544
موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية
للدكتور عبد الوهاب المسيري
المجلد الثانى: الجماعات اليهودية.. إشكاليات
الجزء الرابع: عداء الأغيار الأزلي لليهود واليهودية
الباب الخامس: بعض إشكاليات الإبادة النازية ليهود أوربا
احتــــــــكار الإبـــــــــادة
Monopolizing the Holocaust
يحاول الصهاينة احتكار دور الضحية لليهود وحدهم دون غيرهم من الجماعات أو الأقليات أو الشعوب، بحيث تُصوَّر الإبادة النازية باعتبارها جريمة موجهة ضد اليهود وحدهم. ولهذا يرفض الصهاينة والمدافعون عن الموقف الصهيوني أية محاولة لرؤية الإبادة النازية باعتبارها تعبيراً عن نمط تاريخي عام يتجاوز الحالة النازية والحالة اليهودية. كما يرفض الصهاينة تماماً محاولة مقارنة ما حدث لليهود على يد النازيين بما حدث للغجر أو البولنديين على سبيل المثال، أو بما حدث لسكان أمريكا الأصليين على يد الإنسان الأبيض أو ما يحدث للفلسطينيين على أيديهم.
وتثبت الدراسات التاريخية أن الإبادة النازية لم تكن موجهة ضد اليهود وحسب، فعدد ضحايا الحرب العـالمية الثانية من جميع الشعوب الأوربية يبلغ ما بين خمسة وثلاثين وخمسين مليوناً. وأظهر معرض لحكومة بولندا كان يطوف أمريكا عام 1986 أن أكبر معسكرات الاعتقال هو أوشفيتس وأن التركيز النازي كان أساساً على البولنديين والاشتراكيين واليهود والغجر (بهذا الترتيب) لتفريغ بولندا جزئياً وتوطين الألمان فيها.
وتوحي الأدبيات الصهيونية بأن العالم كله تجاهل اليهود وتركهم يلاقون حتفهم ومصيرهم وحدهم. ولكن من الواضح أن المسألة أكثر تركيباً من ذلك بكثير. فصحيح أن بعض الشعوب ساعدت النازيين، كما حدث في النمسا، ولكن البعض الآخر ساعد اليهود وآواهم كما حدث في بلغاريا (خصوصاً بين أعضاء الجماعة الإسلامية) وفي الدنمارك وفنلندا ورومانيا وإيطاليا وهولندا. وفي فرنسا، تم تسليم خمسة وسبعين ألف يهودي للقوات النازية، ولكن تمت، في الوقت نفسه،حماية أضعاف هذا العدد. كما رفض السلطان محمد الخامس تطبيق القوانين النازية على يهود المغرب رغم مطالبة حكومة فيشي الفرنسية بذلك.ولا يمكن أيضاً تجاهل جهود الحكومة السوفيتية في نقل مئات الآلاف من اليهود بعيداً عن المناطق التي احتلها النازيون (رغم تحالفها في بداية الأمر مع هتلر). وتتجاهل التواريخ الصهيونية كل هذا، تماماً مثلما تتجاهل العلاقة الفكرية والفعلية بين النازية والصهيونية والزعامات الصهيونية التي تعاونت مع النازيين.
ولكن هناك من يتحدى هذا الاحتكار الصهيوني للإبادة، وقد بدأت الكنيسة الكاثوليكية المواجهة حين قامت بتنصيب الأخت تريزا بنديكتا قديسةً. والأخت تريزا هي إيديث شتاين سكرتيرة الفيلسوف الألماني مارتن هايدجر، وكانت يهودية. وعندما قرأت قصة حياة القديسة تريزا شعرت بإحساس ديني غامر وتنصرت وتكثلكت ثم ترهبنت، وقام النازيون باعتقالها وقتلها. ويُصر الصهاينة على أن سبب قتلها هو كونها يهودية بينما ترى الكنيسة أنها راهبة كاثوليكية استُشهدت من أجل عقيدتها. والحادثة الثانية هي الخاصة بدير الراهبات الكرمليات في أوشفيتس، الذي طالب اليهود بإزالته وتمسكت المؤسسة الكاثوليكية في بولندا بالإبقاء عليه. وقد قامت معركة إعلامية ساخنة بين الطرفين. وكتب باتريك بيوكانان (الصحفي والمرشح الجمهوري في انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 1996) ما نتصور أنه خير احتجاج على هذا الموقف في مقال بعنوان «الكاثوليك ليـسوا بحاجة إلى محاضرات في الأخلاق من سـفاح عصابة شـتيرن السـابق» جـاء فيه:
"وفي متحف المذبحة النازية، هناك ثلاثة ملايين يهودي بولندي سيظلون في الذاكرة، ولكن ماذا عن ثلاثة ملايين تقريباً من الأوكرانيين والصرب والليتوانيين والمجريين واللاتفيين والإستونيين، نُحروا في ساحات القتل على أيدي الوثنيين العنصريين في برلين وعلى أيدي الملحدين المتعاونين معهم في موسكو؟ وما الذي يتطلبه الأمر حتى يكون المرء ضحية من الدرجة الأولى؟
فــإذا كـانت ذكــرى الضبـاط اليهــود الذيـن ماتــوا إلى جـانب إخــوانهم الكاثوليك في كاتين قد خُلدت بنجمة داود، فلمـاذا لا يتم تخليد ذكرى المليون كاثوليكي الذين أفنُوا في أوشفيتس بصليب؟ وإذا كان التذكار حيوياً، فلماذا يُستثنى المسيحيون؟".
ونحن، بطبيعة الحال، نرى أن الإبادة لم تكن موجهة ضد اليهود وحسب، وإنما ضد سائر العناصر التي اعتُبرت، من منظور النازية، غير نافعة، خصوصاً وأنه لو انتصرت قوات روميل في العلمين لامتدت آلة الفتك النازية إلى أعراق يعتبرها النازيون متدنية (مثل العرب). ومن ثم، فإن احتكار الصهاينة واقعة الإبادة ليس له ما يبرره في الواقع التاريخي.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق