إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 25 أغسطس 2014

517 موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية للدكتور عبد الوهاب المسيري المجلد الثانى: الجماعات اليهودية.. إشكاليات الجزء الرابع: عداء الأغيار الأزلي لليهود واليهودية الباب الثالث: معاداة اليهود والتحيز لهم التحيز لليهود (حب السامية( Phlio-Semitism


517

موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية

للدكتور عبد الوهاب المسيري

المجلد الثانى: الجماعات اليهودية.. إشكاليات

الجزء الرابع: عداء الأغيار الأزلي لليهود واليهودية

الباب الثالث: معاداة اليهود والتحيز لهم

التحيز لليهود (حب السامية(

Phlio-Semitism

«التحيز لليهود» ترجمة للمفهوم الكامن وراء الاصطلاح الإنجليزي «فيلو سيميتزم»، والذي يعني حرفياً «حب السامية» أو «حب الساميين»، وهو مصطلح شائع في اللغات الأوربية يشير إلى مشاعر الحب التي قد يشعر بها بعض الأغيار تجاه اليهود (مقابل («أنتي سيميتزم» والتي تعني «معاداة اليهود»). ومصطلح «حب اليهود» الذي نشير إليه بـعبارة «التحيز لليهود» له من العمومية ما لمصطلح «معاداة اليهود». فالموسوعات تورد أسماء حيرام ملك صور، وقورش الأخميني، والإسكندر المقدوني، ويوليوس قيصر، والإمبراطور الروماني جوليان، وردريجير هاوتسمان أسقف سبير، وإمبراطور ألمانيا فريدريك باربروسا، وريتشارد قلب الأسد ملك إنجلترا، وفريدريك الثاني إمبراطور النمسا، وكاسيمير الأعظـم ملك بولندا، على اعتبار أنـهم جميـعاً أصـدقاء لليهود ومحبون لهم. وإذا نظرنا إلى كل اسم على حدة، لوجدنا أن تحيُّزه لليهود (أو أعضاء الجماعات اليهودية في مصطلحنا) ينبع من مواقف تاريخية متباينة. فحيرام ملك صور كان يود تحسين علاقته مع سليمان ملك العبرانيين حتى تُتاح له فرص التجارة. وقورش الأخميني أعاد اليهـود وغـيرهم من الأقـوام المهجَّرة ضمن سياسـة الإمبراطورية الفارسية. أما الإسكندر الأكبر فليس له موقف محدد من اليهود، وهو على كل لم يكن لديه سبب قوي لحبهم أو كرههم. أما يوليوس قيصر، فكان مديناً لليهود لتأييدهم له في سياساته. أما أصدقاء اليهود في العصور الوسطى في الغرب، فقد كان اهتمامهم ينصب في معظم الأحوال على اليهود باعتبارهم جماعة وظيفية وسيطة تُنشِّط التجارة وتحقق دخلاً كبيراً لهم.

ويمكن القول بأنه مع عصر النهضة والإصلاح الديني، بدأ يظهر اهتمام خاص بالثقافة العبرية وباليهود في العالم الغربي. وبدأ التأكيد على أن اليهودية هي أحد مصادر المسيحية، فبيَّن المفكر الهولندي هوجو غروتيوس المصادر المشتركة بين المسيحية واليهودية في كتابه حقيقة المسيحية. وألف لوثر كتاباً بعنوان المسيح وُلد يهودياً. وبدأ كثير من الكُتَاب يهتمون بالتلمود وكتب القبَّالاه والتراث الديني اليهودي. وقد انعكس هذا الاتجاه، في نهاية الأمر، في ظهور القبَّالاه المسيحية ومصطلح «التراث اليهودي - المسيحي» الذي اكتسب شيوعاً كبيراً. كما ظهر الاهتمام بالموضوعات اليهودية والعبرية في الآداب والفنون الغربية، وكان هذا أمراً جديداً إلى حدٍّ كبير. وظهرت معالجة إيجابية لشخصية اليهودي في أعمال ملتون وراسين وباسكال ورمبرانت وسكوت وبايرون وجورج إليوت وغيرهم من الكتاب.

وقد تزايد التحيز لليهود نتيجة عدد مترابط من الأسباب:

1 ـ طرح الإصلاح الديني في الغرب تصوُّراً جديداً للعلاقة بين الخالق والمخلوق بحيث يتم الخلاص لا من خلال الكنيسة وإنما من خارجها. وأصبح من حق الفرد المسيحي أن يفسر الكتاب المقدَّس بنفسه تفسيراً حرفياً يبتعد عن التفسيرات المجازية والرمزية التي تبنتها الكنيسة الكاثوليكية. وقد اكتسب الكتاب المقدَّس بشقيه (العهد القديم والعهد الجديد) أهمية خاصة في الوجدان الغربي، وأصبح العهد القديم من أكثر الآثار الأدبية شيوعاً. وقد ساهم كل ذلك في تزايد الاهتمام بأعضاء الجماعات اليهودية وبميراثهم الديني في العالم الغربي.

2 ـ منذ نهاية القرن السادس عشر، ومع تعاظُم انتشار العقيدة البروتستانتية، شهد العالم الغربي انتشار العقيدة الألفية التي تربط بين رؤية الخلاص وعودة اليهود إلى فلسطين.

3 ـ ساهم ظهور الفكر المركنتالي، الذي أكد أهمية النشاط التجاري، في الاهتمام باليهود كعنصر تجاري نشيط وكواحد من أهم عناصر التجارة الدولية.

4 ـ شهد القرن السادس عشر بدايات حركة الاستيطان الغربية. ويبدو أن أسطورة الاستيطان الغربية والصورة الوجدانية الأساسية، في مراحل الاستيطان الأولى على الأقل، كانت أسطورة عبرانية. فقد كان المستوطنون البيض في كل أرجاء العالم ينظرون إلى أنفسهم باعتبارهم عبرانيين يخرجون من مصر (بلادهم الأصلية) ثم يصعدون إلى صهيون (البلد الجديد) ويهاجمون الكنعانيين (السكان المحليين) ويبيدونهم عن بكرة أبيهم. وكان المسـتوطنون الأمريكيـون يشيرون إلى أنفسهم على أنهم « أبناء العهد »، ويشيرون إلى القارة الأمريكية على أنها « صهيون الجديدة »، بل تم التفكير في تبنِّي العبرية كلغة رسمية للولايات المتحدة عند إعلان استقلالها.

5 ـ انتشر في القرن الثامن عشر فكر الربوبيين، الذين كانوا ينادون بأن العقل قادر على الوصول إلى فكرة الخالق بدون حاجة إلى ديانات منزلة أو معجزات أو وحي خاص، وهو الفكر الذي تطوَّر ليصبح الفكر العلماني فيما بعد. وقد أظهر هؤلاء المفكرون الربوبيون والعلمانيون اهتماماً باليهود من حيث هم أعداء الكنيسة.

ويمكننا القول بأن الاهتمام بالتراث الديني لليهود لا يعني بالضرورة اهتماماً بهم كبشر. إذ كان كثير من المفكرين يهتمون بأبطال العهد القديم ويكنون، مع هذا، احتقاراً عميقاً لليهود بوصفهم جماعات دينية أو إثنية. بل إن عظمة التراث الديني اليهودي في رأي هؤلاء تقف شاهداً على مدى ضعة اليهود. كما أن مناداة المرء بمنح اليهود، وغيرهم من أعضاء الأقليات، حقوقهم السياسية كاملة يُعتبَر جزءاً من فلسفة سياسية ليبرالية عامة، وليس تعبيراً عن حب خاص أو تحيُّز لهم أو ضدهم. كما يمكن الاهتمام بالتراث الديني اليهودي كجزء من الاهتمام بتراث الديانات التوحيدية دون أي تركيز على اليهود ذاتهم، وخصوصاً أن علاقتهم بتراثهم الديني قد تآكلت إلى حدٍّ كبير.

ولذا، سنقصراستخدام مصطلح «التحيز لليهود» على هؤلاء الذين يعطون اليهود مركزية خاصة في رؤيتهم للعالم. ومن أهم هؤلاء اللورد شافتسبري (السابع)، ولورانس أوليفانت، ولورد بلفور، ممن يُطلَق عليهم مصطلح «الصهاينة غير اليهود». وعند تحليل فكر هؤلاء، سنكتشف أنه فكر معاد لليهود وأن حبهم لليهود ومحاولة مساعدتهم على الهجرة إلى فلسطين هي أيضاً محاولة للتخلص منهم. فالهجرة، التي تُطرَح حلاًّ للمسألة اليهودية، وتتضمن توظيفاً لليهود باعتبارهم مادة بشرية، هي تهجير وطرد وترحيل. وربما كانت فكرة الشعب العضوي، الذي يُنبَذ بسبب عضويته، هي الأساس الفكري لهذا الحب/الكره. والتركيز على اليهود كعنصر أساسي في أية عملية استيطانية هو علمنة لفكرة الشعب الشاهد الذي يقف على حافة التاريخ الغربي، والذي ليس له قيمة ذاتية في حد ذاته وإنما يكتسب قيمته بمقدار أدائه لوظيفته وبمقدار نفعه. وقد تبدَّى هذا الحب/الكره في نهاية الأمر في الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة.





يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق