276
الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير
ذكر حصر صلاح الدين حلب وعوده عنها
لما ملك صلاح الدين حماة سار إلى حلب فحصرها ثالث جمادى الآخرة فقاتله أهلها وركب الملك الصالح وهو صبي عمره اثنتا عشر سنة وجمع أهل حلب وقال لهم: قد عرفتم إحسان أبي إليكم ومحبته لكم وسيرته فيكم وأنا يتيمكم وقد جاء هذا الظالم الجاحد إحسان والدي إليه يأخذ بلدي ولا يراقب الله تعالى ولا الخلق وقال من هذا كثير وبكى فأبكى الناس فبذلوا له الأموال والأنفس واتفقوا على القتال دونه والمنع عن بلده وجدوا في القتال وفيهم شجاعة وقد ألفوا الحرب واعتادوها حيث كان الفرنج بالقرب نهم فكانوا يخرجون ويقاتلون صلاح الدين عند جبل حوشن فلا يقدر على القرب من البلد.
وأرسل سعد الدين كمشتكين إلى سنان مقدم الإسماعيلية وبذل له أموالًا كثيرة ليقتلوا صلاح الدين فأرسلوا جماعة منهم إلى عسكره فلما وصلوا رآهم أمير اسمه خمارتكين صاحب قلعة أبي قبيس فعرفهم لأنه جارهم في البلاد كثير الاجتماع بهم والقتال لهم فلما رآهم قال لهم: ما الذي أقدمكم وفي أي شيء جئتم فجرحوه جراحات مثخنة وحمل أحدهم على صلاح الدين ليقتله فقتل دونه وقاتل الباقون من الإسماعيلية فقتلوا جماعة ثم قتلوا.
وبقي صلاح الدين محاصرًا لحلب إلى سلخ جمادى الآخرة ورحل عنها مستهل رجب وسبب رحيله أن القمص ريمند الصنجيلي صاحب طرابلس كان قد أسره نور الدين على حارم سنة تسع وخمسين وخمسمائة وبقي في الحبس إلى هذه السنة فأطلقه سعد الدين بمائة ألف وخمسين ألف دينار صورية وألف أسير فلما وصل إلى بلده اجتمع الفرنج عليه يهنئونه بالسلامة وكان عظيمًا فيهم من أعيان شياطينهم فاتفق أن مري ملك الفرنج لعنه الله مات أول هذه السنة وكان أعظم ملوكهم شجاعة وأجودهم رأيًا ومكرًا ومكيده فلما توفي خلف ابنًا مجذومًا عاجزًا عن تدبير الملك فملكه الفرنج صورة لا معنى تحتها وتولى القمص ريمند تدبير الملك وإليه الحل والعقد عن أمره يصدرون فأرسل إليه من بحلب يطلبون منه أن يقصد بعض البلاد التي بيد صلاح الدين ليرحل عنهم فسار إلى حمص ونازلها سابع رجب فلما تجهز لقصدها سمع صلاح الدين الخبر فرحل عن حلب فوصل إلى حماة ثامن رجب بعد نزول الفرنج على حمص بيوم ثم رحل إلى الرستن فلما سمع الفرنج بقربه رحلوا عن حمص ووصل صلاح الدين إليها فحصر القلعة إلى أن ملكها في الحادي والعشرين من شعبان من السنة فصار أكثر الشام بيده.
ولما ملك حمص سار منها إلى بعلبك وبها خادم اسمه يمن وهو وال عليها من أيام نور الدين فحصرها صلاح الدين فأرسل يمن يطلب الأمان له ولمن عنده فأمنهم صلاح الدين وسلم القلعة رابع شهر رمضان من السنة المذكورة.
لما ملك صلاح الدين دمشق وحمص وحماة كتب الملك الصالح إسماعيل ابن نور الدين إلى ابن عمه سيف الدين غازي بن قطب الدين مودود يستنجده على صلاح الدين ويطلب أن يعبر إليه ليقصدوا صلاح الدين ويأخذوا البلاد منه فجمع سيف الدولة عساكره وكاتب أخاه عماد الدين زنكي صاحب سنجار يأمره أن ينزل إليه بعساكره ليجتمعا على المسير إلى الشام فامتنع من ذلك.
وكان صلاح الدين قد كاتب عماد الدين وأطمعه في الملك لأنه هو الكبير فحمله الطمع على الامتناع عن أخيه فلما رأى سيف الدين امتناعه جهز أخاه عز الدين مسعودًا في عسكر كثير هو معظم عسكره وسيره إلى الشام وجعل المقدم على العسكر مع أخيه عز الدين محمود ويلقب أيضًا زلفندار وجعله المدبر للأمر وسار سيف الدين إلى سنجار فحصرها في شهر رمضان وقاتلها وجد في القتال وامتنع عماد الدين بها وأحسن حفظها والذب عنها فدام الحصار عليها فبينما هو يحاصرها أتاه الخبر بانهزام عسكره مع أخيه عز الدين مسعود من صلاح الدين فراسل حينئذ أخاه عماد الدين وصالحه على ما بيده ورحل إلى الموصل وثبت قدم صلاح الدين بعد الهزيمة وخافه الناس وترددت الرسل بينه وبين سيف الدين غازي في الصلح فلم يستقر حال.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق