139
الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السادس
ذكر قبض السلطان مسعود
قد ذكرنا عود مسعود بن محمود بن سبكتكين إلى غزنة من خراسان فوصلها في شوال سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة وقبض على سباشي وغيره من الأمراء كما ذكرناه وأثبت غيرهم وسير ولده مودودًا إلى خراسان في جيش كثيف ليمنع السلجوقية عنها فسار مودود إلى بلخ ليرد عنها داود أخا طغرلبك وجعل أبوه مسعود مع وزيره أبا نصر أحمد بن محمد بن عبد الصمد يدبر الأمور وكان مسيرهم من غزنة في ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين.
وسار مسعود بعدهم بسبعة أيام يريد بلاد الهند ليشتوا بها على عادة والده فلما سار أخذ معه أخاه محمدًا مسمولًا واستصحب الخزائن وكان عازمًا على الاستنجاد بالهند على قتال السلجوقية ثقة بعهودهم.
فلما عبر سيحون وهو نهر كبير نحو دجلة وعبر بعض الخزائن اجتمع أنوشتكين البلخي وجمع من الغلمان الدارية ونهبوا ما تخلف من الخزانة وأقاموا أخاه محمدًا ثالث عشر ربيع الآخر وسلموا عليه بالإمارة فامتنع من قبول ذلك فتهددوه وأكرهوه فأجاب وبقي مسعود فيمن معه من العسكر وحفظ نفسه فالتقى الجمعان منتصف ربيع الآخر فاقتتلوا وعظم الخطب على الطائفتين ثم انهزم عسكر مسعود وتحصن هو في رباط ماريكلة فحصره أخوه فامتنع عليه فقالت له أمه: إن مكانك لا يعصمك ولأن تخرج إليهم بعهد خير من أن يأخوك قهرًا.
فخرج إليهم فقبضوا عليه فقال له أخوه محمد: والله لا قابلتك على فعلك بي ولا عاملتك إلا بالجميل فانظر أين تريد أن تقيم حتى أحملك إليه ومعك أولادك وحرمك.
فاختار قلعة كيكي فأنفذه إليها محفوظًا وأمر بإكرامه وصيانته.
وأرسل مسعود إلى أخيه يطلب منه مالًا ينفقه فأنفذ له خمسمائة درهم فبكى مسعود وقال: كان بالأمس حكمي على ثلاثة آلاف حمل من الخزائن واليوم لا أملك الدرهم الفرد فأعطاه الرسول من ماله ألف دينار فقبلها وكانت سبب سعادة الرسول لأنه لما ملك مودود بن مسعود بالغ في الإحسان إليه.
ثم إن محمدًا فوض أمر دولته إلى ولده أحمد وكان فيه خبط وهوج فاتفق هو وابن عمه يوسف بن سبكتكين وابن علي خويشاوند على قتل مسعود ليصفو الملك له ولوالده فدخل إلى أبيه فطلب خاتمه ليختم به بعض الخزائن فأعطاه فسار به إلى القلعة وأعطوا الخاتم لمستحفظها وقالوا: معنا رسالة إلى مسعود فأدخلهم إليه فقتلوه فلما علم محمد بذلك ساءه وشق عليه وأنكره.
وقيل إن مسعودًا لما حبس دخل عليه ولدا أخيه محمد واسم أحدهما عبد الرحمن والآخر عبد الرحيم فمد عبد الرحمن يده فأخذ القلنسوة من رأس عمه مسعود فمد عبد الرحيم يده وأخذ القلنسوة من أخيه وأنكر عليه ذلك وسبه وقبلها وتركها على رأس عمه فنجا بذلك ثم إن محمدًا أغراه ولده أحمد بقتل عمه مسعود فأمر بذلك وأرسل إليه من قتله وألقاه في بئر وسد رأسها وقيل بلى ألقي في بئر حيًا وسد رأسها فمات والله أعلم.
فلما مات كتب محمد إلى ابن أخيه مودود وهو بخراسان يقول: إن والدك قتل قصاصًا قتله أولاد أحمد ينالتكين بلا رضا مني فأجاب مودود يقول: أطال الله بقاء الأمير العم ورزق ولده المعتوه أحمد عقلًا يعيش به فقد ركب أمرًا عظيمًا وأقدم على إراقة دم ملك مثل والدي الذي لقبه أمير المؤمنين سيد الملوك والسلاطين وستعلمون في أي حتف تورطتم وأي شر تأبطتم «وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون» «الشعراء: 227» .
نفلق هامًا من رجال أعزة علينا وهم كانوا أعق وأظلما وطمع جند محمد فيه وزالت عنهم هيبته فمدوا أيديهم إلى أموال الرعايا فنهبوها فخربت البلاد وجلا أهلها لاسيما مدينة برشاوور فإنها هلك أهلها ونهبت أموالهم وكان المملوك بها يباع بدينار وتباع الخمر كل منا بدينار ثم رحل محمد عنها لليلتين بقيتا من رجب وكان ما نذكره إن شاء الله تعالى.
وكان السلطان مسعود شجاعًا كريمًا ذا فضائل كثيرة محبًا للعلماء كثير الإحسان إليهم والتقرب لهم صنفوا له التصانيف الكثيرة في فنون العلوم وكان كثير الصدقة والإحسان إلى أهل الحاجة تصدق مرة في شهر رمضان بألف ألف درهم وأكثر الإدرارات والصلاة وعمر كثيرًا من المساجد في ممالكه وكانت صنائعه ظاهرة مشهورة تسير بها الركبان مع عفة عن أموال رعاياه وأجاز الشعراء بجوائز عظيمة أعطى شامرًا على قصيدته ألف دينار وأعطى آخر بكل بيت ألف درهم وكان يكتب خطًا حسنًا وكان ملكه عظيمًا فسيحًا ملك أصبهان والري وهمذان وما يليها من البلاد وملك طبرستان وجرجان وخراسان وخوارزم وبلاد الروان وكرمان وسجستان والسند والرخج وغزنة وبلاد الغور والهند وملك كثيرًا منها وأطاعه أهل البر والبحر ومناقبه كثيرة وقد صنفت فيها التصانيف المشهورة فلا حاجة إلى الإطالة بذكرها.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق