إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 3 يونيو 2016

5 الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء الخامس ذكر ولاية أبي مضر إفريقية وهربه إلى العراق وما كان من أمره


5

الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء الخامس

ذكر ولاية أبي مضر إفريقية وهربه إلى العراق وما كان من أمره

في هذه السنة مستهلّ شهر رمضان وليّ أبو مُضر زيادة الله بن أبي العبّاس بن عبدالله إفريقية بعد قتل أبيه فعكف على اللذّات والشهوات وملازمة الندماء والمضحكين وأهمل أمور المملكة وأحوال الرعيّة وأرسل كتابًا يوم وُلّي إلى عمّه الأحول على لسان أبيه يستعجله في القدوم عليه ويحثّه على السُّرعة فسار مجدًّا ولم يعلم بقتل أبي العبّاس فلمّا وصل قتله وقتل مَن قدر عليه من أعمامه وإخوته‏.‏

واشتدّت شوكة أبي عبدالله الشيعيّ في أيّامه وقوي أمرُه وكان الأحوال قبالته فلمّا قُتل صفتْ له البلاد ودانت له الأمصار والعباد فسيّر إليه زيادة الله جيشًا مع إبراهيم بن أبي الأغلب وهو من بني عمّه بلغت عدّتهم أربعين ألفًا سوى من انضاف إليه فهزمه أبو عبدالله الشيعيُّ على ما

ذكرناه آنفًا فلمّا اتّصل بزيادة الله خبر الهزيمة علم أنّه لا مقام له لأن هذا الجمع هو آخر ما انتهت قدرته إليه فجمع ما عزّ عليه من أهل ومال وغير ذلك وعزم على الهرب إلى بلاد الشرق وأظهر للناس أنّه قد جاءه خبرُ هزيمة أبي عبدالله الشيعيّ وأمر بإخراج رجال من الحبس فقتلهم وأعلم خاصّته حقيقة الحال وأمرهم بالخروج معه‏.‏

فأشار عليه بعض أهل دولته بأن لا يفعل ولا يترك ملكه‏.‏

قال له‏:‏ إنّ أبا عبدالله لا يجسر عليك فشتمه وردّ عليه رأيه وقال‏:‏ أحبّ الأشياء إليك أن يأخذني بيدي‏.‏

وانصرف كلّ واحد من خاصّته وأهله يتجهّز للمسير معه وأخذ ما أمكنه حمله‏.‏

وكانت دولة آل الأغلب بإفريقية قد طالت مدّتها وكثرت عبيدها وقوي سلطانها وسار عن إفريقية إلى مصر في سنة ستّ وتسعين ومائتين واجتمع معه خلق عظيم فلم يزل سائرًا حتّى وصل طرابلس فدخلها فأقام بها تسعة عشر يومًا ورأى بها أبا العبّاس أخا أبي عبدالله الشيعيّ وكان محبوسًا بالقيروان حبسه زيادة الله فهرب إلى طرابلس فلمّا رآه أحضره وقرّره‏:‏ هل هو أخو أبي عبدالله فأنكر وقال‏:‏ أنا رجل تاجر قيل عنّي إنّني أخو أبي عبدالله فحبستَني‏.‏

فقال له زيادة الله‏:‏ أنا أطلقك فإن كنت صادقًا في أنّك تاجر فلا نأثم فيك وإنّ كنتَ كاذبًا وأنت أخو أبي عبدالله فليكن للصنيعة عندك موضع وتحفظنا فيمن خلّفناه‏.‏ وأطلقه‏.‏

وكان من كبار أهله وأصحابه إبراهيم بن أبي الأغلب فأراد قتله وقتل رجل آخر كانا قد عرضا أنفسهما على ولاية القيروان فعلما ذلك وهربا إلى مصر وقدما على العامل بها وهو عيسى النُّوشريُّ فتحدّثا معه وسعيا بزيادة الله وقالا له‏:‏ إنّه يُمنيّ نفسه بولاية مصر فوقع ذلك في نفسه وأراد منعه عن دخول مصر إلاّ بأمر الخليفة من بغداد فوصل زيادة الله ليلًا وعبر الجسر إلى الجيزة قهرًا فلمّا رأى ذلك النُّوشريُّ لم يمكنه منعه فأنزله بدار ابن الجصّاص ونزل أصحابه في مواضع كثيرة فأقام ثمانية أيّام ورحل يريد بغداد فهرب عنه بعض أصحابه وفيهم غلام له وأخذ منه مائة ألف دينار فأقام عند النُّوشريِّ فأسرل النُّوشريُّ إلى الخليفة وهو المقتدر بالله يعرّفه حال زيادة الله وحال من تخلّف بمصر فأمره بردّ من تخلّف عنه إليه مع المال ففعل‏.‏

وسار زيادة الله حتّى بلغ الرَّقّة وكتب إلى الوزير وهو ابن الفرات يسأله في الإذن له لدخول بغداد فأمره بالتوقّف فبقي على ذلك سنة فتفرّق عنه أصحابه وهو مع هذا مُدمن الخمر واستماع الملاهي وسُعي به إلى المقتدر وقيل له يُرَدّ إلى المغرب يطلب بثأره فكتب إليه بذلك وكتب إلى النوشري بإنجاده بالرجال والعُدد والأموال من مصر ليعود إلى المغرب فعاد إلى مصر فأمره النُّوشريُّ بالخروج إلى ذات الحمّام ليكون هناك إلى أن يجتمع إليه ما يحتاج إليه من الرجال

والمال ففعل ومطله فطال مُقامه وتتابعت به الأمراض وقيل بل سمّه بعض غلمانه فسقط شعر لحيته فعاد إلى مصر وقصد البيت المقدّس فتوفّي بالرملة ودُفن بها‏.‏

فسبحان الحيّ الذي لا يموت ولا يزول ملكه ولم يبق بالمغرب من بني الأغلب أحد وكانت مدّة ملكهم مائة سنة واثنتي عشرة سنة وكانوا يقولون‏:‏ إنّنا نخرج إلى مصر والشام ونربط خيلنا في زيتون فلسطين فكان زيادة الله هو الخارج إلى فلسطين على هذه الحال لا على ما ظّنوه‏.‏


يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق