إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 28 أغسطس 2014

592 موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية للدكتور عبد الوهاب المسيري المجلد الثالث :الجماعات اليهودية: التحديث والثقافة الجزء الأول: التحديث الباب الثانى: العلمانية (والإمبريالية) واليهودية وأعضاء الجماعات اليهودية اليهودية الإثنيـة Ethnic Judaism


592

موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية

للدكتور عبد الوهاب المسيري

المجلد الثالث :الجماعات اليهودية: التحديث والثقافة

الجزء الأول: التحديث

الباب الثانى: العلمانية (والإمبريالية) واليهودية وأعضاء الجماعات اليهودية

اليهودية الإثنيـة

Ethnic Judaism

«اليهودية الإثنية» تعبير عن الانتماء اليهودي الذي يستند إلى الإثنية اليهودية. وكلمة «الإثنية» مأخوذة من الكلمة اليونانية «إثنوس» بمعنى «قوم» أو «جماعة لها صفات مشتركة». وتُستخدَم كلمة «إثنية» للإشارة إلى الجماعة الإنسانية التي قد لا يربطها بالضرورة رباط عرْقي ولكنها جماعة تشعر بأن لها هوية مشتركة تستند إلى تراث تاريخي مشترك ومعجم حضاري واحد. وكلمة «حضارة» هنا تستخدم في أوسع دلالاتها، فهي تشـير إلى كل فعل إنسـاني وكل ما هو ليـس بطبيعة، مثل: الأزياء وطرق حلاقة الشعر، وطريقة تنظيم المجتمع، والرقص. ومن أهم العناصر الإثنية، اللغة والأدب. ويمكن أن يكون الدين عنصراً من بين هذه العناصر الإثنية فينظر المرء، دون أن يؤمن بالإله ، إلى الشـعائر الدينية بوصـفها تعبيراً عن الهوية ، تمامـاً مثل الرقص والطعام. ويستطيع المرء أن يشير إلى طعام إثني (بمعنى أنه يُعبِّر عن هويته) له مضمون رمزي يتجاوز وظيفته المادية، فهو ليس مجرد طعام لسد حاجته الجسدية. وبالتالي، فإن الملوخية أو الكبسة طعام إثني، أما الهامبورجر فهو طعام ليس له مدلولات إثنية. وعلى أية حال، فإن الإثنية اليهودية هي مجموعة الصفات المحددة التي يُفترَض أنها تشكل ما يُسمَّى «الهوية اليهودية» من منظور إثني.

والإيمان بالذات القومية (الإثنية) هو إحدى السمات الأساسية للتشكيل الحضاري الغربي في القرن التاسع عشر. فبعد ضعف المسيحية وانتشار العلمانية، ظهر الفكر القومي الذي أسقط أي مطلق ديني أو أخلاقي وحلَّت محله الذات القومية كمطلق وموضع للقداسة ومصدر وحيد للقيمة ونقطة مرجعية وركيزة نهائية.

وتجب التفرقة بين الإثني والعرْقي، فالوحدة على أساس عرْقي تعني وحدة الدم والجنس (العرْق).أما الوحدة على أساس إثني فتعني وحدة التاريخ والثقافية. ومعظم الحركات القومية (مثل القومية الإنجليزية أو الفرنسية أو الجامعة السلافية والألمانية والقومية الطورانية، وكذلك النازية والصهيونية)، تـستند إلى تعريف عرْقي إثني للذات القومية. ولكن، بعد تجربة الإبادة النازية، أصبح من الصعب قبول التعاريف العرْقية، وبخاصة من جانب أعضاء الجماعات اليهودية، فبدأ القبول بفكرة الوحدة الإثنية وأُسقطت الديباجات العرْقية وحلت محلها ديباجات إثنـية دون أي تعـديل للقداسة أو المطلقية اللتين تُنسـبان إلى الذات القومية. فالوحدة على أساس عرْقي تشبه الوحدة على أساس إثني، إذ تدَّعي كلتاهما نقاءً ما يتمتع به أصحاب الهوية. كما أن العرْقية، مثلها مثل الإثنية تماماً، تعطي صاحبها حقوقاً مطلقة .

وتتَّسم الدعوة القومية في الولايات المتحدة بأنها كانت دعوة إثنية، لأن المجتمع الأمريكي مجتمع مهاجرين، فيه أعراق كثيرة، ولذا أصبح التضامن الإثني هو الإمكانية الوحيدة المتاحة أمام الأمريكيين، وكانت بوتقة الصهر هي الآلية التي يمكن من خلالها إذابة الإثنيات الخاصة السابقة للمهاجرين لتحل محلها الإثنية الأمريكية العامة الجديدة. كان العنصر العرْقي موجوداً منذ البداية (ويظهر في التمييز العنصري، أي العرْقي، ضد السود والآسيويين والعرب) ولكنه كان هامشياً، ومع تزايُد معدلات العلمنة في الولايات المتحدة، وظهور حركات الأقليات مثل حركة تحرُّر السود، ظهرت حاجة لدى المواطن الأمريكي أن يشعر بانتماء ما يضرب بجذوره في شكل من أشكال الخصوصية، وهو ما أدَّى إلى بعث الإثنيات المختلفة. وقد شجع المجتمع هذا البعث الإثني شريطة ألا يتعارض مع الولاء القومي أو مع العقد الاجتماعي الأمريكي، فبإمكان المواطن الأمريكي أن يأكل من طعامه الإثني ويرقص من رقصاته الإثنية في حياته الخاصة وربما العامة، ما حلا له من مأكل ومرقص، على أن يظل سلوكه في رقعة الحياة العامة غير متناقض في أساسياته مع رؤية المجتمع وإيقاعه الأساسي وحياته، أي أن الانتماءات الإثنية الخاصة تُعامَل تماماً معاملة الانتماءات الدينية المختلفة، التي أظهر المجتمع إزاءها التسامح طالما لا تتجاوز رقعة الحياة الخاصة.

ومعظم يهود العالم في الوقت الحالي يهود إثنيون، أي أن يهوديتهم لا تنبع من الإيمان بالعقيدة الدينية وإنما من إثنيتهم اليهودية، وهي تنبع من اليهودية لا باعتبارها نسقاً دينياً وإنما باعتبارها فلكلوراً. وبالتالي، فالشعب اليهودي يصبح ما يُسمَّى «الفولك اليهودي»، أو «الشعب العضوي»، (تماماً مثل «الفولك الألماني»). وربما كان التركيب الجيولوجي لليهودية هو الذي جعل ظهور مثل هذا التعريف ممكناً، وبخاصة وأن الشريعة اليهودية عرَّفت اليهودي بأنه من وُلد لأم يهودية! ويمكن القول بأن الإثنية اليهودية في الواقع هي صهيونية أعضاء الجماعات اليهودية التوطينية. فهم لا يرغبون في الهجرة إلى فلسطين، كما أنهم لا يؤمنون بالإله أو باليهودية كنسق ديني. ولكنهم، مع هذا، يؤمنون بقداسة صفاتهم الإثنية القومية، أو على الأقل يؤمنون بأن إثنيتهم تشكل النقطة المرجعية الأساسية لوجودهم كيهود وبأن إسرائيل تُعبِّر عن هذه الإثنية. ومن ثم، فهم يستمرون في تعظيم ذاتهم القومية أو الإثنية وتمجيدها، وفي تعظيم الدولة الصهيونية وتمجيدها، ولكنهم لا يهاجرون إليها قط. ولحل هذه المشكلة وضمان الاستمرار في التمتع بالهوية الإثنية، قام يهود الولايات المتحدة بإعادة تعريف إسرائيل باعتبارها بلدهم الأصلي أو وطنهم القومي، كمثل إيطاليا بالنسبة للأمريكيين من أصل إيطالي، وكذلك بولندا بالنسبة للأمريكيين من أصل بولندي. أما الولايات المتحدة، فهي وطنهم القومي الحالي. ولأن إسرائيل هي بلدهم الأصلي، فهي تمنحهم هوية إثنية خاصة ولا تلقي عليهم أية أعباء أخلاقية. والأهم من ذلك أن التعريف الإثني للهوية اليهودية على الطريقة الأمريكية لا يتطلب منهم الهجرة، فالإنسان لا يهاجر إلى بلده الأصلي وإنما يهاجر منه! (أي أن الإثنية اليهودية تجمع كل اليهود تحت لواء الصهيونية في الظاهر، وتيسر عليهم الهرب منها في الباطن. وهذا ما نسميه «التملص اليهودي من الصهيونية» بدلاً من قبولها أو رفضها). هذا ويُلاحَظ أن هذه الإثنية اليهودية ذاتها (شأنها شأن الإثنية الإيطالية أو الآسيوية) أصبحت مجرد قشرة زخرفية فارغة.




يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق