3373
تاريخ ابن خلدون ( ابن خلدون )
من تاريخ العلامة ابن خلدون
القسم السابع
المجلد السابع
من صفحة 337 إلى 502
الخبر عن يحيي بن رحو وامارته علي الغزاة بالأندلس أولي وثانية ومبدأ ذلك و تصاريفه:
كان رحو بن عبد الله كبير ولد عبد الله بن عبد الحق، وكان له بنون كثيرون تشعب نسله فيهم: منهم موسى وعبد الحق والعباس وعمر ومحمد وعلي ويوسف. وأجازوا
كلهم إلى الأندلس مع أولاد سوط النساء من تلمسان كما قدمناه. وأقام عمر بعدهم بتلمسان مدة واتخذ بها الأهل والولد. ثم لحقهم وولى موسى إمارة الغزاة بعد إبراهيم ابن عيسى الوسنافي وبعده أخوه عبد الحق على الغزاة، أقام بها مدة وأجاز منها إلى سبتة مع الرئيس أبي سعيد وعثمان بن أبي العلاء سنة خمس وسبعمائة وولي بها على الغزاة المجاهدين. ثم رجع إلى الأندلس ولم يلبث بعدها أن أجاز إلى المغرب. ونزل على السلطان أبي سعيد، فأكرم نزله، ثم رجع إلى الأندلس. ولما ولي إمارة الغزإة عثمان بن أبي العلاء، وكان بينهم من المنافسة ما يكون بين فحول الشول، فأشخص بني رحو جميعاً إلى أفريقية، فنزلوا على مولانا السلطان أبي يحيى خير نزل، اصطفاهم واستخلصهم واستظهر بهم في حروبه: وهلك عمر بن رحو ببلاد الجريد، وقبره ببشرى من نفزاوة معروف ونزع ابنه يحيى من بين إخوته عن مولانا السلطان أبي يحمى وصار في جملة ابن أبي عمران، ثم لحق بزواوة وأقام في بني يراتن سنين، ثم أجاز إلى الأندلس واستقر بمكانه من قومه. واصطفاه عثمان بن أبي العلاء وأصهر إليه في ابنته. ولما فسد ما بينه وبين ابن المحروق وزير السلطان بغرناطة سنة سبع وعشرين وسبعمائة واعصوصب عليه الغزاة بمعسكر من مرج غرناطة، فدس يومئذ ابن المحروق إلى يحيى بن عمر هذا ودعاه إلى مكان عثمان ليغيظه بذلك فأجاب، ونزع عن عثمان وقومه إلى ابن المحروق وسلطانه. وعقد له على الغزاة، فتسايلوا إليه من عثمان شيخهم، وانصرف إلى المدية وكان من شأنه ما قصصناه في أخباره. وأقام يحيى بن عمر في رياسته إلى أن هلك ابن المحروق بفتكة سلطانه. واستدعى عثمان بن أبي العلاء للرياسة، فرجع إليها.
وصرف يحيى بن عمر إلى وادي آش، وعقد له على الغزاة بها فأقام حيناً، ثم رجع
إلى مكانه بين قومه. واصطفاه عثمان بن أبي العلاء وابنه أبو ثابت، بما كانت أمه بنت موسى بن رحو، فكان بتعصب لخؤلته فيهم. ثم هلك عثمان وكان ما قدمناه من شأن ولده وفتكهم بالسلطان المخلوع. وتقبض أخوه أبو الحجاج عليهم وأشخصهم إلى أفريقية وقوض مباني رياستهم. وعقد على الغزاة مكانهم ليحمى بن عمر هذا، فاضطلع بها أحسن اضطلاع. واستمرت حاله وحضر مشاهد أبي الحجاج مع السلطان أبي الحسن، فظهرت كفايته وغناؤه. ولما هلك أبو الحجاج سنة خمس وخمسين وسبعمائة، طعيناً بمصلى العيد، في آخر سجدة من صلاته، بيد عبد من عبيد أصطبله مصاب في عقله، أغري زعموا به، وقتل لحينه صبرا بالسيوف. وبوسع لابنه محمد، أخذ له البيعة على الناس يومئذ مولاه رضوان من معلوجيهم، حاجب أبيه وعمه. وقام بأمره واستبد عليه وحجره، فقاسم يحيى بن عمر ست عمر هذا في شأنه وشاركه في أمره وشد أزر سلطانه به، حتى إذا ثار بالحمراء الرئيس ابن عمهم محمد بن إسمعيل بن محمد بن الرئيس أبي سعيد قائماً بدعوة إسمعيل بن أبي الحجاج أخي السلطان محمد كان ساكناً بالحمراء. وتحينوا لذلك مغيب السلطان في متنزهه بروضة خارج الحمراء، فخالفوه إليها وكبسوها ليلاً، فقتلوا الحاجب المستبد رضوان. وجلس السلطان على سرير ملكه ونادوا بالناس إلى بيعته. ولما أصبح غدا عليهم يحيى بن عمر بعد أن يئسوا منه وخشوا عاديته، فأتاهم بيعته وأعطاهم عليها صفقته وانصرف إلى منزله. وبعد أيام من استيلائهم استخلصوا إدريس بن عثمان بن أبي العلاء، كان وصل إليهم من دار الحرب بأرض برشلونة كم نذكر. وولوه إمارة الغزاة وائتمروا في التقبض على يحيى بن عمر. ونذر بذلك، فركب في حاشيته يؤم دار الحرب من أرض الجلالقة. واتبعه إدريس فيمن إليه من قومه، فقاتلهم صدر نهاره وفض جموعهم. ثم خلص إلى تخوم النصرانية ولحق منها بسدة ملك المغرب على أثر سلطانه محمد المخلوع بن أبي الحجاج، وخلف إبنه أبا سعيد عثمان بدار الحرب. ونزل يومئذ على السلطان أبي سالم سنة إحدى وستين وسبعمائة، فأكرم مثواه وأحله من مجلسه محل الشورى والمؤامرة. واستقر في جملته، إلى أن بعث ملك قشتالة في السلطان المخلوع، بإشارة إبنه أبي سعيد وسعايته في ذلك، ليجلب به على أهل الأندلس بما نقضوا من عهده. وجهزه السلطان أبو سالم سنة ثلاث وستين وسبعمائة، فصحبه
يحيى بن عمر هذا. ولقيهم ابنه أبو سعيد عثمان وقاموا بأمر سلطانهم واستولى على الأندلس بمظاهرتهم، وكان لهم في ذلك آثار. ولما استولى على غرناطة سنة ثلاث وستين وسبعمائة، عقد ليحيى بن عمر على إمارة الغزاة كما كان وأعلى يده. واستخلص عثمان لشوراه وخلطه ببطانته. ونافسه الوزير يومئذ محمد بن الخطيب، فسعى فيهم. وأغرى السلطان بهم، فتقبض عليهم سنة أربع وستين وسبعمائة وأودعهم المطبق. ثم أشخص يحيى سنة ست وستين وسبعمائة إلى المشرق وركب السفين من المرية، فنزل بالإسكندرية. ورجع منها إلى المغرب، ونزل على عمر بن عبد الله أيام استب راده واستقر به في كرامة وخير مقامة. ولم يزل بالمغرب على أعز أحوال، إلى أن هلك سنة إثنتين وثمانين وسبعمائة. ثم أشخص ابنه أبا سعيد عثمان من الاعتقال سنة سبع وستين وسبعمائة إلى أفريقية فنزل ببجاية على مولانا السلطان أبي العباس حافد مولانا السلطان أبي يحيى واستقر في جملته. وحضر معهم فتح تونس وأبلى فيه. وأقطع له السلطان وأسنى له الجراية وخلطه بنفسه واصطفاه لشوراه وأخلته، وهو لهذا العهد من عظماء مجلسه وظهرائه في مقامات حروبه، وإخوته بالأندلس على مراكز عزهم وفي ظلال عصبيتهم مع قومهم، وقد ذهب مواجد السلطان بالأندلس عليهم وصار إلى جميل رأيه فيهم. والله مالك الملك ومقلب القلوب لا رب غيره.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق