8
الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء الخامس
ذكر إرسال أبي عبد الله الشيعيّ إلى المغرب
كان أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن محمّد بن زكريّاء الشيعيُّ من أهل صنعاء وقد سار إلى ابن حوشب النجّار وصحبه بعدن وصار من كبار أصحابه وكان له علم وفهم ودهاء ومكر فلمّا أتى خبر وفاة الحلوانيّ وأبي سفيان إلى ابن حوشب قال لأبي عبد الله الشيعيّ: إنّ أرض كُتامة من المغرب قد حرثها الحلوانيُّ وأبو سفيان وقد ماتا وليس لها غيرك فبادِرْ فإنّها موطَّأة ممهّدة لك.
فخرج أبو عبدالله إلى مكّة وأعطاه ابن حوشب مالًا وسيّر معه عبد الله بن أبي ملاحف فلمّا قدم أبو عبدالله مكّة سأل عن حُجّاج كُتامة فأُرشد إليهم فاجتمع به ولم يعرّفهم قصده وجلس قريبًا منهم فسمعهم يتحدّثون بفضائل أهل البيت فأظهر استحسان ذلك وحدثهم بما لم يُعلموه فلمّا أراد القيام سألوه أن يأذن لهم في زيارته والأنبساط معه فأذن لهم في ذلك فسألوه أين مقصده فقال: أُريد مصر ففرحوا بصحبته.
وكان من رؤساء الكُتاميّين بمكّة رجل اسمه حُرَيْث الجُميليُّ وآخر اسمه موسى بن مكاد فرحلوا وهو لا يخبرهم بغرضه وأظهر لهم العبادة والزهد فازدادوا فيه رغبةً وخدموه وكان يسألهم عن بلادهم وأحوالهم وقبائلهم وعن طاعتهم لسلطان إفريقية فقالوا: ما له علينا طاعة وبيننا وبينه عشرة أيّام.
قال: أفتحملون السلاح قالوا: هو شغلنا ولم يزل يتعرّف أحوالهم حتّى وصلوا إلى مصر فلمّا أراد وداعهم قالوا له: أيّ شيء تطلب بمصر قال: أطلب التعليم بها قالوا: إذا كنتَ تقصد هذا فبلادنا أنفع لك ونحن أعرف بحقّك ولم يزالوا به حتّى أجابهم إلى المسير معهم بعد الخضوع والسؤال فسار معهم.
فلمّا قاربوا بلادهم لقيهم رجال من الشيعة فأخبروهم بخبره فرغبوا في نزوله عندهم واقترعوا فيمن يضيفه منهم ثم رحلوا حتّى وصلوا إلى أرض كُتامة منتصف شهر ربيع الأوّل سنة ثمانين ومائتين فسأله قوم منهم أن ينزل عندهم حتّى يقاتلوا دونه فقال لهم: أين يكون فجّ الأخيار فتعجّبوا من ذلك ولم يكونوا ذكروه له فقالوا له: عند بني سليان.
فقال: إليه نقصد ثمّ نأتي كلّ قوم منكم في ديارهم ونزورهم في بيوتهم فأرضى بذلك الجميع.
وسار إلى جبل يقال له إنْكِجان وفيه فجّ الأخيار فقال: هذا فجّ الأخيار وما سُمّي إلاّ بكم ولقد جاء في الآثار: إنّ للمهديّ هِجرة تنبو عن الأوطان ينصره فيها الأخيار من أهل ذلك الزمان قوم مشتقٌ اسمهم من الكِتمان فإنّهم كُتامة وبخروجكم من هذا الفجّ يسمّى فجّ الأخيار.
فتسامعتِ القبائل وصنع من الحيل والمَكِيدات والنارنجيات ما أذهل عقولهم وأتاه البربر من كلّ مكان وعظم أمره إلى أن تقاتلتْ كُتامة عليه مع قبائل البربر وسلم من القتل مرارًا وهو في كلّ ذلك لا يذكر اسم المهديّ فاجتمع أهل العلم على مناظرته وقتله فلم يتركه الكُتاميّون يناظرهم وكان اسمه عندهم أبا عبدالله المشرقيّ.
وبلغ خبره إلى إبراهيم بن أحمد بن الأغلب أمير إفريقية فأرسل إلى عامله على مدينة ميْلَةَ يسأله عن أمره فصغّره وذكر له أنّه يلبس الخشن ويأمر بالخير والعبادة فسكت عنه.
ثمّ إنّه قال للكُتاميّين.
أنا صاحب البدر الذي ذكر لكم أبو سفيان والحلوانيُّ فازدادت محبّتهم له وتعظيمهم لأمره وتفرّقت كلمة البربر وكُتامة بسببه فأراد بعضهم قتله فاختفى ووقع بينهم قتال شديد واتّصل الخبر بإنسان اسمه الحسن بنهارون وهو من أكابر كُتامة فأخذ أبا عبدالله إليهن ودافع عنه ومضيا إلى مدينة ناصرون فأتته القبائل من كلّ مكان وعظم شأنه وصارت الرئاسة للحسن بن هارون وسلّم إليه أبو عبدالله أعنّة الخيل وظهر من الاستتار وشهر الحروب فكان الظفر له فيها وغنم الأموال وانتقل إلى مدينة ناصرون وخندق عليها فزحفت قبائل البربر إليها واقتتلوا ثمّ اصطلحوا ثمّ أعادوا القتال وكان بينهم وقائع كثيرة وظفر بهم وصارت إليه أموالهم فاستقام له أمر البربر وعامّة كُتامة.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق