7
الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء الخامس
ذكر ابتداء دولتهم وبالغ
وأنا أذكر معنى ما قاله مع البراءة من عهدة طعنه في نسبه وما عداه فقد أحسن فيما ذكر قال: لّما بعث الله تعالى سيّد الأوّلين والآخرين محمّدًا صلى الله عليه وسلم عظم ذلك على إليهود والنصارى والروم والفرس وقريش وسائر العرب لأنّه سفَّه أحلامهم وعاب أديانهم وآلهتهم وفرَّق جمعهم فاجتمعوا يدًا واحدةً عليه فكفاه الله كيدهم ونصره عليهم فأسلم منهم مَن هداه الله تعالى فلمّا قُبض صلى الله عليه وسلم نجم النفاق وارتدّت العرب وظنّوا أنّ الصحابة يضعفون بعده فجاهد أبو بكر رضي الله عنه في سبيل الله فقتل مُسَيْلمة وردّ الرِّدّة وأذلّ الكفر ووطّأ جزيرة العرب وغزا فارس والروم فلمّا حضرتْه الوفاة ظنّوا أن بوفاته ينتقص الإسلام فاستخلف عمر بن الخطّاب فأذلّ فارس والروم وغلب على ممالكها فدسّ عليه المنافقون أبا لؤلؤة فقتله ظنًّا منهم أن بقتله ينطفئ نور الإسلام فوليَ بعده عثمان فزاد في الفتوح واتّسعت مملكة الإسلام فلمّا قُتل ووليَ بعده أمير المؤمنين عليٌّ قام بالأمر أحسن قيام فلمّا يئس أعداء الإسلام من استئصاله بالقوّة أخذوا في وضع الأحاديث الكاذبة وتشكيك ضعفة العقول في دينهم بأمور قد ضبطها المحدّثون وأفسدوا الصحيح بالتأويل والطعن عليه.
فكان أوّل من فعل ذلك أبو الخطّاب محمّج بن أبي زينب مولى بني أسد وأبو شاكر ميمون بن ديصان صاحب كتاب الميزان في نصرة الزندقة وغيرهما فألقوا إلى من وثقوا به أنّ لكلّ شيء من العبادات باطنًا وأنّ الله تعالى لم يوجب على أوليائه ومن عرف الأئمّة والأبواب صلاة ولا زكاة ولا غير ذلك ولا حرّم عليهم شيئًا وأباحوا لهم نكاح الأمّهات والأخوات وإنّما هذه قيود للعامّة ساقطة عن الخاصّة.
وكانوا يظهرون التشيّع لآل النبيّ صلى الله عليه وسلم ليستروا أمرهم ويستميلوا العامّة وتفرّق أصحابهم في البلاد وأظهروا الزهد والعبادة يغرّون الناس بذلك وهم على خلافه فقُتل أبو الخطّاب وجماعة من أصحابه بالكوفة وكان أصحابه قالوا له: إنّا نخاف الجند فقال لهم: إنّ أسلحتهم لا تعمل فيكم فلمّا ابتدأوا في ضرب أعناقهم قال له أصحابه: ألم تقُلْ إنّ سيوفهم لا تعمل فينا فقال: إذا كان قد أراد اللهُ فما حيلتي وتفرّقت هذه الطائفة في البلاد وتعلّموا الشعبذة والنارنجيات والزرق والنجوم والكيمياء فهم يحتالون على كل قوم بما يتّفق عليهم وعلى العامّة بإظهار الزهد.
ونشأ لأبن ديصان ابن يقال له عبدالله القدّاح علّمه الحيل وأطلعه على أسرار هذه النِّحلة فحذق وتقدّم.
وكان بنواحي كرْخ وأصبهان رجل يُعرف بمحمّد بن الحسين ويلقّب بدندان يتولّى تلك المواضع وله نيابة عَظيمة وكان يبغض العرب ويجمع مساويهم فسار إليه القدّاح وعرّفه من ذلك ما زاد به محلّه وأشار عليه أن لا يُظهر ما في نفسه إنّما يكتمه ويُظهر التشيّع والطعن على الصحابة فإنّ الطعن فيهم طعن في الشريعة فإنّ بطريقهم وصلتَ إلى من بعدهم.
فاستحسن قوله وأعطاه مالًا عظيمًا ينفقه على الدُّعاة إلى هذا المذهب فسيّره إلى كُوَر الأهواز والبصرة والكوفة وطالقان وخُراسان وسلميّة من أرض حِمص وفرّقه في دعاته وتوفّي القدّاح ودندان.
وإنّما لُقّب القدّاح لأنّه كان يعالج العيون ويقدحها.
فلمّا توفّي القدّاح قام بعده ابنه أحمد مقامه وصحبه إنسان يقال له رستم بن الحسين ابن حوشب بن داذان النجّار من أهل الكوفة فكانا يقصدان المشاهد وكان باليمن رجل اسمه محمّد بن الفضل كثير المال والعشيرة من أهل الجَنَد يتشيّع فجاء إلى مشهد الحسين بن عليّ يزوره فرآه أحمد ورستم يبكي كثيرًا فلمّا خرج اجتمع به أحمد وطمع فيه لما رأى من بكائه وألقى إليه مذهبه فقبله وسيّر معه النّجّار إلى اليمن وأمره بلزوم العبادة والزهد ودعوة الناس إلى المهديّ وأنّه خارج في هذا الزمان باليمن فسار النّجار إلى اليمن ونزل بعدن بقرب قوم من الشيعة يُعرفون ببني موسى وأخذ في بيع ما معه.
وأتاه بنو موسى وقالوا له: فِيمَ جئتَ قال: للتجارة.
قالوا: لستَ بتاجر وإنّما أنت رسول المهديّ وقد بلغنا خبرُك ونحن بنو موسى ولعلّك قد سمعتَ بنا فانبسطْ ولا تحتشم فإنّا إخوانك.
فأظهر أمره وقوّي عزائمهم وقرب أمر المهديّ فأمرهم بالاستكثار من الخيل والسلاح وأخبرهم أنّ هذا أوان ظهور المهديّ ومن عندهم يظهر.
واتّصلت أخباره بالشيعة الذين بالعراق فساروا إليه فكثر جمعهم وعظم بأسهم وأغاروا على من جاورهم وسبوا وجبوا الأموال وأرسل إلى مَن بالكوفة من ولد عبدالله القدّاح هدايا عظيمة وكانوا أنفذوا إلى المغرب رجلينْ أحدهما يُعرف بالحلوانيّ والآخر يعرف بأبي سفيان
وقالوا لهما: إنّ المغرب أرض بور فاذهبا فاحرثا حتى يجيء صاحب البدر فسارا فنزل أحدهما بأرض كُتامة ببلد يسمّى مَرْمجَنّة والآخر بسوق حمار فمالت قلوب أهل تلك النواحي إليهما وحملوا إليهما الأموال والتحف فأقاما سنين كثيرة وماتا وكان أحدهما قريب الوفاة من الآخر.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق