إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

السبت، 29 نوفمبر 2014

418 زاد المعاد في هدي خير العباد ( ابن قيم الجوزية ) الجزء الثالث فصل فى بدء القتال والمبارزة


418

   زاد المعاد في هدي خير العباد ( ابن قيم الجوزية ) الجزء الثالث

 فصل

فى  بدء القتال والمبارزة


         ولما قَدمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم خيبر، صلَّى بها الصُّبحَ، وركب المسلمون، فخرج أهلُ خيبر بمساحِيهم ومكاتِلهم، ولا يَشْعُرونَ، بل خرجُوا لأرضهم، فلما رأوا الجيش، قالوا: محمَّدٌ واللهِ، محمَّدٌ والخميسُ، ثم رجعوا هاربين إلى حصونهم، فقال النبىُّ صلى الله عليه وسلم: (( اللهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إنَّا إذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْم، فَسَاءَ صَبَاحُ المُنْذَرِين )).
         ولما دنا النبىُّ صلى الله عليه وسلم وأشرف عليها، قال: (( قفوا )) فوقف الجيشُ، فقال: ((اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمواتِ السَّبْعِ وَمَا أَظْلَلْنَ، ورَبَّ الأَرَضينَ السَّبْعِ ومَا أَقْلَلْنَ، وربَّ الشَّيَاطِين وَمَا أَضْلَلْنَ، فإنَّا نَسْألُكَ خَيْرَ هذِهِ القرْيَةِ وخَيْرَ أَهْلِها وَخَيْرَ مَا فِيهَا، ونَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ هذِهِ القَرْيَةِ وشَرِّ أَهْلِهَا وشَرِّ مَا فيها، أقْدِمُوا بِسْم اللهِ )).
           ولما كانت ليلة الدخول، قال: (( لأُعْطِيَنَّ هذِهِ الرَّايَةَ غَدَاً رَجُلاً يُحبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، ويُحِبُّهُ اللهُ ورَسُولُهُ، يَفْتَحُ اللهُ عَلَى يَدَيْهِ ))، فبات الناسُ يدوكون أيهُّم يُعطاها، فلما أصبح الناسُ، غَدَوْا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كُلُّهم يَرْجُو أن يُعطاها، فقال: (( أَيْنَ عَلِىُّ بْنُ أبى طَالب )) ؟  فقالُوا: يا رسُولَ الله؛ هو يَشتكى عينيه. قال: (( فأرْسِلُوا إلَيْهِ ))، فأُتى به، فبصق رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فى عينيه، ودعا لهُ، فَبَرَأ حتَّى كأنْ لم يَكُنْ به وَجَعٌ، فأعطاهُ الرايَةَ، فقال: يا رسولَ اللهِ؛ أُقاتِلهم حتى يكُونوا مثلنا ؟ قال: (( انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهم، ثُمَّ ادْعُهُمْ إلى الإسْلامِ، وأَخْبِرْهُم بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللهِ فيهِ، فَوَاللهِ لأَنْ يَهْدِىَ اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِداً، خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ )).
                      فخرج مَرْحَبٌ وهو يقول:
أنَا الَّذى سَمَّتْنى أُمِّى مَرْحَبُ         شَاكِى السِّلاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ
إذا الحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ
         فبرز إليه علىٌ وهو يقول:
أَنَا الَّذِى سَمَّتْنى أُمِّى حَيْدَرَهْ         كَلَيْثِ غَابَاتٍ كَرِيهِ المَنْظَرَهْ
أوفيهمُ بِالصَّاعِ كَيْلَ السَّنْدَرَهْ
         فضرب مَرْحَباً، ففلَق هامتَه، وكان الفتح.
         ولما دنا علىُّ رضىَ الله عنه من حُصونهم، اطلع يهودىٌ مِن رأس الحصن، فقال: مَنْ أنت ؟ فقال: أنا علىُّ بنُ أبى طالب. فقال اليهودى: علوتُم وما أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى.
         هكذا فى (( صحيح مسلم )): أن علىَّ بن أبى طالب رضى الله عنه هو الذى قتل مَرْحَبَا.
         وقال موسى بن عُقبة، عن الزهرى وأبى الأسود، عن عروة ويونس بن بكير، عن ابن إسحاق: حدَّثنى عبد الله بن سهل  أحد بنى حارثة  عن جابر بن عبد الله، أن محمَّد بن مسلمة هو الذى قتله، قال جابر فى حديثه: خرج مَرْحبُ اليهودىُّ مِن حصن خيبر قد جمع سِلاحه، وهو يرتجزُ ويقول: مَن يُبارِزُ ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( مَنْ لِهذَا )) ؟ فقال محمَّدُ بنُ مسلمة: أنا له يا رسولَ الله، أنا واللهِ المَوْتُورُ الثائرُ، قتلوا أخى بالأمسِ، يعنى محمودَ بن مسلمة، وكان قُتِل بخيبر، فقال: (( قُمْ إلَيْهِ، اللَّهُمَّ أَعِنْهُ عَلَيْهِ ))، فلما دنا أحدُهما مِن صاحبه، دخلَتْ بينهما شجرةٌ، فجعل كُلُّ واحد منهما يلوذُ بها من صاحبه، كلما لاذ بها منه اقتطع صاحبه بسيفه ما دونه منها، حتى برز كُلُّ واحد منهما  لصاحبه، وصارت بينهما كالرجُل القائم، ما فيها فَنَن، ثُمَّ حملَ على محمد فضربه، فاتقاه بالدَّرقة، فوقع سيفُه فيها، فعضَّتْ به، فَأَمْسَكَتْهُ، وضربه محمَّدُ بن مسلمة فقتله، وكذلك قال سلمة بن سلاَّمة، ومجمع بن حارثة: إن محمد بن مسلمة قتل مرحباَ.
           قال الواقدى: وقيل: إن محمَّد بن مسلمة  ضرب ساقى مَرْحب فقطعهما، فقال مرحب: أَجْهِز علىَّ يا محمد. فقال محمد: ذُقِ الموت كما ذاقه أخى محمود، وجاوزه، ومرَّ به علىُّ رضى الله عنه، فضرب عُنقه، وأخذ سلَبه، فاختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سَلَبِهِ، فقال محمَّدُ بن مسلمة: يا رسولَ الله؛ ما قطعتُ رجليه ثم تركتُه إلا لِيذوقَ الموتَ، وكنت قادراً أن أُجْهِزَ عليه. فقال علىُّ رضى الله عنه: صَدَقَ، ضربتُ عنقه بعد أن قطع رجليه، فأعطى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم محمَّد بن مسلمة سيفَه ورمحه، ومِغفره وبَيْضَته، وكان عند آلِ محمد بن مسلمة سيفُه فيه كتاب لا يُدرى ما فيه، حتى قرأه يهودى، فإذا فيه:
هذَا سَيْفُ مَرْحَبْ         مَنْ يَذُقْهُ يَعْطَبْ
         ثم خرج[ بعد مرحب أخوه ] ياسر، فبرز إليه الزبير، فقالت صفيَّةُ أُمه: يا رسولَ اللهِ؛ يقتلُ ابنى ؟ قال: (( بَلْ ابنُكِ يَقْتُلُهُ إنْ شَاءَ الله ))، فقتله الزبير.
           قال موسى بن عقبة: ثم دخل اليهودُ حِصناً لهم منيعاً يقال له: القَمُوص، فحاصرهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قريباً مِن عشرينَ ليلة، وكانت أرضاً وَخْمَةً شَدِيدَةَ الحرِّ، فجُهِدَ المسلمون جَهْدَاً شديداً، فذبحوا الحُمُرَ فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكلها، وجاء عبدٌ أسود حبشى من أهل خيبر، كان فى غنم لسيده، فلما رأى أهلَ خيبر قد أخذوا السلاح، سألهم ما تُريدون ؟ قالوا: نُقاتل هذا الذى يزعم أنه نبىٌ، فوقع فى نفسه ذكر النبى صلى الله عليه وسلم، فأقبل بغنمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ماذا تقول وما تدعو إليه ؟ قال: (( أَدْعُو إلى الإسْلام، وأَنْ تَشْهَدَ أَنْ لا إلهَ إلا الله، وأنِّى رَسُولُ الله، وأَنْ لا تَعْبُدَ إلا الله )). قال العبدُ: فمالى إن شهدتُ وآمنتُ باللهِ عَزَّ وجَلَّ ؟ قال: (( لَكَ الجَنَّةُ إنْ مِتَّ على ذلكَ ))، فأسلم، ثم قال: يا نبىَّ اللهِ؛ إن هذه الغنم عندى أمانة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( أخْرِجْها مِنْ عِنْدِكَ وارْمِها بالحَصْباءِ، فإنَّ اللهَ سَيُؤَدِّى عَنْكَ أَمَانَتَكَ ))، ففعل، فرجعت الغنم إلى سيِّدها، فعلم اليهودى أن غلامه قد أسلم، فقام رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فى الناس، فوَعَظهم، وحضَّهم على الجهاد، فلما التقى المسلمون واليهودُ، قُتِلَ فيمن قُتِلَ العبدُ الأسود، فاحتمله المسلمون إلى معسكرهم، فأُدخل فى الفُسْطَاطِ، فزعموا أن رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم اطلع فى الفُسطاط، ثم أقبل على أصحابه وقال: (( لَقَدْ أَكْرَمَ اللهُ هذا العَبْدَ، وسَاقَهُ إلى خَيْرٍ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ عِنْدَ رَأْسِهِ اثْنَتَيْنِ مِنَ الحُور العين، وَلَمْ يُصَلِّ للهِ سَجْدَةً قَطُّ )).
                     قال حمَّاد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس: أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم رجلٌ فقال: يا رسولَ اللهِ؛ إنى رجل أسودُ اللَّون، قبيحُ الوجه، مُنْتِنُ الرِّيح، لا مالَ لى، فإن قاتلتُ هؤلاء حتى أُقْتَلَ، أأدخلُ الجنَّة ؟ قال: (( نعم ))، فتقدَّم، فقاتلَ حتَّى قُتِلَ، فأتى عليه النبىُّ صلى الله عليه وسلم وهو مقتول، فقال: (( لَقَدْ أَحْسَنَ اللهُ وَجْهَكَ، وَطَيَّبَ رِيحَكَ، وَكَثَّرَ مَالَكَ ))، ثم قال: (( لَقَدْ رَأَيْتُ زَوْجَتَيْهِ مِنَ الحُورِ العينِ يَنْزِعَان جُبَّتَهُ عَنْهُ، يدْخُلانِ فِيما بَيْنَ جِلْدِهِ وجُـبَّته )).
         وقال شدَّادُ بنُ الهاد: جاء رجل من الأعرابِ إلى النبى صلى الله عليه وسلم، فآمنَ به واتَّبعه، فقَالَ: أُهاجِرُ معكَ، فأوصى به بعضَ أصحابه، فلما كانت غزوةُ خيبر، غَنِمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم شيئاً، فقسمه، وقسم للأعرابى، فأعطى أصحابه ما قسمه له، وكان يَرعى ظهرَهم، فلما جاء، دفعُوهُ إليه، فقال: ما هذا ؟ قالوا: قَسْمٌ قَسَمَهُ لَكَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فأخذهُ، فجاء به إلى النبىِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: ما هَذَا يا رسول اللهِ ؟ قال: (( قَسْمٌ قَسَمْتُهُ لَكَ ))، قال: ما على هذا اتبعتُك، ولكن اتبعتُك على أن أُرمى هاهنا  وأشار إلى حَلْقِه  بسهم، فأموتَ فأدخل الجنَّة، فقال: (( إنْ تَصْدُقِ اللهَ يَصْدُقْكَ ))، ثم نهض إلى قتال العدو، فأُتِى به إلى النبى صلى الله عليه وسلم وهو مقتول، فقال: (( أهو هو )) ؟ قالوا: نعم. قال: (( صَدَقَ اللهَ فَصَدَقَهُ ))، فكفَّنه النبىُّ صلى الله عليه وسلم فى جبته، ثم قدَّمه، فصلَّى عليه، وكان مِن دعائه له: (( اللَّهُمَّ هذا عَبْدُكَ خَرَجَ مُهاجِراً فى سَبِيلِكَ، قُتِلَ شَهِيداً، وأَنَا عَلَيْهِ شَهِيدٌ)).
          قال الواقدى: وتحوَّلت اليهود إلى قلعة الزبير: حصنٍ منيع فى رأس قُلّةٍ، فأقام رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثلاثةَ أيام، فجاء رجل من اليهود يقال له (( عزال )) فقال: يا أبا القاسم؛ إنك لو أقمتَ شهراً ما بَالوا، إن لهم شراباً وعُيوناً، تحتَ الأرض، يخرجُون بالليل، فيشربُون منها، ثم يرجعون إلى قلعتهم، فيمتنعُون منك، فإن قطعْت مشربَهم عليهم أصحَرُوا لك، فسار رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى مائهم، فقطعه عليهم، فلما قُطِع عليهم،خرجوا، فقاتلُوا أشد القتال، وقُتِلَ مِن المسلمين نَفَرٌ، وأُصيب نحو العشرة من اليهود، وافتتحه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تحوَّل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل الكُتَيْبَةِ والوَطِيح والسُّلالِم حصنِ ابن أبى الحُقيق، فتحصَّن أهلُه أشد التحصن، وجاءهم كُل فَلٍّ كان انهزم مِن النَّطاة والشَّق، فإن خيبر كانت جانبين: الأول:الشَّق والنَّطاة، وهو الذى افتتحه أولاً، والجانب الثانى: الكُتيبة والوطيح والسُّلالم، فجعلوا لا يخرجُون مِن حُصونهم حتى همَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن ينصبَ عليهم المَنجنيق، فلما أيقنُوا بالهَلَكَةِ، وقد حصرهم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أربعةَ عشر يوماً، سألُوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم الصُّلْحَ، وأرسل ابنُ أبى الحُقيق إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: أنْزِلُ فَأُكَلِّمك ؟ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (( نعم ))، فنزل ابنُ أبى الحُقيق، فصالَحَ رسول الله صلى الله عليه وسلم على حقن دِماء مَنْ فى حُصونهم من المقاتلة وتركِ الذُّرِّيَّة لهم، ويخرجُون من خيبر وأرضِها بذراريهم، ويُخلُّون بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينَ ما كان لهم من مال وأرض، وعلى الصفراء والبيضاء، والكُراع والحلقة إلا ثوباً على ظهر إنسان، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (( وَبَرِئَتْ مِنْكُم ذَِمَّةُ اللهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ إنْ كَتَمْتُمونى شَيْئاً ))، فصالحوه على ذلك.
         قال حمَّادُ بن سلمة: أنبأنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر: (( أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قاتل أهل خيبر حتى ألجأهم إلى قصرهم، فغلبَ على الزرعِ والنخل والأرض، فصالحُوه على أن يُجلوا منها، ولهم ما حملت ركابُهم ولِرسول الله صلى الله عليه وسلم الصفراءُ والبيضاءُ، واشترط عليهم أن لا يكتموا ولا يُغَيِّبُوا شيئاً، فإن فعلُوا فلا ذِمَّةَ لهم ولا عهد، فغيَّبوا مَسْكاً فيه مال وحُلى لحُيَىّ بن أَخْطَب، كان احتمله معه إلى خيبر حين أُجليت النضيرُ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لِعم حُيى ابن أخطب: (( ما فَعَلَ مَسْكُ حُيَىّ الذى جَاءَ بِهِ مِنَ النَّضِير )) ؟. قال: أذهبته النفقاتُ والحروب، فقال: (( العَهْدُ قَريبٌ، والمَالُ أكْثَرُ مِنْ ذلِكَ ))، فدفعه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى الزُّبير، فمسَّه بعذاب، وقد كان قبل ذلك دخل خربة فقال: (( قَدْ رأيْتُ حُيَيّاً، يَطُوفُ فى خربة هاهنا ))، فذهبوا، فطافوا، فوجدوا المَسْكَ فى الخربة، فقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنى أبى الحُقيق، وأحدُهما زوج صفية بنت حُيَىّ بن أخطب، وسبى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم نساءهم وذراريهم، وقسم أموالَهم بالنَّكْثِ الذى نَكَثُوا، وأراد أن يُجليهم منها، فقالوا: يا محمد؛ دعنا نكُون فى هذه الأرض نُصلِحُها ونقوم عليها، فنحن أعلم بها منكم، ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا لأصحابه غلمان يقومون عليها، وكانوا لا يفرغُون يقومون عليها، فأعطاهم خيبر على أن لهم الشطرَ مِن كل زَرعٍ وكل ثمرٍ ما بدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرهم. وكان عبد الله بن رواحة يخرصُه عليهم كما تقدم. ولم  يقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الصلح إلا ابنى أبى الحُقيق للنكث الذى نكثوا، فإنهم شرطوا إن غيَّبوا، أو كتموا، فقد برئت منهم ذِمَّة الله وذِمَّة رسوله، فغيَّبوا، فقال لهم: (( أين المال الذى خرجتم به من المدينة حين أجليناكم )) ؟ قالوا:ذهب فحلفوا على ذلك ، فاعترف ابن عم كنانه عليهما بالمال حين دفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الزبير يعذبه ، فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم كنانه إلى محمد بن مسلمة فقتله ويقال : إن كنانه هو كان قتل أخاه محمود بن مسلمه.
 وسبى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفيه بنت حيي بن أخطب وابتة عمتها ، وكانت صفية تحت كنانه لن أبى الحقيق ، وكانت عروساً حديثة عهد بالدخول ، فأمر بلالاً أن يذهب بها إلى رحله ، فمر بها بلال وسط القتلى ، فكره ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال : أذهبت الرحمة منك يا بلال.
وعرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام، فأسلمت، فاصطفاها لنفسه، وأعتقها، وجعل عِتْقَهَا صَدَاقها، وبنى بها فى الطريق، وأولم عليها، ورأى بوجهها خُضرةً، فقال: (( ما هذا )) ؟ قالت: يا رسولَ اللهِ؛ رأيتُ قبل قدومك علينا، كأن القَمرَ زال من مكانه، فسقط فى حَجرى، ولا واللهِ ما أذكرُ مِن شأنك شيئاً، فقصصتها على زوجى، فلطم وجهى، وقال: تمنين هذَا المَلِكَ الذى بالمدينة.
         وشك الصحابة: هل اتخذها سُرِّيَّة أو زوجة ؟ فقالوا: انظروا إن حجبها، فهى إحدى نِسائه، وإلا فهى مما ملكتْ يمينُه، فلما رَكِب، جعل ثَوبه الذى ارتدى به على ظهرها ووجهها، ثم شدَّ طرفه تحته، فتأخَّرُوا عنه فى المسير، وعَلِمُوا أنها إحدى نسائه، ولما قدم لِيحملها على الرَحْل أجلَّته أن تضع قدمها على فخذه، فوضعت ركبتها على فخذه ثم ركبت.
         ولما بنى بها، بات أبو أيوب ليلَته قائماً قريباً من قُبته، آخذاً بقائم السيف حتى أصبح، فلما رأى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، كبَّرَ أبو أيوب حين رآه قد خرج، فسأله رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (( مالك يا أبا أيوب )) ؟ فقال له: أَرِقْتُ ليلتى هذِهِ يا رسولَ اللهِ لما دخلتَ بهذه المرأة، ذكرتُ أنك قتلتَ أباها وأخاها، وزوجَها وعامةَ عشيرتها، فخِفْتُ أن تغتالك. فضحِكَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وقال له معروفاً. 





يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق