إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 24 يناير 2014

الاعياد المصرية القديمة

الاعياد المصرية القديمة


أعيـاد الأربـاب

تقع مدينة "طيبة" والمعابد الكبرى بها -ولا سيما معابد "الكرنك" و"الأقصر"- على الضفة الشرقية للنيل؛ بينما الضفة الغربية شهدت فى الدولة الحديثة تطوراً واسع النطاق لمدينة الموتى. فاعتباراً من الأسرة الثامنة عشرة هجر الملوك بناء الأهرام فى جبانة "منف"، واتخذوا من جبال "طيبة" الغربية و"وادى الملوك" مستقراً أبدياً لهم. وتبعهم فى ذلك خلفاؤهم من الملوك، وذلك حتى نهاية الأسرة العشرين.
واختلف طابع المقبرة الملكية حينذاك تمام الاختلاف، فمكان الدفن بالأسلوب الجديد كان عبارة عن حفرة تحت الأرض منحوتة فى التلال الصخرية بوادى الملوك، وكانت منفصلة تماماًً عن شعائر تقديم القرابين شديدة الأهمية، والتى بات مكانها فى ذلك الحين معبداً قائماً بذاته بجوار الوادى عند حافة الصحراء.
ومن السهل تفسير هذا التغير تفسيراً عملياً، فقد كانت مقابر "وادى الملوك" أصعب على محترفى السرقة، وهو ما وفره لها موقعها الذى كان يظل فى طى الكتمان إلى حد كبير، إضافة إلى الحماية الطبيعية التى وفرتها تلال "طيبة" التى كانت تحيط بالوادى. ولم يكن هذا التفسير العملى هو الدافع الأول وراء هذا التغير، بل كان التطور الذى شهدته العقائد الدينية من علو نجم المعبود "آمون"، وأفول نجم العقيده الشمسية المتمثلة فى المعبود "رع".
كذلك فإن العلاقة بين الملك والمعبود كانت هى أهم الغايات التى كان لأجلها هذا التغيير؛ إذ لم تعد عبادة جثمان الملك وتمثاله يعبَّر عنها بتلك الصورة الضخمة التى كان يصورها الشكل الهرمى؛ كما اقتصرت الإشارة إلى عبادة الشمس على الفناء المفتوح الذى تضمنته المعابد الجنائزية لملوك الدولة الحديثة، والتى أصبحت بمثابة إعلان عن مركزية "آمون" وسُمُوِّه.
ومع أننا اعتدنا الحديث عن هذه المعابد باعتبارها معابد جنائزية ملكية، إلا أنها فى حقيقتها كانت مخصصة لصورة بعينها من صور المعبود "آمون" الذى أصبح الملك مندمجاً معه بعد وفاته من خلال وجود تماثيل للملك داخل مقاصيرها، بعد أن كان ذلك يتم من خلال زيارته للمعبد فى حياته.
والواقع أن كل معبد من المعابد الجنائزية كان معبداً لآمون، اتخذه تمثال الملك المتوفى مقاماً له، ويتضح ذلك أكثر ما يتضح من عماره المعابد التى بقيت فى حالة جيدة، والتى تعود إلى عصر الأسرتين التاسعة عشرة والعشرين، وهى معابد: "سيتى الأول" فى "القُـرنة"؛ و"رعمسيس الثانى" (معبد الرمسيوم)؛ و"رعمسيس الثالث" فى "مدينة هابو"؛ حيث خصصت الغرف الوسطى الخلفية -وهى أقدس مكان فى المعبد- لعبادة "آمون"، ليس فقط فى صورة تمثال دائم له يوضع بها، بل كذلك لقاربه المقدس الذى كان يوضع داخل مقصورة خصصت له بقدر كاف من مبناه. ونجد فى منتصف الجدار الغربى للفناء العلوى قدس أقداس نُحت فى صخر الجبل، ويضم تمثالاً لآمون.
وبخلاف مدينة "طيبة"، فقد جرى الاحتفال بالعديد من الأعياد الدينية الأخرى، مثل "دندرة"، و"مدينة هابو"، و"أبيدوس"، و"منف"، وغيرها من المدن المصرية. فقد حفلت حياة المصرى القديم بالعديد من الأعياد والاحتفالات التى ارتبطت بأربابهم والشعائر المتعلقة بهم. فقد حاك المفكر المصرى القديم العديد من القصص حول أعياد المعبودات، وما يتم فيها من شعائر، وذلك بهدف دعم مكانة بعض هذه المعبودات، أو رغبة فى اكتساب رضا الأرباب، والتقرب منهم، والاستفادة من قدرتهم فى تحقيق تجدد الحياة والبعث، والتمتع بحياة أخروية طيبة.
وقد شارك عامة الشعب والموتى فى الاحتفالات والشعائر الخاصة ببعض هذه الأعياد، فى حين اقتصر الاحتفال فى البعض الآخر على الكهنة والعاملين فى المعبد فقط، دون غيرهم من الناس.







عيـد أوبـت 

عُرف هذا العيد باسم (Hp nfr n Ipt)، وهو أحد أهم أعياد المعبود "آمون" فى "طيبة". وكان يقام كاحتفال سنوى فى الشهر الثانى من فصل الفيضان؛ ولا توجد معلومات متوافرة حول هذا العيد وطقوسه قبل عصر الدولة الحديثة، فيبدو أن الاحتفال به قد بدأ فى عهد "تحتمس الثالث"، حيث استمر الاحتفال لمدة أحد عشر يوماً، واستمر الاحتفال به فى عهد "رعمسيس الثالث" لمدة أربعة وعشرين يوماً، إلى أن بلغ بعد ذلك سبعة وعشرين يوماً.
وكان المعبود "آمون" يقوم خلال هذا الاحتفال بزيارة من معبده فى "الكرنك" إلى معبد "الأقصر" فى موكب مهيب. واتخذت الرحلة الطريق البرى المتجه للجنوب خلال عهد الملكة "حتشبسوت"؛ فى حين أن رحلة العودة إلى "الكرنك" كانت تتم عبر النهر.
وقد زود الطريق البرى لمعبد "الأقصر" بست مقاصير لاستراحة موكب المعبود. ومنذ عهد الملك "توت عنخ آمون" كانت رحلتا الذهاب والعودة تتم عبر النهر. وقد خصص لكل عضو من أعضاء الثالوث مركب نهرى، ومقصورة خاصة.
ومضمون هذا الاحتفال كان مسيرة موكب طويل خاص بالثالوث العائلى المقدس بطيبة (آمون، موت، خونسو). وقد صورت نقوش جدران فناء الملك "أمنحتب الثالث" فى معبد "الأقصر" كيفيةَ الاحتفال بهذا العيد؛ وكذلك تلك النصوص التى تم تنفيذها أثناء حكم "توت عنخ آمون"، والتى اغتصبها خلفه "حور محب". هذا وقد صورت مناظر رحلة الذهاب من "الكرنك" إلى "الأقصر" على الجدار الغربى، وصور طريق أو رحلة العودة على الجدار الشرقى.
ويبدأ الاحتفال -وفقاً لتلك النقوش- بتقدمة القرابين إلى الثالوث الطيبى فى مقاصيره فى معبد "الكرنك"، والتى تبدأ بها الاحتفالات، حيث يقدم الملك القرابين (من لحوم، وزهور، وفاكهة، وطيور، ولبن، وعطور)؛ كما يقوم بالتبخير ورش الماء أمام قارب "آمون" الذى يطلق عليه (وسر حات)، وأمام قاربى زوجته "موت" وابنهما "خونسو". ويمكن التعرف عليهم من مقدمة المركب ومؤخرتها، والتى كانت تزين برأس المعبود صاحب المركب. وكانت المقصورة تأخذ هيئة المركب وتوضع على قاعدة حجرية، وفى منتصف المقصورة توجد كابينة (قمرة) مغطاة بساتر، وبها تمثال لكل عضو من الثالوث. وتشير مقصورة المركب فى مضمونها إلى رحلة رب الشمس فى مركبه فى رحلته عبر السماء فى النهار، وفى العالم السفلى خلال الليل.
ويخرج الموكب من المعبد (الصرح العاشر للمعبد)، والكهنة يحملون قوارب ثالوث "طيبة" (آمون، وموت، وخونسو) فوق أكتافهم. وكان قارب "آمون" يحمله ثلاثون كاهناً، يبدءون من قدس الأقداس إلى داخل المعبد، ثم يخرجون من الصرح الثالث، وذلك فى موكب منفرد، حيث يدعم كل مركب أربعة وعشرون من الكهنة، ويتبعهم عدد آخر من البلاط الملكى. وقد تبع الملك نفسه المركب الرئيسى الخاص بآمون سيراً على الأقدام. وعند الوصول إلى ضفة النهر، فإن المراكب المقدسة توضع فوق ظهر مراكب كبيرة تجرها مراكب ذات مجاديف مع فرق من الرجال على ضفة النهر، وحتى وصولهم إلى الجهة المقابلة لمعبد "الأقصر"، وذلك حيث تتجه المراكب شمالاً مع التيار باتجاه معبد "الأقصر".



الملك يقـدم مختلف أصنـاف القـرابين فى عيـد "أوبـت".

وعلى ضفاف النهر تقف جموع المواطنين والموسيقيين لتحية الموكب، كما تقف كاهنات الربة "موت" ومعهن الآلات الموسيقية، بينما يقف رجال الشرطة لتنظيم الاحتفال. وعند النيل تنزل المراكب تتبعها مراكب القرابين. وعلى الشاطئ أمام معبد "الأقصر" يقف الناس يهللون ويهتفون، ويساعدون فى دفع المراكب فى سعادة، ويرقصون ويرتلون الأناشيد، ويعزفون بالصلاصل.
وعلى الطريق المؤدى إلى معبد "الأقصر"، تقام أبنية صغيرة يقدم فيها الكهنة القرابين (انظر الشكل التالى: مقصورة الاستراحة على طريق الموكب بين معبدى الكرنك والأقصر).
وعند الوصول إلى المعبد يقوم الملك بنفسه بطقوس القرابين، بينما ينتظر الحاشية أمام قدس الأقداس. وتبقى المواكب خلال عشرة أيام فى هدوء داخل معبد الأقصر، تقدم لها القرابين كل يوم، وتتم العودة إلى "الكرنك" بنفس الأسلوب.

المحطة السادسة لاستراحة المركب المقدس خلال انتقاله من "الكرنك" إلى "الأقصر"، أثناء الاحتفال بعيد "أوبت"- مقصورة الملكة "حتشبسوت" بالكرنك.



الوصول إلى معبد "الأقصر"، وإقامة الاحتفالات، وغزف الموسيقى والرقص.

وعلى جانبى النيل يقف الجند والحاشية لاستقبال المواكب، وعند الرجوع للكرنك تقدم القرابين. ويستمر الاحتفال بهذا العيد فترة تستغرق ما بين أحد عشر يوماً، وأربعة وعشرين يوماً كما سبق أن ذكرنا. ويحتفل سكان "الأقصر" إلى اليوم بأعياد مماثلة، مثل احتفال الأقباط بعيد "سان جورج"، واحتفال المسلمين بمولد "أبو الحجاج"، وفيها يتنزه الناس فى نفس التوقيت فى مراكب فى النيل.
ويعتبر العيد أحد أهم المناسبات التى شارك فيها عامة الشعب، والذين قدموا حبهم وسرورهم للمعبود ولتماثيل الملك الضخمة. وقد قصد هذا العيد الربط بين الملك وأبيه المعبود "آمون رع"، حيث يسافر الملك إلى معبد "الأقصر" من أجل زيارة أبيه "آمون" لإعطائه القوة الملكية.

من مظاهر الاحتفال بعيد "أوبت"، حاملو الأعلام والرايات.


وبقدوم عصر الدولة الحديثة، نلاحظ ثبات ذلك الارتباط ما بين "آمون" والملك بصفة رسمية دينية من خلال هذا الاحتفال، ومن ثم ترسيخ قدمى الملك فى الحكم، ويعد ذلك شهيداً على اكتسابه الملكية.




مجموعة من كهنة "الكَتَّـافة" (Rmnw)، يحملون الزورق المقدس للمعبود "آمون"، وبداخله تمثال المعبود أثناء الاحتفال بعيد "أوبت"- معبد الكرنك.



الانتقال من معبد "الكرنك" إلى معبد "الأقصـر"،
وهذا مشهد آخر للكهنة يقومون بحمل مركب "آمـون" على أكتافهم.







الزورق المقدس للمعبود "آمون"، محمولاً بواسطة الكهنة.
والملك يتقدم الموكب فى أحد الاحتفالات. بمعبد "آمون" بالكرنك، من العصر البطلمى. جدارية معبد افو.



أبناء "رعمسيس الثانى" يقودون عجول (إواو) فى عيد "إيبت" بمعبد "الأقصـر".


رجال الشرطة يتابعون حسن سير الاحتفال بعيد "إيبـت".



خريطة تحدد المسار البرى لعيـد "إيبـت"، من معبد "آمون" بالكـرنك،
مروراً بمعبـد الربة "مـوت"، وانتهـاءً عند معبـد "الأقصـر".



الفناء المفتوح المخصص للاحتفـال بعيد "أوبـت" فى معبـد "الأقصـر".




ولكى يكتسب الملك هذه القوة من المعبود "آمون" كان لابد من الاتحاد الجنسى بين أم الملك والمعبود "آمون" فى هيئة "آمون-مين"، والذى لقب بـ (كـا موت إف)، أى: (ثور أو فحل أمه).
وكان الهدف من هذه المعاشرة هو ولادة المعبود نفسه الذى عبر فى الوقت ذاته عن الملك الجديد، والذى يكتسب صفات (كا موت اف) باعتلائه العرش. أى أن المعبود يلعب دور الأب والابن معاً.
ومن ناحية أخرى فإن "ليز مانِش" (L. Manniche) ترى أن عيد "آمون" وزيارته للأقصر كان تجديداً لقوته الخالقة فى احتفال الزواج المقدس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق