2392
تاريخ ابن خلدون ( ابن خلدون )
من تاريخ العلامة ابن خلدون
المجلد الخامس
صفحة 179 حتى صفحة 342
وفادة شاور وزير العاضد بمصر على نور الدين العادل صريخاً وإنجاده بالعسكر مع أسد الدين شيركوه:
كانت دولة العلويين بمصر قد أخذت في التلاشي وصارت إلى استبداد وزرائها على خلفائها، وكان من آخر المسلمين بها شاور السعدي إستعمله الصالح بن زربك على قوص وندم. فلما هلك الصالح بن رزبك وكان مستبداً على الدولة قام ابنه رزبك مقامه فعزل شاور عن قوص فلم يرض بعزله. وجمع وزحف إلى القاهرة فملكها، وقتل رزبك واستبد على العاضد ولقبه أمير الجيوش. وكانت سنة ثمان وخمسين وخمسمائة، ثم نازعه الضرغام، وكان صاحب الباب ومقدم البرقية فثار عليه لسبعة أشهر من وزارته، وأخرجه من القاهرة فلحق بالشام، وقصد نور الدين محمود بن زنكي مستنجداً به على أن يكون له ثلث الجباية بمصر. ويقيم عسكر نور الدين بها مدداً له فاختار من أمرائه لذلك أسد الدين شيركوه بن شادي الكردي،
وكان بحمص، وجهزه بالعساكر فسار له لك في جمادى سنة تسع وخمسين، وأتبعه نور الدين إلى أطراف بلاد الإفرنج فشغلهم عن التعرض للعساكر. وسار أسد الدين مع شاور، وسار معه صلاح الدين ابن أخيه نجم الدين أيوب، وانتهوا إلى بلبيس فلقيهم ناصر الدين أخو الضرغام في عساكر مصر فانهزم ورجع إلى القاهرة. واتبعه أسد الدين فقتله عند مشهد السيدة نفيسة رضي الله تعالى عنها. وقتل أخوه وعاد شاور إلى وزارته. وأقام أسد الدين بظاهر القاهرة ينتظر الوفاء بالعهد من شاور بما عاهد عليه نور الدين فنكث شاور العهد، وبعث إليه بالرجوع إلى بلده فلج في طلب ضريبته، ورحل إلى بلبيس والبلاد الشرقية فاستولى عليها. واستمد شاور عليه بالافرنج فبادروا إلى ذلك لما كان في نفوسهم من تخوّف غائلته، وطمعوا في ملك مصر. وسار نور الدين من دمشق ليأخذ بحجزتهم عن المسير فلم يثنهم ذلك، وتركوا ببلادهم حامية فلما قاربوا مصر فارقها أسد الدين، وإجتمع الإفرنج وعساكر مصر فحاصروه ثلاثة أشهر، يغاديهم القتال ويراوحهم. وجاءهم الخبر بهزيمة الإفرنج على حارم، وما هيأ الله لنور الدين في ذلك فراسلوا أسد الدين شيركوه في الصلح، وطووا عنه الخبر فصالحهم وخرج ولحق بالشام. ووضع له الإفرنج المراصد بالطريق فعدل عنها. ثم أعاده نور الدين إلى مصر سنة إثنتين وستين فسار بالعساكر في ربيع، ونزل أطفيح، وعبر النيل. وجاء إلى القاهرة من جانبها الغربي ونزل الجيزة في عدوة النيل، وحاصرها خمسين يوماً. واستمد شاور بالإفرنج وعبر إلى أسد الدين فتأخر إلى الصعيد، ولقيهم منتصف السنة فهزمهم. وسار إلى ثغر الإسكندرية فملكها، وولى عليها صلاح الدين ابن أخيه ورجع فدوخ بلاد الصعيد. وسارت عساكر مصر والإفرنج إلى الإسكندرية، وحاصروا بها صلاح الدين فسار إليه أسد الدين فتلقوه بطلب الصلح فتم ذلك بينهم، وعاد إلى الشام وترك لهم الإسكندرية. وكاتب شجاع بن شاور نور الدين بالطاعة عنه وعن طائفة من الأمراء. ثم استطال الإفرنج على أهل مصر وفرضوا عليهم الجزية وأنزلوا بالقاهرة الشحنة، وتسلموا أبوابها واستدعوا ملكهم بالشام إلى الإستيلاء عليها فبادر نور الدين، وأعاد أسد الدين في العساكر إليها في ربيع سنة أربع وستين فملكها وقتل شاور، وطرد الإفرنج عنها. وقدمه العاضد لوزارته والإستبداد عليه كما كان من قبله. ثم هلك أسد الدين وقام صلاح الدين ابن أخيه مكانه، وهو مع ذلك في طاعة نور الدين محمود. وهلك العاضد فكتب نور الدين إلى صلاح الدين يأمره بإقامة الدعوة العباسية بمصر، والخطبة للمستضيء. ويقال أنه كتب له بذلك في حياة العاضد، وبين يدي وفاته. وهلك لخمسين يوماً أو نحوها فخطب للمستضيء العباسي، وإنقرضت الدولة العلوية بمصر، وذلك سنة سبع وستين كما نأتي على شرحه وتفصيله
في دولة بني أيوب إن شاء الله تعالى. ووقعت خلال ذلك فتنة بين نور الدين محمود وبين صاحب الروم قليج ارسلان بن مسعود بن قليج ارسلان سنة ستين وخمسمائة، وكتب الصالح بن رزبك إلى قليج ارسلان ينهاه عن الفتنة، والله تعالى ولي التوفيق.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق