بغداد.. والغزوات عبر التاريخ
لم يكن الغزْوُ الأمريكيُّ في القرن الواحدِ والعشرينَ شيئًا جديدًا على بغداد، التي كانت عبَرْ التاريخ ومحطَّاتِه المختلفةِ مَحَطَّ أنظار الطامعين والغاصبين مِن كل حَدَبٍ وصَوْب.
عاثوا فيها فسادًا وخرابًا، وسرقوا من خيرها الذي سال مِن أجْله لُعابُهم، فعملوا ما عملوا ببغداد.
ولعلَّ الكثيرَ منا يتصور أن بغداد تم احتلالها عدَّةَ مرَّاتٍ لا تكاد تتجاوز أصابع اليد، ولكنَّ التاريخ يؤكِّد أنَّ هذه المدينة العريقة تعرَّضت للاحتلال والتدمير ما يقارب الثلاثينَ مرَّةً، عبْرَ مراحل التاريخ المختلفة، قُبَيل أن تصل إلى الاحتلال الأمريكي الأخير، الذي لا يقِلُّ وحشِيَّةً عما تعرَّضت له، إن لم يكن قد فاقهم جميعًا.
وأوائل تلك الاحتلالات كان تحكُّمَ البويهيِّين بالعراق؛ حيث أبقَوا الخليفة العباسيَّ في مكانه، وجرَّدوه من سلطانه، ولم يتركوا له إلا الاسم، وحقَّه في الأمور الدينية، وإقرارِ المساجد التي تقام بها صلاة الجمعة، وقد كانت الأوضاع السياسية في بغداد أيامَ البويهيِّين سيِّئةً، وكذلك الأوضاع الاقتصادية.
ثم جاء التدخُّل السلجوقيُّ بقيادة (طفر ليك) عام 446هـ، وتعرَّض سُكَّان العراق بسبب الاضطرابات السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلى انتشار الأوبئة والمجاعات.
ثم احتُلَّ العراقُ مِن قِبَل هولاكو، ودخل بغداد في (5 صفر 656هـ / 1258م)، وفتَكُوا بأهلها نساءً ورجالاً، وأُحرقت الأسواق والمدينة، وتحوَّلت إلى خراب، وكان القَتْلى في الشوارع والأسواق كالتلال، ولم يبالوا بحرمة الناس، لا يَردَعُهم دين أو مبدأ.
واستباح المدينةَ التي سقط فيها مليون وثمانمائةِ قتيلٍ - لمدَّة أربعين يومًا، ولم يَخرج هولاكو من بغداد إلا بعد أن "ثَقُل الهواءُ فيها بما حَمَل مِن كَرِيهِ رائحةِ الجَيِف المنتفخة، وأَشْلاء القتلى المطروحة في شوارع المدينة"، كما ذَكَرَت كتبُ التاريخ.
بعد خمس وثلاثين سنةً فقط عاد حفيد هولاكو "تيمورلنك" إلى بغداد، فدخل المدينة وقتَل عشراتِ الألوف من السكان، وعذَّب الأحياء في شوارع المدينة؛ لانتزاع الأموال منهم.
وبعد عام واحد من احتلال تيمورلنك لبغداد، ضرب السلطان أحمد حصارًا حول المدينة، ودخَلَها عَنْوَةً، وارتُكبت مجازرُ في شوارع بغداد راح ضحيتها هذه المرَّةَ جنودُ تيمورلنك.
عاد تيمورلنك إلى بغداد، فحاصرها أربعين يومًا، وبعد قصْفٍ شبْهِ يومِيٍّ بالمجانيق والنار، دخلت قوات تيمورلنك المدينة، وهذه المرَّةَ أمر تيمورلنك بإبادة سكان المدينة عن بَكْرة أبيها.
فأُقيمت في بغداد عدةُ أبراج من رؤوس القتلى بعد هدم وتدمير منازل المدينة وجوامعها، واضطُرَّ تيمورلنك إلى مغادرة بغداد بسبب رائحة الجيف، وفساد الهواء مِن تفسُّخ جثث مئات الآلاف من القتلى.
أعاد العراقيون بناء مدينتهم من جديد؛ ولكن بعد سبعَ عشَرةَ سنةً فقط سقطت بغدادُ للمرة الرابعة بعد أن حاصرَتْها جيوش "قرة يوسف" التي قادها ابنه "محمد شاه"، الذي أسَّس في بغداد دولة "الخروف الأسود التركمانية"، وقام التركمان بقتل جميع سكان بغداد من العرب.
اندلعت أزمةٌ بين أولاد "قرة يوسف"، وهما محمد الذي احتل بغداد وحكَمَها ثلاثةً وعشرين عامًا، وبين أخيه "اسبان" الذي حاصر المدينة عدة أسابيع، تمكن بعدها من دخول بغداد، فذبح جميع القوات الموالية لأخيه، ونفَّذ حكم الإعدام به.
بعد أقلَّ مِن تسع سنوات سقطت بغداد للمرة السادسة في تاريخها، حين حاصرها السلطان "جهان شاه" مدة ستة أشهر كاملة، أكَلَ خلالَها سكانُ بغداد القططَ والكلابَ والجيف، وقام السلطان بتدمير المدينة وتخريبها وتحريقها قبل أن يعيِّن ابنه "بيربوداق" والِيًا عليها.
بعد أشهر قليلة، أعلن "بيربوداق" الانفصال عن أبيه السلطان "جهان شاه" حاكم تبريز، فغضب الأب، وهدَّد بالانتقام من ابنه، فتوجه بجيش جرار إلى بغداد، وحاصرها لمدة سنة كاملة أكل خلالها الناسُ بعضُهم بعضًا من الجوع، لتسقط بغداد للمرة السابعة في تاريخها.
وقام السلطان بقطْع رؤوس جميع الذكور في المدينة، وإعدم ابنه "بيربوداق" بعد تعذيبه، وعيَّن على المدينة الوالي "محمدًا الطواشي".
بعد سنوات قليلة حُوصرت بغداد للمرة الثامنة من قِبَل جيوش تَتْبَع مقصودَ بنَ حسن الطويل، الذي كان يمثِّل قبائلَ تركمانيةً عُرِفت باسم "دولة الخروف الأبيض".
السقوط التاسع لبغداد: تَمَّ على يد إسماعيل الصفوي، الذي ذبح جميع سكان بغداد، وهدم قبور الأئمة، وذبح علماء المسلمين، ولم يترك بغداد إلا بعد أن عيَّن خادِمَه خليفةً عليها، وأَطلق عليه لقب "خليفة الخلفاء" للسخرية من المسلمين.
أما الدخول العاشر لبغداد فتم على يد (ذو الفقار بن علي) وهو كردي، وقد تمكن هذا القائد - بمعاونة اثنين من إخوته - من تصفية النفوذ الصفوي في بغداد، فقتل جميع الأسرى، وبعث إلى العثمانيين يطلب منهم العون لتثبيت حكمه في بغداد؛ خوفًا من عودة النفوذ الصفوي إلى المدينة والذي كانت تدعمه الدولة الفارسية.
غضب شاه إيران "الشاه طهماسب" من سقوط بغداد في يد الأكراد حلفاء خصومه العثمانيين، فتوجه الشاه على رأس جيش جرار إلى بغداد، ورغم أنه حاصرها عدة أسابيع، إلا أنه لم يتمكن من دخولها إلا بعد أن اتفق مع الأخ الأكبر للوالي الكردي "ذو الفقار"، حيث قام الأخ بفتح أبواب بغداد ليلاً للجيش الإيراني، الذي ارتكب مجازِرَ في المدينة، ولم يغادرها إلا بعد تعيين الأخ الذي غدر بأخيه واليًا على بغداد، وأطلق عليه لقب "سلطان علي ذو الفقار كش"؛ أي: "قاتل ذي الفقار"، وكان هذا هو السقوطَ الحاديَ عشر لبغداد.
كان العراق - ولا زال - مطمعًا للقوى الخارجية الطامعة، وكان الطمع الفارسي عبر التاريخ واضحًا، فشهدت بغداد في الفترة ما بين (1512 – 1520)م ميدانًا للصراع والاحتلال من قبل الفرس الإيرانيين، فسقطت بغداد على يد شاه عباس عام (1623)م بعد أن استمر الحصار عليها نحو ثلاثة أشهر، ولاقى الأهالي الكوارثَ والجوعَ الذي اضطرهم إلى أكل لحوم الكلاب.
حوصرت بغداد بعد ذلك من قبل الانكشاريين والإنجليز والعثمانيين والصَّفَويين، إلى أن وصل إليها الحُكْم الملَكي في بداية القرن العشرين.
وفي القرن الواحد والعشرين جاء الاحتلال الأمريكي عبر القارَّات؛ ليكمل سلسة المجازر والاحتلال، التي تعرَّضت لها بغدادُ الرشيدِ.
لم يكن الغزْوُ الأمريكيُّ في القرن الواحدِ والعشرينَ شيئًا جديدًا على بغداد، التي كانت عبَرْ التاريخ ومحطَّاتِه المختلفةِ مَحَطَّ أنظار الطامعين والغاصبين مِن كل حَدَبٍ وصَوْب.
عاثوا فيها فسادًا وخرابًا، وسرقوا من خيرها الذي سال مِن أجْله لُعابُهم، فعملوا ما عملوا ببغداد.
ولعلَّ الكثيرَ منا يتصور أن بغداد تم احتلالها عدَّةَ مرَّاتٍ لا تكاد تتجاوز أصابع اليد، ولكنَّ التاريخ يؤكِّد أنَّ هذه المدينة العريقة تعرَّضت للاحتلال والتدمير ما يقارب الثلاثينَ مرَّةً، عبْرَ مراحل التاريخ المختلفة، قُبَيل أن تصل إلى الاحتلال الأمريكي الأخير، الذي لا يقِلُّ وحشِيَّةً عما تعرَّضت له، إن لم يكن قد فاقهم جميعًا.
وأوائل تلك الاحتلالات كان تحكُّمَ البويهيِّين بالعراق؛ حيث أبقَوا الخليفة العباسيَّ في مكانه، وجرَّدوه من سلطانه، ولم يتركوا له إلا الاسم، وحقَّه في الأمور الدينية، وإقرارِ المساجد التي تقام بها صلاة الجمعة، وقد كانت الأوضاع السياسية في بغداد أيامَ البويهيِّين سيِّئةً، وكذلك الأوضاع الاقتصادية.
ثم جاء التدخُّل السلجوقيُّ بقيادة (طفر ليك) عام 446هـ، وتعرَّض سُكَّان العراق بسبب الاضطرابات السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلى انتشار الأوبئة والمجاعات.
ثم احتُلَّ العراقُ مِن قِبَل هولاكو، ودخل بغداد في (5 صفر 656هـ / 1258م)، وفتَكُوا بأهلها نساءً ورجالاً، وأُحرقت الأسواق والمدينة، وتحوَّلت إلى خراب، وكان القَتْلى في الشوارع والأسواق كالتلال، ولم يبالوا بحرمة الناس، لا يَردَعُهم دين أو مبدأ.
واستباح المدينةَ التي سقط فيها مليون وثمانمائةِ قتيلٍ - لمدَّة أربعين يومًا، ولم يَخرج هولاكو من بغداد إلا بعد أن "ثَقُل الهواءُ فيها بما حَمَل مِن كَرِيهِ رائحةِ الجَيِف المنتفخة، وأَشْلاء القتلى المطروحة في شوارع المدينة"، كما ذَكَرَت كتبُ التاريخ.
بعد خمس وثلاثين سنةً فقط عاد حفيد هولاكو "تيمورلنك" إلى بغداد، فدخل المدينة وقتَل عشراتِ الألوف من السكان، وعذَّب الأحياء في شوارع المدينة؛ لانتزاع الأموال منهم.
وبعد عام واحد من احتلال تيمورلنك لبغداد، ضرب السلطان أحمد حصارًا حول المدينة، ودخَلَها عَنْوَةً، وارتُكبت مجازرُ في شوارع بغداد راح ضحيتها هذه المرَّةَ جنودُ تيمورلنك.
عاد تيمورلنك إلى بغداد، فحاصرها أربعين يومًا، وبعد قصْفٍ شبْهِ يومِيٍّ بالمجانيق والنار، دخلت قوات تيمورلنك المدينة، وهذه المرَّةَ أمر تيمورلنك بإبادة سكان المدينة عن بَكْرة أبيها.
فأُقيمت في بغداد عدةُ أبراج من رؤوس القتلى بعد هدم وتدمير منازل المدينة وجوامعها، واضطُرَّ تيمورلنك إلى مغادرة بغداد بسبب رائحة الجيف، وفساد الهواء مِن تفسُّخ جثث مئات الآلاف من القتلى.
أعاد العراقيون بناء مدينتهم من جديد؛ ولكن بعد سبعَ عشَرةَ سنةً فقط سقطت بغدادُ للمرة الرابعة بعد أن حاصرَتْها جيوش "قرة يوسف" التي قادها ابنه "محمد شاه"، الذي أسَّس في بغداد دولة "الخروف الأسود التركمانية"، وقام التركمان بقتل جميع سكان بغداد من العرب.
اندلعت أزمةٌ بين أولاد "قرة يوسف"، وهما محمد الذي احتل بغداد وحكَمَها ثلاثةً وعشرين عامًا، وبين أخيه "اسبان" الذي حاصر المدينة عدة أسابيع، تمكن بعدها من دخول بغداد، فذبح جميع القوات الموالية لأخيه، ونفَّذ حكم الإعدام به.
بعد أقلَّ مِن تسع سنوات سقطت بغداد للمرة السادسة في تاريخها، حين حاصرها السلطان "جهان شاه" مدة ستة أشهر كاملة، أكَلَ خلالَها سكانُ بغداد القططَ والكلابَ والجيف، وقام السلطان بتدمير المدينة وتخريبها وتحريقها قبل أن يعيِّن ابنه "بيربوداق" والِيًا عليها.
بعد أشهر قليلة، أعلن "بيربوداق" الانفصال عن أبيه السلطان "جهان شاه" حاكم تبريز، فغضب الأب، وهدَّد بالانتقام من ابنه، فتوجه بجيش جرار إلى بغداد، وحاصرها لمدة سنة كاملة أكل خلالها الناسُ بعضُهم بعضًا من الجوع، لتسقط بغداد للمرة السابعة في تاريخها.
وقام السلطان بقطْع رؤوس جميع الذكور في المدينة، وإعدم ابنه "بيربوداق" بعد تعذيبه، وعيَّن على المدينة الوالي "محمدًا الطواشي".
بعد سنوات قليلة حُوصرت بغداد للمرة الثامنة من قِبَل جيوش تَتْبَع مقصودَ بنَ حسن الطويل، الذي كان يمثِّل قبائلَ تركمانيةً عُرِفت باسم "دولة الخروف الأبيض".
السقوط التاسع لبغداد: تَمَّ على يد إسماعيل الصفوي، الذي ذبح جميع سكان بغداد، وهدم قبور الأئمة، وذبح علماء المسلمين، ولم يترك بغداد إلا بعد أن عيَّن خادِمَه خليفةً عليها، وأَطلق عليه لقب "خليفة الخلفاء" للسخرية من المسلمين.
أما الدخول العاشر لبغداد فتم على يد (ذو الفقار بن علي) وهو كردي، وقد تمكن هذا القائد - بمعاونة اثنين من إخوته - من تصفية النفوذ الصفوي في بغداد، فقتل جميع الأسرى، وبعث إلى العثمانيين يطلب منهم العون لتثبيت حكمه في بغداد؛ خوفًا من عودة النفوذ الصفوي إلى المدينة والذي كانت تدعمه الدولة الفارسية.
غضب شاه إيران "الشاه طهماسب" من سقوط بغداد في يد الأكراد حلفاء خصومه العثمانيين، فتوجه الشاه على رأس جيش جرار إلى بغداد، ورغم أنه حاصرها عدة أسابيع، إلا أنه لم يتمكن من دخولها إلا بعد أن اتفق مع الأخ الأكبر للوالي الكردي "ذو الفقار"، حيث قام الأخ بفتح أبواب بغداد ليلاً للجيش الإيراني، الذي ارتكب مجازِرَ في المدينة، ولم يغادرها إلا بعد تعيين الأخ الذي غدر بأخيه واليًا على بغداد، وأطلق عليه لقب "سلطان علي ذو الفقار كش"؛ أي: "قاتل ذي الفقار"، وكان هذا هو السقوطَ الحاديَ عشر لبغداد.
كان العراق - ولا زال - مطمعًا للقوى الخارجية الطامعة، وكان الطمع الفارسي عبر التاريخ واضحًا، فشهدت بغداد في الفترة ما بين (1512 – 1520)م ميدانًا للصراع والاحتلال من قبل الفرس الإيرانيين، فسقطت بغداد على يد شاه عباس عام (1623)م بعد أن استمر الحصار عليها نحو ثلاثة أشهر، ولاقى الأهالي الكوارثَ والجوعَ الذي اضطرهم إلى أكل لحوم الكلاب.
حوصرت بغداد بعد ذلك من قبل الانكشاريين والإنجليز والعثمانيين والصَّفَويين، إلى أن وصل إليها الحُكْم الملَكي في بداية القرن العشرين.
وفي القرن الواحد والعشرين جاء الاحتلال الأمريكي عبر القارَّات؛ ليكمل سلسة المجازر والاحتلال، التي تعرَّضت لها بغدادُ الرشيدِ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق