2
الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء الخامس
ذكر خلع المقتدر وولاية ابن المعتز
وفي هذه السنة اجتمع القوّاد والقضاة والكتّاب مع الوزير العبّاس بن الحسن على خلع المقتدر والبيعة لابن المعتزّ وأرسلوا إلى ابن المعتز في ذلك فأجابهم على أن لا يكون فيه سفك دم ولا حرب فأخبروه باجتماعهم عليه وأنّهم ليس لهم منازعٌ ولا محاربٌ.
وكان الرأس في ذلك العبّاس بن الحسن ومحمّد بن داود بن الجَرّاح وأبو المثنّى أحمد بن يعقوب القاضي ومن القوّاد الحسين بن حمدان وبدر الأعجميُّ ووصيف بن صوارتكين.
ثمّ إنّ الوزير رأى أمره صالحًا مع المقتدر وأنّه على ما يحبّ فبدا له في ذلك فوثب به الآخرون فقتلوه وكان الذي تولى قتله منهم الحسين ابن حّمدان وبدر الأعجميّ ووصيف ولحقوه وهو سائر إلى بستان له فقتلوه في طريقه وقتلوا معه فاتكًا المعتضديَّ وذلك في وركض الحسين بن حَمدان إلى الحَلبة ظنًّا منه أنّ المقتدر يلعب هناك بالكرة فيقتله فلم يصادفه لأنّه كان هناك فبلغه قتل الوزير وفاتك فركض دابّته فدخل الدار وغُلّقت الأبواب فندم الحسين حيث لم يبدأ بالمقتدر.
وأحضروا ابن المعتّز وبايعوه بالخلافة وكان الذي يتولّى أخذ البيعة له محمّد بن سعيد الأزرق وحضر الناس والقوّاد وأصحاب الدواوين سوى أبي الحسن بن الفُرات وخواصّ المقتدر فإنّهم لم يحضروا ولُقّب ابنُ المعتزّ المرتضي بالله واستوزر محمّد بن داود بن الجرّاح وقلّد عليّ بن عيسى الدواوين وكُتبت الكتبُ إلى البلاد من أمير المؤمنين المرتضي بالله أبي العبّاس عبدالله بن المعتزّ بالله ووجّه إلى المقتدر يأمره بالانتقال إلى دار ابن طاهر التي كان مقيمًا فيها لينتقل هو إلى دار الخلافة فأجابه بالسمع والطاعة وسأل الإمهال إلى الليل.
وعاد الحسين بن حَمدان بُكرة غد إلى دار الخلافة فقاتله الخدم والغلمان والرجّالة من وراء الستور عامّة النهار فانصرف عنهم آخر النهار فلمّا جنّه الليل سار عن بغداد بأهله وماله وكلّ ما له إلى الموصل لا يُدرى لِمَ فعل ذلك ولم يكن بقي مع المقتدر من القوّاد غير مُؤنس الخادم ومؤنس الخازن وغريب الخال وحاشية الدار.
فلمّا همّ المقتدر بالانتقال عن الدار قال بعضهم لبعض: لا نسلم الخلافة من غير أن نُبلي عّذرًا ونجتهد في دفع ما أصابنا فأجمع رأيهم على أن يصعدوا في الماء إلى الدار التي فيها ابن المعتزّ بالحرم يقاتلونه فأخرج لهم المقتدر السلاح والزرديّات وغير ذلك وركبوا السُّمَيريّات وأصعدوا في الماء فلمّا رآهم مَن عند ابن المعتزّ هالهم كثرتهم واضطربوا وهربوا على وجوههم من قبل أن يصلوا إليهم وقال بعضهم لبعض: إنّ الحسين بن حمدان عرف ما يريد أن يجري فهرب من الليل وهذه مواطأة بينه وبين المقتدر وهذا كان سبب هربه.
ولمّا رأى ابن المعتزّ ذلك ركب ومعه وزيره محمّد بن داود وهربا وغلام له ينادي بين يديه: يا معشر العامّة ادعوا لخليفتكم السنّيّ البربهاريّ وإنّما نسبت هذه النسبة لأنّ الحسين بن القاسم بن عبيد الله البربهاريّ كان مقدّم الحَنابلة والسُّنّة من العامّة ولهم فيه اعتقاد عظيم فأراد استمالتهم بهذا القول.
ثمّ إنّ المعتزّ ومَن معه ساروا نحو الصحراء ظنًّا منهم أنّ مَن بايعه من الجند يتبعونه فلم يلحقه منهم أحد فكانوا عزموا أن يسيروا إلى سُرَّ من رأى بمن يتبعهم من الجند فيشتدّ سلطانهم فلمّا رأوا أنّهم لم يأتهم أحدٌ رجعوا عن ذلك الرأي واختفى محمّد بن داود في داره ونزل ابن المعتزّ عن دابّته ومعه غلامه يَمِن وانحدر إلى دار أبي عبد الله بن الجصّاص فاستجار به واستتر أكثر مَن بايع ابن المعتزّ ووقعت الفتنة والنهب والقتل ببغداد وثار العيّارون والسُّفّل وكان ابن عمرَويْه صاحب الشُّرطة ممّن بايع ابن المعتزّ فلمّا هرب جمع ابن عمرّويْه أصحابه ونادى بشعار المقتدر يدلّس بذلك فناداه العامّة: يا مرائي يا كذّاب! وقاتلوه فهرب واستتر وتفرّق أصحابه فهجاه يحيى بن عليّ بأبياتٍ منها: بايعوه فلم يكن عند الأن وك إلاّ التغييرُ والتخبيط رافضيّون بايعوا أنْصَبَ الأ مَة هذا لعَمْريَ التخليطُ ثمّ ولَّى من زَعْقَةٍ ومحامو ومن خلفهم لهم تَضريطُ وقلّد المقتدر تلك الساعة الشُّرطة مؤنسًا الخازن وهُو غير مؤنس الخادم وخرج بالعسكر وقبض على وصيف بن صُوارتكين وغيره فقتلهم وقبض على القاضي أبي عُمر وعليّ بن عيسى والقاضي محمّد ابن خلف وكيع ثمّ أطلقهم وقبض على القاضي المثنّى أحمد بن يعقوب فقتله لأنّه قيل له: بايع المقتدر فقال: لا أبايع صبيًّا فذُبح.
وأرسل المقتدر إلى أبي الحسن بن الفُرات وكان مختفيًا فاحضره واستوزره وخلع عليه.
وكان في هذه الحادثة عجائب منها: أنّ الناس كلّهم أجمعوا على خلع المقتدر والبيعة لأبن المعتزّ فلم يتمّ ذلك بل كان على العكس من إرادتهم وكان أمر الله مفعولًا.
ومنها أنّ ابن حَمدان على شدّة تشيّعه وميله إلى عليّ عليه السلام وأهل بيته يسعى في
ثمّ إنّ خادمًا لابن الجَصّاص يُعرف بسوسن أخبر صافيًا الحرميَّ بأنّ ابن المعتزّ عند مولاه ومعه جماعة فكُبست دار ابن الجَصّاص وأُخذ ابن المعتزّ منها وحُبس إلى الليل وعُصِرتْ خصيتاه حتّى مات ولُفّ في كساء وسُلّم إلى أهله.
وصودر ابن الجَصّاص على مال كثير وأُخذ محمّد بن داود وزير ابن المعتزّ وكان مستترًا فقُتل ونُفي عليُّ بن عيسى إلى واسط فأرسل إلى الوزير ابن الفُرات يطلب منه أن يأذن له في المسير إلى مكّة فأذن له في ذلك فسار إليها على طريق البصرة وأقام بها.
وصودر القاضي أبو عُمر على مائة ألف دينار وسُيّرت العساكر من بغداد في طلب الحسين بن حَمدان فتبعوه إلى الموصل ثمّ إلى بَلَد فلم يظفروا به فعادوا إلى بغداد فكتب الوزير إلى أخيه أبي الهيجاء بن حمدان وهو الأمير على الموصل يأمره بطلبه فسار إليه إلى بَلَد ففارقها الحسين إلى سِنجار وأخوه في أثره فدخل البرّيّة فتبعه أخوه عشرة أيّام فادركه فاقتتلوا فظفر أبو الهيجاء وأسر بعض أصحابه وأخذ منه عشرة آلاف دينار وعاد عنه إلى الموصل ثمّ انحدر إلى بغداد فلمّا كان فوق تكريت أدركه أخوه الحسين فبيّته فقتل منهم قتلى وانحدر أبو الهيجاء إلى بغداد.
وأرسل الحسين إلى ابن الفُرات وزير المقتدر يسأله الرضى عنه فشفع فيه إلى المقتدر بالله
ليرضى عنه وعن إبراهيم بن كَيْغَلَغ وابن عمرَوَيْه صاحب الشُّرطة وغيرهم فرضي عنهم ودخل الحسين بغداد فرد عليه أخوه ما أخذ منه وأقام الحسين ببغداد إلى أن وليّ قُمّ فسار إليها وأخذ الجرائد التي فيها أسماء مَن أعان على المقتدر فغرَّقها في دجلة وبسط ابن الفُرات العدل والإحسان وأخرج الإدرارات للعبّاسيّين والطالبيّين وأرضى القوّاد بالأموال ففرّق معظم ما كان في بيوت الأموال.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق