280
الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير
ذكر هرب قطب الدين قايماز من بغداد
في هذه السنة في شوال سير علاء الدين تنامش وهو من اكابر الأمراء ببغداد وهو ابن أحمد قطب الدين قايماز زوج اخته عسكرًا إلى الغراف فنهبوا أهله وبالغوا في أذاهم فجاء منهم جماعة إلى بغداد واستغاثوا فلم يغاثوا لضعف الخليفة مع قايماز وتنامش وتحكمهما عليه فقصدوا جامع القصر واستغاثوا فيهن ومنعوا الخطيب وفاتت الصلاة اكثر الناس فأنكر الخليفة ما جرى فلم يلتفت قطب الدين وتنامش إلى ما فعل واحتقروه فلا جرم لم يمهلهم الله تعالى لاحتقارهم الدعاء وازدرائهم أهله.
فلما كان الخامس من ذي القعدة قصد قطب الدين قايماز أذى ظهير الدين بن العطار وكان صاحب المخزن وهو خاص الخليفة وله به عناية تامة فلم يراع الخليفة في صاحبه فارسل إليه يستدعيه ليحضر عنده فهرب فاحرق قطب الدين داره وحال الأمراء على المساعدة والمظاهرة له وجمعهم وقصد دار الخليفة لعلمه أن ابن العطار فيها فلما علم الخليفة ذلك ورأى الغلبة صعد إلى سطح داره وظهر للعامة وأمر خادمًا فصاح واستغاث وقال للعامة: مال قطب الدين لكم ودمه لي فقصد الخلق كلهم دار قطب الدين للنهب فلم يمكنه المقام لضيق الشوارع وغلبة العامة فهرب من داره من باب فتحة فيظهرها لكثرة الخلق على بابها وخرج من بغداد ونهبت داره وأخذ منها من الأموال ما لا يحد ولا يحصى فرؤي فيها من التنعم ما ليس لأحد مثله فمن جملة ذلك ان بيت الطهارة الذي كان له فيه سلسلة ذهب من السقف إلى محاذي وجه القاعد على الخلا وفي أسفلها كرة كبيرة ذهب مخرمة محشوة بالمسك والعنبر ليشمها إذا قعد فتشبث بها إنسان وقطعها وأخذها ودخل بعض الصعاليك فاخذ عدة أكياس مملوءة دنانير.
وكان الأقوياء قد وقفوا على الباب يأخذون ما يخرج به الناس فلما أخذ ذلك الصعلوك الأكياس قصد المطبخ فاخذ منه قدرًا مملوئة طبيخًا وألقى الأكياس فيها وحملها على رأسه وخرج بها والناس يضحكون منه فيقول: أنا أريد شيئًا أطعمه عيالي اليوم فنجا بما معه ولما خرج من البلد تبه تنامش وجماعة من الأمراء فنهبت دورهم أيضًا وأخذت أموالهم واحرق أكثرها وسار قطب الدين إلى الحلة ومعه الأمراء فسير الخليفة غليه صدر الدين شيخ الشيوخ فلم يزل به يخدعه حتى سار عن الحلة إلى الموصل على البر فلحقه ومن معه عطش شديد فهلك أكثرهم من شدة الحر والعطش ومات قطب الدين قبل وصوله إلى الموصل فحمل ودفن بظاهر باب العمادي وقبره مشهور هناك.
وهذا عاقبة عصيان الخليفة وكفران الإحسان والظلم سوء التدبير فإنه ظلم أهل العراق وكفر إحسان الخليفة الذي كان قد غمره ولو أقام بالحلة وجمع العساكر عاود بغداد لاستولى على الأمور كلها كما كان فإن عامة بغداد كانوا يريدونه وكان قوي بالاستيلاء على البلاد فأطاعوه.
ولما مات في ذي الحجة وصل علاء الدين تنامش إلى الموصل فأقام مديدة ثم أمره الخليفة بالقدوم إلى بغداد فعاد إليها وبقي فيها إلى أن مات بغير إقطاع وكان هذا آخر أمرهم.
ولما أقام قطب الدين بالحلة امتنع الحاج من السفر فتأخروا إلى أن رحل عنها فدخلوا من الكوفة إلى عرفات في ثمانية عشر يومًا وهذا ما لم يسمع بمثله وفات كثير منهم الحج.
ولما هرب قطب الدين خلع الخليفة على عضد الدين الوزير وأعيد إلى الوزارة.
قال بعض إن كنت معتبرًا بملك زائل وحوادث عنقية الإدلاج فدع العجائب والتواريخ الأولى وانظر إلى قايماز وابن قماج عطف الزمان عليهما فسقاهما من كأسه صرفًا بغير مزاج فتبدلوا بعد القصور وظلها ونعيمها بمهامه وفجاج فليحذر الباقون من أمثالها نكبات دهر خائن مزعاج وكان قطب الدين كريمًا طلق الوجه محبًا للعدل والإحسان كثير البذل للمال.
والذي كان جرى منه غنما كان يحمله عليه تنامش ولم يكن بإرادته.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق