3375
تاريخ ابن خلدون ( ابن خلدون )
من تاريخ العلامة ابن خلدون
القسم السابع
المجلد السابع
من صفحة 337 إلى 502
الخبر عن إمارة علي بن بدر الدين علي الغزاة بالاندلس ومصاير أمره:
قد ذكرنا أن موسى بن رحو بن عبد الله بن عبد الحق، كان أجاز إلى الأندلس مع
محمد وعامر إبني إدريس بن عبد الحق وقومهم، أولاد سوط النساء، سنة تسع وستين وسبعمائة. ثم رجع إلى المغرب وفر إلى تلمسان وأجاز منها إلى الأندلس. وولي إمارة الغزاة بها إلى أن هلك، بعد أن أصهر إليه السلطان يوسف بن يعقوب في إبنته، فعقد له عليها وزفها إليه سنة تسع وسبعين وسبعمائة مع وفد من قومهم. وكان لموسى بن رحو من الولد جماعة: أكبرهم المحمدان جمال الدين وبدر الدين، وضع عليهما هذين اللقبين على طريقة أهل المشرق الشريف المكي، الوافد على المغرب لذلك العهد من شرفاء مكة. وكان هؤلاء الاعياص ملوكهم وأقيالهم يعظمون أهل البيت النبوقي ويلتمسون الدعاء والبركة منهم فيما تيسر من أحوالهم، فحمل موسى بن رحو ولدية هذين إلى الشريف عند وضعهما يحنكهما ويدعو لهما، فقال له الشريف: خذ إليك جمال الدين. وقال في الآخر خذ إليك بدر الدين، فاستحب موسى دعاءهما بهذين اللقبين تبركاً بتسمية الشريف بهما، فاشتهرا بهذين الإسمين. ولما بلغا الأشد وشاركا أباهما في حمل الرياسة وكان من مهلكه ما ذكرناه، وانحرفت الغزاة عنهما إلى عمهما عبد الحق وابنه: فلحق جمال الدين منهما بالطاغية سنة ثلاث ، ثم أجاز البحر من قرطاجنة إلى السلطان يوسف بن يعقوب من معسكره من حصار تلمسان واستقر في جملته، حتى إذا هلك السلطان وتصدى ابنه أبو سالم للقيام بالأمر وكان مغلباً مضعفاً فلم يتم أمره، وتناول الملك أبو ثابت حافد السلطان واستولى عليه. وفر أبو سالم عشي مهلكه ومعه من القرابة جمال الدين هذا وأعمامه العباس وعيسى وعلي بنو رحو بن عبد الله، فتقبض عليهم في طريقهم بمديونة وسيقوا إلى السلطان أبي ثابت، فقتل عمه أبا سالم وجمال الدين بن موسى بن رحو وامتن على الباقين واستحياهم. وانصرف العباس بعدها إلى الأندلس، فكانت له في الجهاد آثار كما ذكرناه قبل. وأما بدر الدين، فلم يزل بالأندلس مع قومه. ومحله من الرياسة والتجلة
محله من النسب، إلى أن هلك، فقام بالأمر من بعده ابنه علي بن بدر الدين مزاحماً في الرياسة مباهياً لهم بالترشيح. وكان كثيراً ما يعقد له ملوك بني الأحمر على الغزاة من زناتة المرابطين بالثغور فيما بعد عن الحضرة من قواعد الأندلس: مثل مالقة والمرية ووادي آش، سبيل المرشحين من أهل بيته، وكانت إمارة الغزاة بالأندلس مستأثرة بأمر السيف والحرب، مقاسمة للسلطان أكثر الجباية في الأعطية والأرزاق بما كانت الحاجة إليهم في مدافعة العدو ومقارعة ملك الأندلس، فكانوا يغضون لهم عن استطالتهم عليهم لمكان حاجتهم إلى دفاع العدوين، حتى إذا سكن ريح الطاغية، بما كان من شغله بفتنة أهل دينه منذ منتصف هذه المائة، وشغل بني مرين أيضاً بعد مهلك السلطان أبي الحسن وتناسوا عهد الغلب على أقتالهم وجيرانهم. وتنوسي عهد ذلك أجمع، فاعتزم صاحب الأندلس على محو هذه الخطة من دولته. وأغراه بذلك وزيره ابن الخطيب كما ذكرناه حرصاً على خلاء الجولة، فتقبض على يحيى بن عمر وعلى بنيه سنة أربع وستين وسبعمائة كما ذكرناه. وعقد على الغزاة المجاهدين لابنه ولي عهده الأمير يوسف. ومحا رسم الخطة ببني مرين بالجملة، إلى أن توهم فناء الحامية منهم بفناء بيوت العصبية الكبرى، فراجع رأيه في ذلك. وكان علي بن بدر الدين خالصة له وكان مقدماًصصص على الغزاة بوادي آش. ولما لحق السلطان به ناجياً ليلة مهلك رضوان، مانع دونه وظاهره على أمره، حتى إذا ارتحل إلى المغرب إرتحل معه. ونزلوا جميعاً على السلطان أبي سالم سنة إحدى وستين وسبعمائة كما ذكرناه. ولما رجع إلى الأندلس رجع في جملته، فكان له بذلك عهد وذمة رعاهما السلطان له وكان يستخلصه ويناجيه. فلما تفقد مكان الأمير على الغزاة ونظر فيمن يوليه، عثر اختياره على هذا لسابقته ووسائله وما بلاه من نصحه ووقوفه عند حذه، فعقد له سنة سبع وستين وسبعمائة على الغزاة كما كان أولوه، فقام بها واضطلع بأمورها. واستمرت حاله إلى لأن هلك سنة ثمان وستين وسبعمائة. ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق