1550
موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية
للدكتور عبد الوهاب المسيري
المجلد الخامس: اليهودية.. المفاهيم والفرق
الجزء الثاني: المفاهيم والعقائد الأساسية في اليهودية
الباب الحادى عشر: الـشعائر
الختــــــــان
Circumcision
«الختان» تقابلها في العبرية كلمة «ميلاَّه»، ويُقال أحياناً «بريت ميلاَّه»، أي «عهد الختان»، وأحياناً «بريت» فقط، أي «عهد». ويختن الطفل اليهودي بعد ميلاده بسبعة أيام على الأكثر، حتى ولو وقع اليوم السابع في يوم السبت، أو في عيد يوم الغفران، أكثر الأيام قداسة. وقد ذُكر الختان في العهد القديم في ثلاثة مواضع أهمها في سفر التكوين (17/10 ـ 15).
والختان عادة قديمة جداً، شاعت بين أمم العالم القديم، وهو ضرب من الطقوس الخاصة بالدم (عهد الدم) التي تدخل ضمن القرابين البشرية الشائعة في الشرق الأدنى القديم، أو ضمن شعائر بلوغ سن الرشد. وقد نقلها العبرانيون عن المصريين الذين كانوا يكنون ازدراءً خاصاً للشعوب التي لا تمارس الختان، وهو ما يفسر العبارة الواردة في سفر يشوع (5/9): "اليوم قد دحرجت عنكم عار مصر".
والختان داخل الإطار التوحيدي تعبير عن تَقبُّل الحدود ورغبة الإنسان في طاعة ربه، ولكنه في اليهودية أصبح يعبِّر عن حلولية النسق الديني اليهودي، وعن تداخل المطلق والنسبي، ولذا فهو يعتبر مناسبة قومية، فهو علامة العهد بين الإله وإبراهيم وجماعة يسرائيل، وهو ما أسبغ القداسة عليهم. ولهذا، فإن من لم يُختن لا يعتبر فرداً من الشعب المقدَّس لأن الإله لا يحل فيه. والختان علامة أن الإله منح جماعة يسرائيل أرض الميعاد («وأُعطي لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك كل أرض كنعان ملكاً أبدياً وأكون إلههم»[تكوين 17/8]). وإذا كان الإله يمنحهم الأرض، فإن الختان على مستوى من المستويات هو القربان الذي يقدمونه له. ويتأكد الطابع القومي الحلولي للختان في الطقوس التي تصاحبه، والتي تأخذ شكل حفل يحضره عشرة أفراد، وهو نفس النصاب اللازم للقيام بصلاة الجماعة اليهودية. ويجلس الجد على كرسي وإلى جواره كرسي آخر يُترَك خالياً يُسمَّى «كرسي إلياهو»، صاحب العهد بين الإله وجماعة يسرائيل، ويقوم بعملية الختان نفسها الموهيل (كلمة عبرية تشير إلى من يقوم بهذه المهمة). وقد حل محله طبيب في العصر الحديث. بل إنه إذا مات الطفل قبل مرور سبعة أيام من ميلاده، فإن جثمانه يُختن ويُعطى اسماً عبرياً ليكتسب الهوية اليهودية.
وقد كان الختان في الماضي يُجرى للذكور بصورة بسيطة تتيح للشخص مجالاً للادعاء بأنه غير مختون، ليتقي عدوان غير اليهود عليه، وليتفادى تهكم نساء الأغيار عليه إن عاشرهن جنسياً. وحينما زاد اندماج اليهود في العصر الهيليني، كان بعضهم تُجرَى له عملية تمكِّنه من إخفاء آثار الختان. وبعد التمرد الحشموني، أُمر الكهنة بأن تزال الغلفة عن آخرها، حتى لا يتمكن اليهود من الاندماج مع الأغيار. وكان الحشمونيون يفرضون التهود والختان على الشعوب التي يهزمونها (مثل الإيطوريين). وقد منع أنطيوخوس الرابع (إبيفانيس) الختان في محاولته دمج يهود فلسطين في إمبراطوريته السلوقية، كما منعه الإمبراطور هادريان، ويُقال إن هذا أحد أسباب ثورة بركوخبا. ومع ظهور المسيحية، أصبح الختان العلامة الأساسية التي تميِّز اليهود عن المسيحيين.
وقد حاولت اليهودية الإصلاحية إسقاط هذه الشعيرة واستمر الجدل عدة سنوات. ويبدو أنه، مع انتشار عادة الختان في الغرب، لأسباب صحية، توقفت المناقشة وقبلته الفرق اليهودية كافة.
وعند استيطان أعداد من يهود الفلاشاه في إسرائيل، طلبت منهم الحاخامية أن يتهودوا، باعتبار أن يهوديتهم مشكوك فيها ومن ثم مرفوضة. وحينما رفضوا ذلك، وافقت الحاخامية أن تتم عملية تهويد اسمية تأخذ شكل عملية ختان مخففة (استنزاف نقطة دم واحدة من مكان الختان). وحينـما وافـق بعض أعضاء الفلاشـاه، تم ختانهم مرتين، مرة على يد الحاخامية الإشكنازية، والأخرى على يد الحاخامية السفاردية. وقد كان كثير من المهاجرين السوفييت غير مختونين، ولكن أعداداً كبيرة منهم قبلت عملية التهويد والختان حرصاً منهم على فرصة الاستقرار في إسرائيل ومن ثم الحراك اجتماعياً.
ولا يمارس ختان الإناث بين يهود العالم الغربي، ولكنه يمارس في المجتمعات التي تسود فيها هذه العادة، ومن ثم فإننا نجده بين يهود الفلاشاه. وتحت تأثير حركة التمركز حول الأنثى، ظهر ما يُسمَّى «بريت بنوت يسرائيل»، أي «عهد بنات إسرائيل»، رداً على البريت ميلاَّه (عهد الختان). وتصاحب بريت بنوت يسرائيل صلاة خاصة تؤكد أهمية الأمهات؛ ليليت التي قاومت ورفضت أن يطأها آدم، وحواء، وزوجة نوح، وسارة، ورفقة، وليئة، وراحيل.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق