148
الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السادس
ذكر فاسد حال الدزبري بالشام وما صار الأمر إليه بالبلاد
في هذه السنة فسد أمر أنوشتكين الدزبري نائب المستنصر بالله صاحب مصر بالشام وقد كان كبيرًا على مخدومه بما يراه من تعظم الملوك له وهيبة الروم منه.
وكان الوزير أبو القاسم الجرجرائي يقصده ويحسده إلا أنه لا يجد طريقًا إلى الوقيعة فيه ثم اتفق أنه سعي بكاتب للدزبري اسمه أبو سعد وقيل عنه إنه يستميل صاحبه إلى غير جهة المصريين فكوتب الدزبري بإبعاده فلم يفعل واستوحشوا منه ووضع الجرجرائي حاجب الدزبري وغيره على مخالفته.
ثم إن جماعة من الأجناد قصدوا مصر وشكوا إلى الجرجرائي منه فعرفهم سوء رأيه فيه وأعادهم إلى دمشق وأمرهم بإفساد الجند عليه ففعلوا ذلك.
وأحس الدزبري بما يجري فأظهر ما في نفسه وأحضر نائب الجرجرائي عنده وأمر بإهانته وضربه ثم إنه أطلق لطائفة من العسكر يلزمون خدمته أرزاقهم ومنع الباقين فحرك ما في نفوسهم وقوى طمعهم فيه بما كوتبوا به من مصر فأظهروا الشغب عليه وقصدوا قصره وهو بظاهر البلد وتبعهم من العامة من يريد النهب فاقتتلوا فعلم الدزبري ضعفه وعجزه عنهم ففارق مكانه واستصحب أربعين غلامًا له وما أمكنه من الدواب والأثاث والأموال ونهب الباقي وسار إلى بعلبك فمنعه مستحفظها وأخذ ما أمكنه أخذه من مال الدزبري وتبعه طائفة من الجند يقفون أثره وينهبون ما يقدرون عليه.
وسار إلى مدينة حماة فمنع عنها وقوتل وكاتب المقلد الكناني الكفرطابي واستدعاه فأجابه وحضر عنده في نحو ألفي رجل من كفرطاب وغيرها فاحتمى به وسار إلى حلب ودخلها وأقام بها مدة وتوفي في منتصف جماى الأولى من هذه السنة.
فلما توفي فسد أمر بلاد الشام وانتشرت الأمور بها وزال النظام وطمعت العرب وخرجوا في نواحيه فخرج حسان بن المفرج الطائي بفلسطين وخرج معز الدولة بن صالح الكلابي بحلب وقصدها وحصرها وملك المدينة وامتنع أصحاب الدزبري بالقلعة وكتبوا إلى مصر يطلبون النجدة فلم يفعلوا واشتغل عساكر دمشق ومقدمهم الحسين بن أحمد الذي ولي أمر دمشق بعد الدزبري بحرب حسان ووقع الموت في الذين في القلعة فسلموها إلى معز الدولة بالأمان.
في هذه السنة سير الملك أبو كاليجار من فارس عسكرًا في البحر إلى عمان وكان قد عصى من بها فوصل العسكر إلى صحار مدينة عمان فملكوها واستعادوا الخارجين عن الطاعة واستقرت الأمور بها وعادت العساكر إلى فارس.
وفيها قصد أبو نصر بن الهيثم الصليق من البطائح فملكها ونهبها ثم استقر أمرها على مال يؤديه إلى جلال الدولة.
وفيها توفي أبو منصور بهرام بن مافنة وهو الملقب بالعادل وزير الملك أبي كاليجار ومولده سنة ست وستين وثلاثمائة وكان حسن السيرة وبنى دار الكتب بفيروزاباذ وجعل فيها سبعة آلاف مجلد فلما مات وزر بعده مهذب الدولة أبو منصور هبة الله بن أحمد الفسوي.
وفيها وصل جماعة من البلغار إلى بغداد يريدون الحج فأقيم لهم من الديوان الإقامات الوافرة فسئل بعضهم: من أي الأمم هم البلغار فقال: هم قوم تولدوا بين الترك والصقالبة وبلدهم في أقصى الترك وكانوا كفارًا فأسلموا عن قريب وهم على مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه.
وفيها توفي ميخائيل ملك الروم وملك بعده ابن أخيه ميخائيل أيضًا.
وفيها في جمادى الآخرة توفي أبو الحسن محمد بن جعفر الجهرمي الشاعر وهو القائل: يا ويح قلبي من تقلبه أبدًا يحن إلى معذبه بأبي حبيبًا غير مكترث عني ويكثر من تعتبه حسبي رضاه من الحياة وما قلقي وموتي من تغضبه وكان بينه وبين المطرز مهاجاة.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق