إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 31 أغسطس 2014

618 موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية للدكتور عبد الوهاب المسيري المجلد الثالث :الجماعات اليهودية: التحديث والثقافة الجزء الأول: التحديث الباب الرابع: الإعتاق مرحلـة ما بعــد الانعـتاق Post-Emancipation Era



618


موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية

للدكتور عبد الوهاب المسيري

المجلد الثالث :الجماعات اليهودية: التحديث والثقافة

الجزء الأول: التحديث

الباب الرابع: الإعتاق

مرحلـة ما بعــد الانعـتاق

Post-Emancipation Era

يُطلَق على يهود العالم الغربي يهود مرحلة «ما بعد الانعتاق»، وهي عبارة تفترض أن عملية إعتاق اليهود قد اكتملت وأن أعضاء الجماعات اليهودية قد أُعتقوا وانعتقوا تماماً. ولكن الأدبيات الصهيونية تذهب إلى أن اكتمال هذه العملية لم تكن كل ثمراته إيجابية بل أدَّى إلى ظهور مشاكل جديدة مختلفة تماماً عن تلك التي كان يواجهها اليهود قبل تلك المرحلة. فأعضاء الجماعات اليهودية، قبل إعتاقهم، كانوا يواجهون مشكلة عزلتهم عن بقية أعضاء المجتمع، كما كانوا يواجهون مشكلة عدم حصولهم على حقوقهم. وكان المجتمع بدوره يشكو من خصوصيتهم وتكاتفهم المتطرف. ولكن، بعد الإعتاق والانعتاق، نجد أن الوضع قد انقلب تماماً. إذ أصبح الخطر الأكبر الذي يتهدد اليهود، من وجهة نظر الصهاينة وبعض الدارسين، هو الاندماج وأحياناً الانصهار أو ضياع الهوية وأي شكل من أشكال الخصوصية. ويعود هذا إلى تزايد معدلات العلمنة في المجتمع الغربي وانتشار مُثُل حركة الاستنارة، وهي حركة تؤكد أهمية العام على الخاص، وتطرح فكرة الإنسان الطبيعي الأممي كمثل أعلى، ومن ثم فإنها تعادي الخصوصية والهوية. وقد أدَّت عملية الإعتاق (المرتبطة بالعلمنة) إلى ضعف الدين اليهودي بمؤسساته المختلفة والذي كان يحتفظ لأعضاء الجماعات اليهودية بشيء من الهوية كما كان يمنعهم من الزواج المختلط. كما أن تزايد انتشار مُثُل الإعتاق قد أدَّى إلى تراجع الأفكـار العنـصرية المختلفـة وإلى تراجع ظاهرة معـاداة اليهود، وهي الأخرى من أهم دعائم ما يُسمَّى «الهوية اليهودية».

ومن القضايا الأساسية الأخرى ليهودية ما بعد الانعتاق الحوار اليهودي المسيحي الذي يفترض وجود تراث يهودي مسيحي مشترك، ومثل هذا الحوار لم يكن أمراً مطروحاً في الماضي. غير أن اليهودية، باعتبارها نسقاً دينياً، ليست مهيأة للدخول في هذا الحوار، نظراً لخاصيتها الجيولوجية التراكمية، ولعدم تحديدها عقائدها الأساسية. كما أن اليهود جماعات إثنية منقسمة إلى فرق لا تعترف الواحدة بالأخرى. ويخشى كثير من اليهود المتدينين (الأرثوذكس) أن يؤدي هذا الحوار إلى توسيع رقعة الاتفاق بين اليهودية والمسيحية إلى درجة يصبح التنصر معها أمراً سهلاً وربما منطقياً. وهذا ما حدث فعلاً في ألمانيا بعد ظهور اليهودية الإصلاحية التي أعادت صياغة اليهودية على أسس المسيحية البروتستانتية، الأمر الذي أدَّى في النهاية إلى تنصُّر أعداد كبيرة من يهود ألمانيا.

ومن الصعب على الصهاينة أو غيرهم الاحتجاج على النتائج السلبية لإعتاق اليهود، إذ أن المُثُل العليا للمجتمعات الغربية التي يعيش فيها معظم أعضاء الجماعات اليهودية هي مُثُل علمانية عقلانية من نتاج عصر الاستنارة، تشجع على الاندماج وتمازج الأفراد، وعلى امتزاج هويتهم وخصوصيتهم في هوية قومية عامة عظمى. ولذا، فإن هذه المجتمعات هي مجتمعات تقبل من اليهود احتجاجهم على معاداة اليهود ولكنها تجد أن من الصعب عليها أن تقبل الاحتجاج على نتائج عملية الإعتاق.

ولكن أهم المشاكل التي يواجهها اليهود واليهودية، في مرحلة ما بعد الانعتاق، هي ظهور الصهيونية باعتبارها حركة تدَّعي التحدث باسم كل اليهود، وكذلك تأسيس الدولة الصهيونية التي تطلق على نفسها اسم «الدولة اليهودية». ويهود مرحلة ما بعد الانعتاق يتمتعون، كما أسلفنا، بدرجة عالية من الاندماج في مجتمعاتهم، ويشعرون بالانتماء الكامل لها والولاء العميق نحوها. ولكن الصهيونية تضع هذا موضع التساؤل إن لم يكن موضع الشك أيضاً. كما أن سلوك الدولة الصهيونية، وبخاصة بعد اندلاع الانتفاضة المجيدة، أصبح يسبب لهم كثيراً من الحرج. (انظر: «موقف الجماعات اليهودية من الصهيونية» (.



يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق