101
تاريخ سيناء القديم والحديث وجغرافيتها
" الفرما "
وهي خرائب مدينة متسعة وقلعة عظيمة مبنية بالطوب الأحمر والحجارة المنحوتة والعمد الغرانيتية . واقعة على ضفة الفرع البليوسي اليمنى بالقرب من مصبه بالبحر المتوسط وهذا الفرع قد جف من عهد بعيد . وهي مرتفعة قليلا عن الطريق المنسوبة إليها الآن على نحو ميلين من تل الفضة شمالا ومثل ذلك من قلعة الطينة جنوبا وعلى نحو ساعتين من المحمدية وست ساعات من بورسعيد بسير الإبل . وكانت قديما من أشهر مدن مصر البحرية وأكثرها عمارة . وكانت عرضة لغارات الأمم المهاجمة برا وبحرا لوقوعها على شاطئ البحر المتوسط وأقصى فروع النيل الشرقية . وقد طالما وقف ملوك مصر فيها لرد هدمات الغزاة من الأشوريين والفرس والسوريين والعرب والصليبيين الإفرنج كما سيجئ بالتفصيل . ويدل تاريخ هذه المدينة أنها عريقة جدا في القدمية . وأن أهلها الأصليين كانوا من البحارة الفينيقيين . وأن بسامتيط الأول " 664ق. م. " استخدم لحمايتها مسترزقة اليونان وأقطعهم أرضا بالقرب منها وكان لهم في البحر مرافئ لمراكبهم . ولعل الأرض التي أقطعهم إياها هي في موضع خرائب المحمدية المتقدم ذكرها .
وظن بعض المحققين أنها " سين " المذكورة في سفر حزقيال النبي الذي بدأ نبوته في بابل سنة 194 ق. م " ص30عد15" : " واسكب غضبي على سين حصن مصر واستأصل جمهور نو . وأضرم نارا في مصر . سين تتوجع توجعا ونو تكون للتمزيق " .
هذا وقد عرفت عند اليونان باسم بلوسيوم وإليها نسب فرع النيل القائمة عليه ص182
كما مر . وعرفت عند القبط باسم فرومي ومنه أخذ العرب اسم الفرما وهو الاسم المعروفة به إلى هذا اليوم . قيل وإنها وطن بطليموس الفلكي الشهير . وأنه كان في شرقيها قبر بميوس الذي أقام عمود السواري بالاسكندرية . وفي تاريخ الكنيسة أنه قد تنسك فيها القديس أبيماخس الشهيد . ثم انحدر إلى الاسكندرية في عهد الإمبراطور داكيوس فقبض عليه إبليانوس الحاكم وقتله سنة 251م . وفي عهد الإمبراطور ثيودوسيوس الثاني " 409: 450 م " قام فيها عالم من علماء النصرانية يدعى ايسودورس فكتب عدة مقالات في الدين وجهها إلى أعدائه وأحبائه .
وفي طريق الفرما سار عمر بن العاص لفتح مصر سنة 19هـ 640م فنزل العريش ثم أتى الفرما وبها على رواية البلاذري المتوفي سنة 279هـ 892م قوم مستعدون للقتال فحاربهم فهزمهم وحوى عسكرهم ومضى إلى الفسطاط . والفرما كان حصنا على ضفة البحر يحمل إليه ماء النيل بالمراكب من تنيس ويخزن أهله ماء المطر في الجباب . وكان بعض أهله قبطا وبعضهم من العرب . وقد ورد ذكره كثيرا في شعر أهل القرون الأولى . وفي الفرما أرق الخليفة المأمون " رضه " لما سار إلى مصر فبات فيها وقد ذكر بغداد ونعيمها وقصورها فقال :
المليك كان بالميــــدا ن أقصر منه بالفرما
غريب في قرى مصر يعانر الهم والسدمــا
وهي التي عناها أبونواس بقوله :
طوالب بالركبان غزة هاشم وبالفرما من حاجهن شقور
وذكر المقريزي الفرما قال : " قال البكري الفرما , بفتح أوله وثانيه ممدود على وزن فعلاء وقد يقصر , مدينة تلقاء مصر . وقال ابن خالويه في كتاب ليس : الفرما هذه سميت باخي الاسكندر وكان يمى الفرما وكان كافرا وهي قرية أم إسماعيل بن إبراهيم انتهى . ويقال اسمه الفرما بن فيلقوس ويقال فيه فليس ويقال بليس , وكانت الفرما على شط بحيرة تنيس وكانت مدينة حصينة وبها قبر جالينوس الحكيم .وبنى بها المتوكل على الله حصنا على البحر تولى بناءه عنبسة بن إسحاق أمير مصر في سنة
ص 183
تسع وثلاثين ومايتين هـ " 853م " عندما بنى حصن دمياط وحصن تنيس , وانفق فيها ملا عظيما . ولما فتح عمر بن العاص عين شمس أنفذ إلى الفرما ابرهة بن الصباح فصالحه أهلها على خمسمائة دينار هرقليا وأربعمائة ناقة وألف رأس من الغنم فرحل عنهم إلى البقارة . وفي سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة هـ " 954م " نزل الروم عليها فنفر الناس إليهم وقتلوا منهم رجلين . ثم نزلوا في جمادى الأولى سنة تسع وأربعين وثلثمائة هـ " يونيو 960م " فخرج إليهم المسلمون وأخذوا منهم مركبا وقتل من فيه وأسروا عشرة . وقال البعقوبي الفرما أول مدن مصر من جهة الشمال وبها أخلاط من الناس وبينها وبين البحر الأخضر ثلاثة أميال . وقال اين الكندي : ومنها الفرما وهي أكثر عجائب وأقدم آثارا من غيرها ويذكر أهل مصر أنه كان منها طريق إلى جزيرة قبرس في البر فغلب عليها البحر ويقولون أنه كان فيما غلب عليه البحر مقطع الرخام الأبلق وغن مقطع الأبيض بلوبية .
" وقال يحي بن عثمان كنت أرابط في الفرما وكان بينها وبين البحر قريب من يوم يخرج الناس والمرابطون في أخصاص على الساحل ثم علا البحر على ذلك كله .
" وقال ابن قديد وجه ابن المدبر . وكان بتنيس , إلى الفرما في هدم أبواب من حجارة شرقي الحصن احتاج أن يعمل منها جيرا فلما قلع منها حجر أو حجران خرج أهل الفرما بالسلاح فمنعوا من قلعها وقالوا هذه الأبواب التي قال الله فيها على لسان يعقوب " عم " : " يابنى لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة" .
والفرما بها النخل العجيب الذي يثمر حين ينقطع البسر والرطب من سائر الدنيا فيبتدئ هذا الرطب من حين يلد النخل في الكوانين فلا ينقطع أربعة أشهر حتى يجئ البلح في الربيع وهذا لا يوجد في بلد من البلدان لا بالبصرة ولا بالحجاز ولا باليمن ولا بغيرها من البلدان ويكون في هذا البسر ما وزن البسرة الواحدة فوق العشرين درهما وفيه ما طول البسرة نحو الشبر والفتر .
" وقال ابن المأمون البطايحي في حوادث سنة تسع وخمسماية " 1115م " : ووصلت النجابون من والي الشرقية تخبر بأن بغدوين ملك الفرنج وصل إلى أعمال ص 184
الفرما فسير الأفضل بن أمير الجيوش للوقت إلى والي الشرقية بأن يسير المركزية والمقطعين بها وسير الراجل من العطوفية وأن يسير الوالي بنفسه بعد أن يتقدم إلى العربان بأسرهم بأ، يكونوا في الطوالع ويطاردوا الفرنج ويشارفوهم بالليل قبل وصول العساكر إليهم . فاعتمد ذلك ثم أمر بإخراج الخيام وتجهيز الأصحاب والحواشي فلما تواصلت العساكر وتقدمها العربان وطاردوا الفرنج وعلم بغدوين ملك الفرنج أن العساكر متواصلة إليه وتحقق أن الإقامة لا تكنه أمر أصحابه بالنهب والتخريب والإحراق وهدم المساجد فأحرق جامعها ومساجدها وجميع البلد وعزم على الرحيل فأخذه الله سبحانه وتعالى وعجل بنفسه إلى النار فكتم أصحابه موته وساروا بعد أن شقوا بطن بغدوين وملأوه ملحا حتى بقي إلى بلاده فدفنوه بها . وأما العساكر الإسلامية فإنهم شنوا الغارات على بلاد العدو وعادوا بعد أن خيموا على ظاهر عسقلان ...
وبلغ المنفق في هذه النوبة على ذهاب بغدوين وهلاكه ماية ألف دينار . وفي شهر رجب سنة خمس وأربعين وخمسمائة " اكتوبر 1150م " نزل الفرنج على الفرما في جمع كبير وأحرقوها ونهبوا أهلها . وآخر أمرها أن الوزير شاور خربها لما خرج منها متوليها ملهم أخو الضرغام " حوالي سنة 560هـ 1165م " فاستمرت خرابا لم تعمر بعد ذلك . وكان بالفرما والبقارة والورادة من عرب جذام يقال لهم القاطع .... وقال ابن الكندي وبها مجمع البحرين وهو البرزخ الذي ذكره الله عز وجل فقال مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان . وقال وجعل بين البحرين حاجزا وهما بحر الروم وبحر الصين والحاجز بينهما مسيرة ليلة ما بين القلزم والفرما وليس يتقاربان في بلد من البلدان أقرب منها بهذا الموضع وبينهما في السفر مسيرة شهور " اه .
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق