إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 27 يوليو 2016

268 الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير ذكر وفاة نور الدين محمود بن زنكي



268


الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير

ذكر وفاة نور الدين محمود بن زنكي

في هذه السنة توفي نور الدين محمود بن زنكي بن آقسنقر صاحب الشام وديار الجزيرة ومصر يوم الأربعاء حادي عشر شوال بعلة الخوانيق ودفن بقلعة دمشق ونقل منها إلى المدرسة التي أنشأها بدمشق عند سوق الخواصين‏.‏

ومن عجيب الاتفاق أنه ركب ثاني شوال وإلى جانبه بعض الأمراء الأخيار فقال له الأمير‏:‏ سبحان من يعلم هل نجتمع هنا في العام المقبل أم لا فقال نور الدين‏:‏ لا تقل هكذا بل سبحان من يعلم هل نجتمع بعد شهر أم لا فمات نور الدين رحمه الله بعد أحد عشر يومًا ومات الأمير قبل الحول فأخذ كل منهما بما قاله‏.‏

وكان قد شرع يتجهز للدخول إلى مصر لأخذها من صلاح الدين يوسف ابن أيوب فإنه رأى منه فتورًا في غزو الفرنج من ناحيته وكان يعلم انه إنما يمنع صلاح الدين من الغزو الخوف منه ومن الاجتماع به فإنه يؤثر كون الفرنج في الطريق ليمتنع بهم عن نور الدين فأرسل إلى الموصل وديار الجزيرة وديار بكر يطلب العساكر للغزاة وكان عزمه أن يتركها مع ابن أخيه سيف الدين غازي صاحب الموصل بالشام ويسير هو بعساكره إلى مصر فبينما هو يتجهز لذلك أتاه أمر الله الذي لا مرد له‏.‏

حكى لي طبيب يعرف بالطبيب الرحبي وهو كان يخدم نور الدين وهو من حذاق الأطباء قال‏:‏ استدعاني نور الدين في مرضه الذي توفي فيه مع غيري من الأطباء فدخلنا إليه وهو في بيت صغير في قلعة دمشق وقد تمكنت الخوانيق منه وقارب الهلاك فلا يكاد يسمع صوته وكان يخلو فيه للتعبد فابتدأ به المرض فلم ينتقل عنه فلما دخلنا ورأيت ما به قلت له‏:‏ كان ينبغي أن لا تؤخر إحضارنا إلى أن يشتد بك المرض الآن وينبغي أن تعجل الانتقال من هذا المكان إلى مكان فسيح مضيء فله اثر في هذا المرض‏.‏

وشرعنا في علاجه وأشرنا بالفصد فقال‏:‏ ابن ستين لا يفتصد وامتنع به فعالجناه بغيره فلم ينجع فيه الدواء وعظم الداء ومات رحمه الله ورضي عنه‏.‏

وكان أسمر طويل القامة ليس له لحية إلا في حنكه وكان واسع الجبهة حسن الصورة حلو العينين وكان قد اتسع ملكه جدًا وخطب له بالحرمين الشريفين وباليمن لما دخلها شمس الدولة بن أيوب وملكها وكان مولده سنة إحدى عشرة وخمسمائة وطبق ذكره الأرض بحسن سيرته وعدله‏.‏

وقد طالعت سير الملوك المتقدمين فلم أر فيها بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبد العزيز أحسن من سيرته ولا أكثر تحريًا للعدل منه‏.‏

وقد أتينا على كثير من ذلك في كتاب الباهر من أخبار دولتهم ولنذكر هاهنا نبذة مختصرة لعل يقف عليها من له حكم فيقتدي به فمن ذلك زهده وعبادته وعلمه فإنه كان لا يأكل ولا يلبس ولا يتصرف في الذي يخصه إلا من ملك كان له قد اشتراه من سهمه من الغنيمة ومن الأموال المرصدة لمصالح المسلمين ولقد شكت إليه زوجته من الضائقة فأعطاها ثلاث دكاكين في حمص كانت له منها يحصل له في السنة نحو عشرين دينارًا فلما استقلتها قال‏:‏ ليس لي إلا هذا وجميع ما يدي أنا خازن فيه للمسلمين لا أخونهم فيه ولا أخوض نار جهنم لأجلك‏.‏

وكان يصلي كثيرًا بالليل وله فيه أوراد حسنة وكان كما قيل‏:‏ جمع الشجاعة والخشوع لربه ما أحسن المحراب في المحراب وكان عارفًا بالفقه على مذهب أبي حنيفة ليس عنده فيه تعصب وسمع الحديث واسمعه طلبًا للأجر‏.‏

وأما عدله فإنه لم يترك في بلاده على سعتها وكسًا ولا عشرًا بل أطلقها جميعها في مصر والشام والجزيرة والموصل وكان يعظم الشريعة ويقف عند أحكامها وأحضره إنسان إلى مجلس الحكم فمضى معه إليه وأرسل إلى القاضي كمال الدين الشهرزوري يقول‏:‏ قد جئت محاكمًا فاسلك معي ما تسلك مع الخصوم وظهر الحق له فوهبه الخصم الذي أحضره وقال‏:‏ أردت أن أترك له ما يدعيه وإنما خفت أن يكون الباعث لي على ذلك الكبر والأنفة من الحضور إلى مجلس الشريعة فحضرت ثم وهبته ما يدعيه‏.‏

وبنى دار العدل في بلاده وكان يجلس هو والقاضي بها ينصف المظلوم ولو أنه يهودي من الظالم ولو أنه ولده أم أكبر أمير عنده‏.‏

وأما شجاعته فإليها النهاية وكان في الحرب يأخذ قوسين وتركشين ليقاتل بها فقال له القطب النشاوي الفقيه‏:‏ بالله عليك لا تخاطر بنفسك وبالإسلام والمسلمين فإن أصبت في معركة لا يبقى من المسلمين أحد إلا أخذه السيف‏.‏

فقال له نور الدين‏:‏ ومن محمود حتى يقال له ذلك من قبلي من حفظ البلاد والإسلام ذلك الله الذي لا إله إلا هو‏.‏

وأما فعله الصالح فإنه بنى أسوار مدن الشام جميعها وقلاعها فمنها دمشق وحمص وحماة وحلب وشيزر وبعلبك وغيرها وبنى المدارس الكثيرة للحنفية والشافعية وبنى الجامع النوري بالموصل وبنى البيمارستانات والخانات في الطرق وبنى الخانكاهات للصوفية في جميع البلاد ووقف على الجميع الوقوف الكثيرة‏.‏

سمعت أن حاصل وقفه كل شهر تسعة آلاف دينار صوري‏.‏

وكان يكرم العلماء وأهل الدين ويعظمهم ويعطيهم ويقوم إليهم ويجلسهم معه وينبسط معهم ولا يرد لهم قولًا ويكاتبهم بخط يده وكان وقورًا مهيبًا مع تواضعه وبالجملة فحسناته كثيرة ومناقبه غزيرة لا يحتملها هذا الكتاب‏.‏



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق