3368
تاريخ ابن خلدون ( ابن خلدون )
من تاريخ العلامة ابن خلدون
القسم السابع
المجلد السابع
من صفحة 337 إلى 502
الغزاة المجاهدون بالأندلس
الخبر عن القرابة المرشحين من آل عبد الحق الامراء علي الغزاة المجاهدين بالاندلس، الذين قاسموا ابن الاحمر في ملكه وانفردوا برياسة جهاده:
كانت الجزيرة الأندلسية من وراء البحر منذ انقضاء أمر بني عبد المؤمن وقيام ابن الأحمر بأمرها، قليلة الحامية، ضعيفة الأحوال، إلا من يلهمه الله إلى عمل الجهاد من قبائل زناتة المؤملين كرة الملك والمقتسمين ممالك الغرب، خصوصاً بني مرين أهل المغرب الأقصى، لاتصال عدوة الأندلس ببسائطه وتعدد الفراض ببحر الزقاق القريب العدوتين. وما زال هذا الزقاق على قديم الزمان لأجل ذلك فرضة دون سواحل المغرب. (ولما استولى) بنو مرين على ممالكه وضاقت أحوال المسلمين بالأندلس. وبمخنقهم الطاغية حتى ألجأهم إلى سيف البحر واستأثر بالفرنتيرة وما وراءها. واستأثر بنو القمط أهل برشلونة وقطلونية بشرق الأندلس. وانتشر في الأقطار ما كان من أمر قرطبة واختيها إشبيلية وبلنسية. وامتعض لذلك المسلمون وتنافسوا في الجهاد وإمداد الأندلس بأموالهم وأنفسهم وسابق الناس إلى ذلك الأمير أبو زكريا بن أبي حفص بما كان صاحب الوقت والمؤمل للكرة، فاستنقذ الكثير من أمواله ومقرباته في أمدادهم، بعد أن كانوا آثروا القيام بدعوته، وأوفدوا عليه المشيخة ببيعته. وكان ليعقوب بن عبد الحق أمل في الجهاد وحرص عليه. واعتزم في سلطان أخيه أبي يحيى على الإجارة، فمنعه ضنانة به على الاغتراب منه. وأوعز إلى صاحب سبتة يومئذ أبي علي بن خلاص بمنعه منها، فوعر له السبيل وشبه عليه المذاهب.
ولم ينشب يعقوب بن عبد الحق، أن قام بسلطان المغرب، بعد أخيه أبي يحيى وشغل بشأنه. وأهمه شأن بني أخيه إدريس بن عبد الحق، بما كان فيهم من الترشيح والمنافسة لبنيه. واستأذنه عامر بن ادريس منهم في الجهاد بالعداوة، فاغتنمها منه وعقد له من مطوعة زناتة على ثلاثة آلاف أو يزيدون. وأجاز معه رخو ابن عمه عبد الله بن عبد الحق. وفصلوا إلى الأندلس سنة إحدى وستين وسبعمائة، فحسنت
آثارهم في الجهاد وكرمت مقاماتهم. تم رجع عامر بن إدريس إلى المغرب وكثر انتقاض القرابة. ونافسهم أقيال زناتة في مثلها، فاجتمع أبناء الملوك بالمغرب الأوسط مثل عبد الملك بن يغمراسن ابن زيان وعايد بن منديل بن عبد الرحمن وزيان بن محمد بن عبد القوي فتعاقدوا على الإجازة إلى الجهاد، فأجازوا فيمن خف معهم من قومهم سنة ست وسبعين وستمائة، فامتلأت الأندلس بأقيال زناته وأعياص الملك منهم. وكان فيمن أجاز من أعياصهم بنو عيسى بن يحيى بن وسناف بن عبو بن أبي بكر بن حمامة. ومنهم سليمان بن إبراهيم، وكانت لهم آثار في الجهاد ومقامات محمودة، وكان موسى بن رحو، لما نازله السلطان وبني أبيه عبد الله بن عبد الحق بحصن علودان ونزلوا على عهده، لحق بتلمسان. وكان بنو عبد الله بن عبد الحق وإدريس بن عبد الحق عصبة من بين سائرهم، لأن عبد الله وإدريس كانا شقيقين لسوط النساء بنت عبد الحق، فاقتفى أثر يعقوب بن عبد الله بن محمد ابن عمه إدريس وخرج على السلطان بقصر كتامة سنة ثلاث وستين وستمائة. ثم استرضاه عمه واستنزله. وبقي يعقوب بن عبد الله في انتقاضه ينتقل في الجهات، إلى أن قتله طلحة بن محلى من أولياء السلطان سنة ثمان وستين وستمائة بجهة سلا، فكفى السلطان شأنه. ولما كان من عهد السلطان لابنه أبي مالك ما قدمناه، نفس عليه هؤلاء القرابة هذا الشان، فانتقضوا ولحق محمد بن إدريس بحصن علودان. ولحق موسى بن رحو بن عبد الله بجبال غمارة ومعه أولاد عمه أبي عياد بن عبد الحق. ونازلهم السلطان، حتى نزلوا على عهده. وأجازهم إلى الأندلس سنة سبعين وستمائة، فأقاموا بها للجهاد سوقاً. ونافستهم أقيال زنانة في مثلها بتلمسان. وأجاز منها إلى الأندلس سنة سبعين وستمائة، فولاه السلطان ابن الأحمر على جميع الغزاة المجاهدين هنالك بما كان كبش كتيبتهم وفحل شولهم. ولم يلبث أن عاد إلى المغرب، فولى السلطان مكانه أخاه عبد الحق. ثم رجع عنهم مغاضبا إلى تلمسان، فولى مكانه على الغزاة المجاهدين إبراهيم بن عيسى بن يحيى بن وسناف، إلى أن كان ما نذكره إن شاء الله تعالى.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق