169
الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء الثالث
ذكر خروج شوذب الخارجي
في هذه السنة خرج شوذب واسمه بسطام من بني يشكر في جوخى وكان في ثمانين رجلًا فكتب عمر بن عبد العزيز إلى عبد الحميد عاملة بالكوفة أن لا يحركهم حتى سفكوا دماء وفسدوا في الأرض فإن فعلوا وجه إليهم رجلًا صليبًا حازمًا في جند.
فبعث عبد الحميد محمد بن جرير بن عبد الله البجلي في ألفين وأمره بما كتب به عمر وكتب عمر إلى بسطام يسأله عن مخرجه فقدم كتاب عمر عليه وقد وقدم عليه محمد بن جرير فقام بإزائه لا يترحك.
فكان في كتاب عمر: بلغني أنك خرجت غضبًا لله ولرسوله ولست أولى بذلك مني فهلم إلي أناظرك فإن كان الحق بأيدينا دخلت فيما دخل الناس وإن كان في يدك نظرنا في أمرك.
فكتب بسطام إلى عمر: قد أنصفت وقد بعثت إليك رجلين يدارسانك ويناظرنك.
وأرسل إلى عمر مولى لبني شيبان حبشيًا اسمه عاصم ورجلًا من بني يشكر فقدما على عمر بخناصرة فدخلا إليه فقال لهما: ما أخرجكما هذا المخرج وما الذي نقمتم فقال عاصم: ما نقمنا سيرتك إنك لتتحرى العدل والإحسان فاخبرنا عن قيامك بهذا الأمر أعن رضًا من الناس ومشورة أم ابتززتم أمرهم فقال عمر: ما سألتهم الولاية عليهم ولا غلبتهم عليها وعهد إلي رجل كان قبلي فقمت ولم ينكره على أحد ولم يكرهه غيركم وأنتم ترون الرضا بكل من عدل وأنصف من كان من الناس فاتركوني ذلك الرجل فإن خالفت الحق ورغبت عنه فلا طاعة لي عليكم.
قالا: بيننا وبينك أمر واحد قال: ما هو.
قالا: رأيناك خالفت أعمال أهل بيتك وسميتها مظالم فإن كنت على هدىً وهم على الضلالة فالعنهم وأبرأ منهم.
فقال عمر: قد علمت أنكم لم تخرجوا طلبًا للدنيا ولكنكم أردتم الآخرة فأخطأتم طريقها وإن الله عز وجل لم يبعث رسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعانًا وقال إبراهيم «فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم» «إبراهيم: 36» .
وقال الله عز وجل: «أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده» «الأنعام: 90» .
وقد سميت أعمالهم ظلمًا وكفى بذلك ذمًا ونقصًا وليس لعن أهل الذنوب فريضة لا بد منها فإن قلتم إنها فريضة فأخبرني متى لعنت فرعون قال: ما أذكر متى لعنته.
قال: أفيسعك أن لا تلعن فرعون وهو أخبث الخلق وشرهم ولا يسعني أن لا ألعن أهل بيتي وهم مصلون صائمون! قال: أما هم كفار بظلمهم قال: لا لأن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ دعا الناس إلى الإيمان فكان من أقر به وبشرائعه قبل منه فإن أحدث حدثًا أقيم عليه الحد.
فقال الخارجي: إن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ دعا الناس إلى توحيد الله والإقرار بما نزل من عنده.
قال عمر: فليس أحد منهم يقول لا أعمل بسنة رسول الله ولكن القوم أسرفوا على أنفسهم على علم منهم أنه محرم عليهم ولكن غلب عليهم الشقاء.
قال عاصم: فابرأ مما خالف عملك ورد أحكامهم.
قال عمر: أخبراني عن أبي بكر وعمر أليسا على حق قالا: بلى.
قال: أتعلمان أن أبا بكر حين قاتل أهل الردة سفك دماءهم وسبى الذراري وأخذ الأموال قالا: بلى.
قال: أتعلمان أن عمر رد السبايا بعده إلى عشائرهم بفدية قالا: نعم.
قال: فهل برئ عمر من أبي بكر قالا: لا.
قال: أفتراون أنتم من واحد منهما قالا: لا.
قال: فأخبراني عن أهل النهروان وهم أسلافكم هل تعلمان أن أهل الكوفة خرجوا فلم يسفكوا دمًا ولم يأخذوا مالًا وأن من خرج إليهم من أهل البصرة قتلوا عبد الله بن خباب وجاريته وهي حامل قالا: نعم.
قال: فهل برئ من لم يقتل ممن قتل واستعرض قالا: لا.
قال: أفتبرأون أنتم من أحد من الطائفتين قالا: لا.
قال: أفيسعكم أن تتلوا أبابكر وعمر وأهل البصرة وأهل الكوفة وقد علمتم اختلاف أهمالهم ولا يسعني إلا البراءة من أهل بيتي والدين واحد! فاتقوا الله! فإنكم جهال تقبلون من الناس ما رد عليهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتردون عليهم ما قبل ويأمن عندكم من خاف عنده ويخاف عندكم من أمن عنده فإنكم يخاف عندكم من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله وكان من فعل ذلك عند رسول الله آمنا وحقن دمه وماله وأنتم تقتلونه ويامن عندكم سائر أهل الأديان فتحرمون دماءهم وأموالهم.
قال اليشكري: أرأيت رجلًا ولي قومًا وأموالهم فعدل فيها ثم صيرها بعده إلى رجل غير مأمون أتراه أدى الحق الذي يلزمه لله عز وجل أو تراه قد سلم قال: لا.
قال: أفتسلم هذا الأمر إلى يزيد من بعدك وأنت تعرف أنه لا يقوم فيه بالحق قال: إنما ولاه غيري والمسلمون أولى بما يكون منهم فيه بعدي.
قال: أفترى ذلك من صنع من ولاه حقًا فبكى عرم وقال: أنظراني ثلاثًا.
فخرجا من عنده ثم عاد إليه فقال عاصم: أشهد أنك على حق.
فقال عمر لليسكري: ما تقول أنت قال: ما أحسن ما وصفت ولكني لا أفتات على المسلمين بأمر أعرض عليهم ما قلت وأعلم ما حجتهم.
فأما عاصم فأقام عند عمر فأمر له عمر بالعطاء فتوفي بعد خمسة عشر يومًا.
فكان عم بن عبد العزيز يقول: أهلكني أمر يزيد وخصمت فيه فأستغفر الله.
فخاف بنو أمية أن يخرج ما بأيديهم من الأموال وأن يخلع يزيد ولاية العهد فوضعوا على عمر من سقاه سمًا فلم يلبث بعد ذلك إلا ثلاثًا حتى مرض ومات ومحمد بن جرير مقابل الخوارج لا يتعرض إليهم ولا يتعرضون إليه كل منهم ينتظر عود الرسل من عند عمر بن عبد العزيز فتوفي والأمر على ذلك.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق