إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 31 أغسطس 2014

635 موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية للدكتور عبد الوهاب المسيري المجلد الثالث :الجماعات اليهودية: التحديث والثقافة الجزء الأول: التحديث الباب الخامس: الاستنارة اليهودية جمعية تنميـة الثقافة بين يهود روســيا Society for the Promotion of Culture among the Jews of Russia


635

موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية

للدكتور عبد الوهاب المسيري

المجلد الثالث :الجماعات اليهودية: التحديث والثقافة

الجزء الأول: التحديث

الباب الخامس: الاستنارة اليهودية

جمعية تنميـة الثقافة بين يهود روســيا

Society for the Promotion of Culture among the Jews of Russia

جمعية ثقافية روسية أسسها عام 1863 في سانت بطرسبرج عدد من أثرياء الجماعة اليهودية في روسيا بغرض نشر الثقافة الروسية بين الجماهير اليهودية والإسراع بعملية التحديث والترويس بينهم.

وكانت عملية التحديث والنمو الاقتصادي التي بدأتها الحكومة القيصرية، والتي اتخذت شكلاً أكثر ليبرالية في عهد ألكسندر الثاني (1855 ـ 1881)، قد أتاحت فرصة الحراك الاجتماعي والاقتصادي لأعضاء الجماعة اليهودية. ومن ثم، نشأت طبقة من التجار والأثرياء اليهود المتعاونين مع الحكومة في عملية التحديث والداعين للدمج والترويس بين الجماهير اليهودية. وأعرب ليون روزنتال، أحد مؤسسي الجمعية، عن أن الدافع وراء تأسيس الجمعية هو الاتهامات التي كانت توجَّه للجماعة اليهودية والقائلة بأن الانعزال الديني والثقافي والاجتماعي لليهود وطفيليتهم الاقتصادية هما السبب الرئيسي وراء عدم إعتاقهم وعدم منحهم حقوقهم المدنية. وكان القطاع الأكبر من الجماهير اليهودية رافضاً لعملية التحديث نظراً لما تسببت فيه من ضياع وظائفهم التقليدية وتدهور أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، كما كان هذا القطاع من الجماهير رافضاً مسألة الدمج والترويس. ولكن هذا التحول كان ضرورياً في نظر أثرياء اليهود المتروِّسين حرصاً على مكانتهم الاجتماعية ومصالحهم الطبقية، خصوصاً أن عملية التحديث والتحوُّل الاقتصادي صاحبتها ظروف اقتصادية واجتماعية قاسية بالنسبة للجماهير الروسية بشكل عام، وهو ما كان يهدد بوضع أعضاء الجماعة اليهودية وغيرهم من الأقليات الدينية أو الإثنية أو العرْقية في موضع هجوم واتهام في حالة تأزُّم الأوضاع الاجتماعية وأثناء زيادة حدَّة الإفقار، وهو ما حدث بالفعل بعد تعثُّر عملية التحديث عام 1882.

وقد واجه تأسيس الجمعية، في البداية، عدة اعتراضات من أكثر من جهة، فاليهود الأرثوذكس رفضوا المشروع خوفاً من آثاره السلبية على العقيدة اليهودية. أما دعاة التنوير، فطالبوا باتخاذ إجراءات أسرع وأكثر راديكالية. وأما الحكومة الروسية، فكانت تخشى من تحوُّل هذه الجمعية إلى مؤسسة ذات قاعدة شعبية عريضة، ولذلك رفضت فتح أية فروع لها في أنحاء البلاد، وبخاصة داخل منطقة الاستيطان، الأمر الذي أدَّى إلى تقليص تأثيرها في الجماهير فيما بعد.

وبعد مفاوضات طويلة، تقرَّر تحديد هدف الجمعية وتم النص على أنه تنمية الثقافة بين يهود روسيا ودعم المؤلفين والعلماء والطلبة اليهود،أما السبيل إلى ذلك فيتحدَّد في تعليم اللغة الروسية للجماهير اليهودية وإصدار الكتب والترجمات والدوريات باللغتين الروسية والعبرية.كما تقرَّر أن تعمل الجمعية تحت إشراف وزارة التعليم،وأن تقبل أعضاء من جميع الأديان والأجناس والطبقات والمراكز.

وكان أول من ساهم في تأسيس وتمويل صندوق الجمعية أثرياء اليهود من رجال المال، خصوصاً ليو روزنتال وعائلة جونزبورج التي انتُخب أحد أعضائها رئيساً لمجلس إدارة لجنة الجمعية. وكانت الجمعية تعتمد على تمويل عدد من أثرياء اليهود وهو ما ترك أثره في طبيعة الجمعية ومشاريعها وتوجهاتها. وقد انضم للجمعية عدد من المثقفين والمفكرين اليهود، مثل: أبراهام لفنسون، وأبراهام مابو، ويهودا جوردون، ومندل موخير سفاريم، وغيرهم، كما جرت محاولات لجذب مفكرين وكُتَّاب وشخصيات عامة ليبرالية غير يهودية.

وبرزت داخل الجمعية، منذ بدايتها، بعض الخلافات حول كيفية مخاطبة الجماهير ونشر الثقافة بينهم واللغة التي يجب نشرها. فكان هناك اتجاه يمثله ليو روزنتال يرى ضرورة بناء الجديد دون هَدْم القديم ودون المساس بالقيم والتقاليد التي تحترمها الجماهير اليهودية، وبالتالي فإن على الجمعية توفير تعليم محايد لا يثير شكوك الجماهير أو مخاوفها أو يصدم معتقداتها بل يوفر لها قدراً من المعرفة بالعلوم والجغرافيا والتاريخ. كما فضَّل هذا الاتجاه استخدام اللغة العبرية في نشر الثقافة بين الشباب اليهودي والاهتمام بإصدار الكتب والدوريات العبرية. كما رفض هذا الاتجاه استخدام اليديشية، مع العلم بأن الغالبية السـاحقة من الجمـاهير اليهـودية في روسـيا لم تكن تعرف العبرية، فقد كانت لغة ميتة تقتصر معرفتها على الأرستقراطية الدينية من كبار الحاخامات وخريجي المدارس التلمودية العليا (يشيفا). ولم يكن الاتجاه نحو بعث العبرية اتجاهاً شعبياً أو تقليدياً وإنما كان اتجاهاً صهيونياً يرفض وضع أعضاء الجماعات اليهودية في أنحاء العالم ويرمي إلى بعث قومي ومن ثم إلى الاهتمام بالعبرية. ومن ناحية أخرى، كان هناك اتجاه آخر داخل الجمعية يمثله د. شولسون وأ. هاركابي يدعو إلى ضرورة نشر اللغة الروسية بين أعضاء الجماعات اليهودية والمساهمة في تطوير وبلورة أدب روسي يهودي والعمل على هدم الحواجز التي تفصل بين اليهود وسائر أفراد الشعب الروسي والتصدي لجميع الاتهامات الكاذبة الموجهة لليهود أو اليهودية. كما كان هناك اتجاه أكثر تطرفاً بالنسبة لمسألة الترويس داخل الجمعية، وبخاصة في فرعها في أوديسا (تأسس عام 1867)، ويمثله رابينوفيتش وليو بنسكر، وكان هذا الاتجاه يطالب بترويس يهود روسيا بشكل كامل وسريع. وبالإضافة إلى كل هذا، كانت هناك مجموعة صغيرة يمثلها الحاخام شواباخر، وهو حاخام أوديسا، تطالب بتخصيص قسم داخل الجمعية لتعليم اللغة الألمانية للشباب حتى يكون في استطاعتهم الاطلاع على الأعمال اليهودية المهمة التي كُتبت بهذه اللغة إلى جانب أن اللغة الألمانية كانت تعني فتح مجال التعرف على الثقافة الأوربية بشكل عام. واستقر رأي الجمعية في نهاية الأمر (عام 1864) على أن يكون نشر اللغة الروسية هو الهدف الأساسي وراء جميع أنشطتها حيث إن ذلك هو السبيل الوحيد لمشاركة الجماهير اليهودية في الحياة الروسية.

وعندما أصبح يهودا ليب جوردون سكرتيراً للجمعية عام 1872، أدخل بعض التعديلات على الجانب التنفيذي وقام بنشر هذه التعديلات في الصحافة العبرية حيث تضمنت الدعوة إلى ضرورة العمل على تطوير التعليم المهني والفني والمؤسسات الخاصة بها. وأعلنت الجمعية عن استعدادها لمساعدة الحرفيين اليهود على الاستيطان في جميع أنحاء الإمبراطورية الروسية، وطالبت الجمعية بإدخال تعديلات وتغييرات في الأطر الإدارية للجماعات اليهودية، والتأكيد على مبدأ دعاة التنوير الخاص بأن انعتاق اليهود سيتحقق فقط بعد أن يحقق اليهود تقدماً وتحسناً في المجال الروحي والأخلاقي.

وتركزت أنشطة الجمعية في مجالات النشر والتعليم. ففي مجال النشر، اهتمت الجمعية بتوفير المراجع التي تساعد على تعليم اللغة الروسية، كما قامت بترجمة ما يُسمَّى «التاريخ اليهودي» إلى الروسية حتى يتعرف إليه القارئ الروسي، وخصصت منحاً للكُتَّاب اليهود لتشجيعهم على الكتابة بالروسية. وتم التخطيط لإصدار نشرة فكرية وأدبية سنوية تضم أعمالهم، غير أنها لم تُصدر سوى نشرة واحدة نتيجة عدد من الصعوبات من بينها عدم وجود عدد كاف من الكتابات والمواهب الأدبية، بالإضافة إلى القيود الرقابية والمخاوف الداخلية من توجيه أية انتقادات للعقيدة اليهودية. كما قامت الجمعية بدعم عدد من الجرائد الأسبوعية وبتمويل إصدار ملحق باللغة الروسية لجريدة هاكارميل الأسبوعية. وكان من أهم إنجازات الجمعية القيام بتجميع آراء الحاخامات الواردة في التلمود وإصدارها باللغة العبرية عام 1871 ثم بالروسية عامي 1874 و1876. وكان الغرض من هذا العمل توفير مرجع للحاخامات لتحضير خطبهم بلغة البلاد، بالإضافة إلى تعريف الجمهور غير اليهودي بالقواعد والمبادئ الأساسية في التلمود. كما قامت الجمعية بترجمة العهد القديم إلى الروسية، وذلك أملاً في تحقيق النتائج الإيجابية التي حققتها هذه الخطوة في ألمانيا لحركة الاستنارة اليهودية.

وفي عام 1873، قامت الجمعية بإصدار ترجمة جديدة للتوراة، كما خصَّصت أموالاً كثيرة لترجمة كتب الصلوات اليهودية (سدور) وكتب صلوات الأعياد (محزور)، وكذلك لتأليف عدد من الكتب المدرسية بالروسية ولدعم المفكرين اليهود لإجراء بحوث حول ما يُسمَّى «التاريخ اليهودي»، كما خصَّصت الجمعية منحاً لمؤلفي الكتب باللغة العبرية في الرياضيات والفيزياء والطبيعة والكيمياء والجيولوجيا. وقامت الجمعية أيضاً بدعم الدوريات العبرية، وهي دوريات كانت مهتمة بشكل خاص بالعلوم الطبيعية وبالتاريخ والسير الذاتية اليهودية. وإلى جانب ذلك، ساهمت الجمعية في إصدار كتابين في الجغرافيا والتاريخ الروسي.

وكانت الجمعية،سواء بجناحها المؤيد للغة الروسية أو جناحها المؤيـد للغة العبرية،معـارضة للغة اليديشية باعتبار أنها تمثل مرحلة بائدة. ورغم ذلك، أظهرت الجمعية استعدادها لدعم مجلة أسبوعية يديشية باعتبار أن ذلك سيساعد على توصيل المعرفة والمعلومات إلى قطاع أوسع من الجماهير اليهودية. كما خصصت بعض الموارد المالية لإصدار كتب باليديشية حول التاريخ اليهودي والروسي، ولكنها تراجعت عن ذلك عقب الانتقادات التي وُجِّهت لهذه الخطوة في كلٍّ من الصحافة الروسية والصحافة الروسية ـ اليهودية.

أما بالنسبة للأنشطة التعليمية، فقد خصصت الجمعية جزءاً كبيراً من ميزانيتها لدعم ومساعدة الطلبة اليهود في مؤسسات التعليم العالي الروسية، وبخاصة في سانت بطرسبرج، حيث اعتبرهم دعاة التنوير أفضل المرشحين لقيادة الجماعة اليهودية. كما ساعدت الجمعية الطلبة على الدراسة في الجامعات والمعاهد الأجنبية، ولكن الحكومة الروسية منعت ذلك عام 1879 باعتبار أنه مخالف للوائح الجمعية. وفي أعقاب الإصلاحات التي طُبِّقت على شبكة المدارس اليهودية الحكومية والتي أدَّت إلى إغلاق كثير من هذه المدارس، قرَّرت الجمعية إقامة صندوق خاص لسد احتياجات المدارس الثانوية والابتدائية. كما اقترحت إدخال تعليم اللغة الروسية كمادة إجبارية في هذه المدارس، وإقامة قسم خاص للمواد العبرية، ودعم فصول الحرف الملحقة بالمدارس، والمساعدة في تأسيس معاهد للمعلمين داخل منطقة الاستيطان، والسماح بإلحاق عدد من الطلبة بهذه المدارس على نفقة الجمعية. كما شاركت الجمعية في تأسيس المكتبات العامة.

وزاد حجم العضوية في الجمعية من 175 عام 1864 إلى 287 عام 1873 ثم إلى 740 عام 1888. وكان المصدر الأساسي لتمويل الجمعية، وبخاصة في السنوات العشر الأولى، عائلتا جونزبورج وليو روزنتال. وخلال سنوات وجودها الـ 25 أنفقت 286 ألف روبل على الطلبة اليهود في المدارس العامة والتعليم العالي.

وشهدت التسعينيات من القرن التاسع عشر بعض التجديدات في الجمعية حيث انضم إليها عدد من الشباب المتعلم والمثقف الذي جاء بأفكار ومشاريع جديدة. فقامت الجمعية عام 1891 بتأسيس لجنة تاريخية للبحث في تاريخ الجماعة اليهودية في روسيا. وتحوَّلت هذه اللجنة عام 1908 إلى الجمعية التاريخية والإثنوغرافية اليهودية. وفي عام 1894، تأسست لجنة للتعليم الشعبي اهتمت بالمدارس اليهودية، خصوصاً تلك التي تضم مناهج عبرية. كما اهتمت بتدريب معلمي العبرية، فانعقد مؤتمر للمعلمين عام 1903 في روسيا البيضاء. وتم افتتاح فروع جديدة للجمعية في موسكو (1894) وريجا (1898) وكييف (1908). وفي عام 1900، وصل حجم العضوية إلى 3010 عضو. وفي عام 1906، تم تعديل قوانين الجمعية بحيث أصبح من حقها افتتاح المدارس والمكتبات وتنظيم المحاضرات والحلقات الدراسية لتدريب المعلمين، كما تقرَّر فتح فروع لها في المناطق التي تزيد العضوية فيها على 25 عضواً. وفي عام 1912، وصل عدد الفروع 30 فرعاً في كل أنحاء روسيا تضم 7000 عضو. كما كان للجمعية عام 1910 عشرة مدارس، إلى جانب 98 مدرسة تشرف عليها بشكل جزئي. وفي العام نفسه، بدأت الجمعية في إصدار جريدتها الخاصة التي تتناول قضايا التعليم والثقافة والمكتبات. وفي عام 1912، تأسست لجنة لدراسة كيفية إصلاح وتطوير المدارس اليهودية التقليدية مثل المدرسة الأولية الخاصة (الحيدر).

ونظراً لأن الجمعية كانت المؤسسة اليهودية الوحيدة المسموح لها بمزاولة الأنشطة التعليمية والثقافية، فقد انضم إليها في أوائل القرن العشرين عدد من الزعماء الصهاينة والمنادين بالقومية اليهودية مثل آحاد هعام وبياليك. وبعد فشل ثورة 1905، انضمت إلى هذه الجمعية عناصر من الأحزاب الاشتراكية اليهودية، ونتج عن ذلك وجود ثلاثة تيارات متصارعة داخل الجمعية: التيار المطالب بالاندماج والارتباط الوثيق بالثقافة الروسية، والتيار الصهيوني العبري، ثم التيار اليديشي الممثَّل في عناصر حزب البوند. وافتتحت الجمعية خلال الحرب العالمية الأولى 215 مدرسة تضم 130 ألفاً من الأطفال اليهود واللاجئين، وبعد ثورة فبراير الروسية اتَّجه الصهاينة لتأسيس اتحادهم التعليمي والثقافي الخاص تحت اسم «تاربوت»، كما أقام مؤيدو اليديشية جمعية خاصة بهم. وبعد الثورة البلشفية، تمت تصفية جميع أفرع الجمعية في الأقاليم وإغلاق مدارسها وإنهاء أنشطتها التعليمية. وظل المركز الرئيسي في بتروجراد يعمل، ثم تم حل الجمعية بشكل نهائي عام 1930 وألحقت مكتبتها التي ضمت 50 ألف كتاب و1000 مخطوطة إلى معهد الثقافة اليهودية البروليتارية في كييف.




يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق