



تيتس بفأس أمام جمهور الدرجة الثالثة الذين تكاد عيونهم تلتهم المشهد. وتعرض رأساً ابني تيتس المفصولان، وتقتل إحدى المرضعات على المسرح. وجهد النقاد الذين يجلون شكسبير ليحملوا المشتركين في التأليف جزءاً من مسئولية هذه المذبحة، طبقاً للنظرية الخاطئة القاتلة بأن شكسبير لا يكتب هراء، ولكنه كتب بالفعل قدراً كبيراً منه.
وألف شكسبير حوالي هذه المرحلة من مراحل تطوره، شعره القصصي وقصائد السونيت، وربما كان الطاعون الذي تسبب غب إغلاق كل مسارح لندن بين 1592-1594، هو الذي تركه في فراغ أليم بائس، ورأى أنه من صواب الرأي أن يوجه شيئاً من الشعر المؤمل إلى أحد رعاة الشعر. وفي (1593) أهدى فينوس وأودنيس إلى هنري ريوتسلي أرل سوثمبتون الثالث. وكان لودج قد اقتبسها من قصة أوفيد Metamorphoses، واقتبسها شكسبير عن لودج، وكان الأول شاباً وسيماً منغمساً في الملذات الجنسية والصيد والقنص، وربما تلت أو كيفت لتلائم ذوقه. ويبدو كثير منها غذاء تافهاً عديم القيمة في هذه السنوات العجاف، ولكن في غمرة هذا الإغراء الشديد هناك قطع ذات جمال حسي مثل الأبيات من (679-708) مما قل أن قرأت إنجلترا مثله من قبل. وتشجع شكسبير بما لقيت القصيدة من استحسان عام، وبهدية من سوثمبتون فأصدر في 1594 The Ravyshement Of Lucrece حيث تم الإغراء باقتصاد أكبر في الشعر. وكانت هذه آخر ما أصدره بمحض اختياره.
وحوالي 1593 بدأ يكتب ولكنه حجز عن المطبعة قصائد السونيت التي كانت أول ما ثبت مكانته الرفيعة بين شعراء عصره. وهي من الناحية الفنية أدق أعمال شكسبير تقريباً، وقد نهلت كثيراً من معين بترارك من قصائد السونيت- الجمال العابر للمحبوبة وتردداتها وتقلباتها القاسية، وتثاقل خطوات الزمن الذي يضيع سدى وغير الحبيب وظمؤه القاتل، وتفاخر الشاعر بأن قريضه سوف يخلد جمال الحبيبة وشهرتها إلى الأبد. بل إن هناك عبارات وألقاباً ونعوتاً منتحلة من كوننستابل ودانيل، وواطسون- وغيرهم من شعراء السونيت الذين كانوا هم أنفسهم حلقات



في سلسلة السرقات الأدبية. ولم يفلح أحد في ترتيب قصائد السونيت في نظام قصصي ثابت، وكانت كلها عملاً طارئاً في أيام متباعدة. ويجدر بنا ألا نأخذ بكثير من الجد حبكتها الغامضة-حب الشاعر لشاب يافع، وميله إلى "سيدة سمراء" في البلاط. وصدودها عنه، وترحيبها بصديق له، وظفر شاعر منافس بذاك الصديق، وسهاد شكسبير اليائس وتفكيره في التخلص من الحياة. ومن الجائز أن شكسبير، وهو يمثل في البلاط، اختلس النظرات في لهف بعيد إلى الوصيفات المحيطات بالملكة، واللائى تضمخن بعطور ذات رائحة مثملة، وارتدين ثياباً تبهر الأنظار، ولكن ليس من المرجع أنه تحدث إليهن أو حاول اقتناصهن قط. ولقد أصبحت واحدة منهن، وهي ماري فتون Fitton خليلة أرل بمبروك، ويبدو أنها كانت شقراء،أو أن هذا كان مجرد أصباغ زائلة، ومهما يكن من أمر فقد كانت غير متزوجة، في الوقت الذي خانت فيه زوجة شكسبير "عهد الزوجية" بحب الشاعر و "محبوبه"(10).
وفي 1609 نشر توماس ثورب قصائد السونيت، وواضح أن هذا كان بدون موافقة شكسبير، لأن المؤلف لم يكتب فيها إهداء، ولكن ثورب نفسه صدرها بإهداء حير الأجيال: "إلى الوحيد الذي يقدر القصائد التالية، السيد و.هـ. مع كل ما بشر به شاعرنا الخالد من سعادة وخلود، مع أطيب التمنيات للمغامر الذي يبغي الخير، فيما يعتزم من ترحال. "ويحتمل أن التوقيع ا.ت.ث. "توماس ثورب". ولكن من هو "و.هـ."؟ ربما كان هذان هما الحرفان الأولان من وليم هربرت أرل بمبروك الثالث الذي أغوى ماري فتون، والذي قدر له هو وأخوه فيليب أن يتلقيا إهداء الكتاب الذي نشر بعد وفاة المؤلف، على انه أعظم راع لرجال العلم والأدب من أي نبيل في عصره أو منذ ذلك العصر". وكان هربرت في عامه الثالث عشر فقط حين بدأت قصائد السونيت 1593، ولكن تأليفها امتد حتى 1598، حين كان بمبروك قد اشتد عوده ونضج للحب ورعاية الأدب والأدباء. ويتحدث الشاعر بحرارة عن حبه "للمحبوب الفتي"، وغالباً ما استخدمت كلمة الحب بمعنى الصداقة. ولكن القصيدة رقم 20 تطلق على الفتى


"سيد- سيدة هيامي وهواي" وتنتهي بتورية تصور الحب الجنسي. والقصيدة 128 (والظاهر أنها موجهة "للفتى الوسيم" الوارد ذكره في القصيدة 126) تتحدث عن نشوة العشق والغرام. وكان بعض الشعراء في عصر إليزابث أدباء لوطيين قادرين على تهيئة أنفسهم للحب الطروب المبهج، لأي رجل من ذوي اليسار.
إن أهمية قصائد السونيت لا تكمن في قصصها بل في جمالها. فكثير (مثل القصائد التي تحمل أرقام 29، 30، 33، 35، 64، 66، 71، 97، 106، 117) زاخرة بسطور يتجلى فيها عمق التفكير وحرارة الأحاسيس وروعة التصوير وجزالة العبارة، مما جعل صداها يرن لعدة قرون عبر العالم الذي يتحدث باللغة الإنجليزية.


يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق