271
الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير
ذكر حصر الفرنج بانياس وعودهم عنها
لما مات نور الدين محمود صاحب الشام اجتمعت الفرنج وساروا إلى قلعة بانياس من أعمال دمشق فحصروها فجمع شمس الدين محمد بن المقدم العسكر عنده بدمشق فخرج عنها فراسلهم ولاطفهم ثم أغلظ لهم بالقول وقال لهم: إن أنتم صالحتمونا وعدتم عن بانياس فنحن على ما كنا عليه وإلا فنرسل إلى سيف الدين صاحب الموصل ونصالحه ونستنجده ونرسل إلى صلاح الدين بمصر فنستنجده ونقصد بلادكم من جهاتها كلها ولا تقومون لنا.
وأنتم تعلمون أن صلاح الدين كان يخاف أن يجتمع بنور الدين والآن قد زال ذلك الخوف وإذا طلبناه إلى بلادكم فلا يمتنع.
فعلموا صدقه فصالحوه على شيء من المال أخذوه وأسرى أطلقوا كانوا عند المسلمين وتقررت الهدنة.
فلما سمع صلاح الدين بذلك أنكره واستعظمه وكتب إلى الملك الصالح والأمراء الذين معه يقح لهم ما فعلوه ويبذل من نفسه قصد بلاد الفرنج ومقارعتهم وإزعاجهم عن قصد شيء من بلاد الملك الصالح وكان قصده أن يصير له طريق إلى بلاد الشام ليتملك البلاد والأمراء الشاميون إنما صالحوا الفرنج خوفًا منه ومن سيف الدين غازين صاحب الموصل فإنه كان قد أخذ البلاد الجزرية وخافوا منه أن يعبر إلى الشام فرأوا صلح الفرنج أصلح من أن يجيء هذا من الغرب وهذا من الشرق وهم مشغولون عن ردهم.
في هذه السنة في المحرم وقع الحريق ببغداد فاحترق أكثر الظفرية ومواضع غيرها ودام الحريق إلى بكرة وطفئت النار.
وفيها في شعبان بنى ابن سنكا وهو ابن أخي شملة صاحب خوزستان قلعة بالقرب من الماهكي ليتقوى بها على الاستيلاء على تلك الأعمال فسير إليه الخليفة العساكر من بغداد لمنعه فالتقوا وحمل بنفسه على الميمنة فهزمها واقتتل الناس قتالًا عظيمًا وأسر ابن أخي شملة وحمل رأسه إلى بغداد فعلق بباب النوبي وهدمت القلعة.
وفيها في رمضان توالت الأمطار في ديار بكر والجزيرة والموصل فدامت أربعين يومًا ما رأينا الشمس فيها غير مرتين كل مرة مقدار لحظة وخربت المساكن وغيرها وكثر الهدم ومات تحته كثير من الناس وزادت دجلة زيادة عظيمة وكان أكثرها ببغداد فإنها زادت على كل زيادة تقدمت منذ بنيت بغداد بذراع وكسر وخاف الناس الغرق وفارقوا البلد وأقاموا على شاطئ دجلة خوفًا من انفتاح القورج وغيره وكانوا كلما انفتح موضع بادروا بسده ونبع الماء في البلاليع وخرب كثيرًا من الدور ودخل الماء إلى البيمارستان العضدي ودخلت السفن من الشبابيك التي له فإنها كانت قد تقلعت فمن الله على الناس بنقص الماء بعد أن أشرفوا على الغرق.
وفيها في جمادى الأولى كانت الفتنة ببغداد بين قطب الدين قايماز والخليفة وسببها أن الخليفة أمر بإعادة عضد الدين بن رئيس الرؤساء إلى الوزارة فمنع منه قطب الدين وأغلق باب النوبي وباب العامة وبقيت دار الخليفة كالمحاصرة فأجاب الخليفة إلى ترك وزارته فقال قطب الدين: لا أقنع إلا بإخراج عضد الدين من بغداد فأمر بالخروج منها فالتجأ إلى صدر الدين شيخ الشيوخ عبد الرحيم بن إسماعيل فأخذه إلى رباطه وأجاره ونقله إلى دار الوزير بقطفتا فأقام بها ثم عاد إلى بيته في جمادى الآخرة.
وفيها سقط الأمير أبو العباس أحمد بن الخليفة وهو الذي صر خليفة من قبة عالية إلى ارض التاج ومعه غلام له اسمه نجاح فألقى نفسه بعده وسلم ابن الخليفة ونجاح فقيل لنجاح: لم ألقيت نفسك فقال: ما كنت أريد البقاء بعد مولاي فرعى له الأمير أبو العباس ذلك فلما صار خليفة جعله شرابيًا وصارت الدولة جميعها بحكمه ولقبه الملك الرحيم عز الدين وبالغ في الإحسان إليه والتقديم له وخدمه جميع الأمراء بالعراق والوزراء وغيرهم.
وفيها في رمضان وقع ببغداد برد كبار ما رأى الناس مثله فهدم الدور وقتل جماعة من الناس وكثيرًا من المواشي فوزنت بردة منها فكانت سبعة أرطال وكان عامته كالنارنج يكسر الأغصان.
هكذا ذكره أبو الفرج بن الجوزي في تاريخه والعهدة عليه.
وفيها كانت وقعة عظيمة بين المؤيد ن صاحب نيسابور وبين شاه مازندران قتل فيها كثير من الطائفتين فانهزم شاه مازندران ودخل المؤيد بلد الديلم وخربه وفتك بأهله وعاد عنه.
وفيها وقعت وقعة كبيرة بين أهل باب البصرة وأهل باب الكرخ وسببها أن الماء لما زاد سكر أهل الكرخ سكرًا رد الماء عنهم فغرق مسجد فيه شجرة فانقلعت فصاح أهل الكرخ انقلعت الشجرة لعن الله العشرة! فقامت الفتنة فتقدم الخليفة إلى علاء الدين تنامش بكفهم فمال على أهل باب البصرة لأنه كان شيعيًا وأراد خول المحلة فمنعه أهلها وأغلقوا الأبواب ووقفوا على السور وأراد إحراق الأبواب فبلغ ذلك الخليفة فأنكره أشد إنكار وأمر بإعادة تنامش فعاد ودامت الفتنة أسبوعًا ثم انفصل الحال من غير توسط سلطان.
وفيها عبر الروم خليج القسطنطينية وقصد بلاد قلج ارسلان فجرى بينهما حرب استظهر فيها المسلمون فلما رأى ملك الروم عجزه عاد إلى بلاده وقد قتل من عسكره جماعة كثيرة.
وفيها في جمادى الأولى مات أحمد بن علي بن المعمر بن محمد بن عبد الله أبو عبد الله العلوي الحسيني نقيب العلويين ببغداد.
وفيها توفي الحافظ أبو العلاء الحسن بن احمد بن الحسن بن أحمد بن محمد العطار الهمذاني سافر الكثير في طلب الحديث وقراءة القرآن واللغة وكان من أعيان المحدثين في زمانه وكان له قبول عظيم ببلده عند العامة والخاصة.
وفيها توفي أبو محمد سعيد بن المبارك المعروف بابن الدهان النحوي البغدادي بالموصل وكان إمامًا في النحو له التصانيف المشهورة منها الغرة وغيرها.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق