3365
تاريخ ابن خلدون ( ابن خلدون )
من تاريخ العلامة ابن خلدون
القسم السابع
المجلد السابع
من صفحة 337 إلى 502
وفادة أبي تاشفين علي السلطان أبي العباس صريخا علي أبيه ومسيره بالعساكر ومقتل أبيه السلطان أبي حمو:
كان أبو تاشفين ابن السلطان أبي حمو قد وثب على أبيه آخر ثمان وثمانين وسبعمائة
بممالئته لغيره من إخوته، واعتقله بوهران. وخرج في العساكر لطلب إخوته المنتصر وأبي زيان وعمير، وامتنعوا عند حصين بجبل تيطرى فحاصرهم أياماً. ثم تذكر غائلة أبيه، فبعث ابنه أبا زيان. في جماعة من بطانته: منهم موسى ابن الوزير عمران بن موسى وعبد الله ابن جابر الخراساني، فقتلوا بعض ولده بتلمسان ومضوا إليه وهو بمحبسه في وهران. فلما شعر بهم أسرف من الحصن ونادى في أهل المدينة متذمماً بهم، فهرعوا إليه. وتدلى إليهم في عمامته وقد احتزم بها، فأنزلوه وأحدقوا به وأجلسوه على سريره.
وتولى كبر ذلك خطيب البلد ابن خزورت ولحق أبو زيان بن أبي تاشفين ناجياً إلى تلمسان. واتبعه السلطان أبو حمو، ففر منها إلى أبيه. ودخل أبو حمو تلمسان وهي طلل وأسوارها خراب، فأقام فيها رسم دولته. وبلغ الخبر إلى أبي تاشفين، فأجفل من تيطرى. وأغذ السير، فدخلها. واعتصم أبوه بمئذنة المسجد، فاستنزله منها وتجافى عن قتله. ورغب إليه أبو حمو في رحلة المشرق لقضاء فرضه، فأسعفه وأركبه السفين مع بعض تجار النصارى إلى الإسكندرية موكلاً به. فلما حاذى مرسى بجاية لاطف النصارى في تخلية سبيله، فاسعف وملك أمره. وبعث إلى صاحب الأمر ببجاية يستأذنه في النزول، فأذن له. وسار منها إلى الجزائر واستخدم العرب، واستصعب عليه أمر تلمسان، فخرج إلى الصحراء. وجاء إلى تلمسان من جهة المغرب وهزم عساكر ابنه أبي تاشفين وملكها. وخرج أبو تاشفين هارباً منها، فلحق بأحياء سويد في مشاتيهم. ودخل أبو حمو تلمسان قي رجب سنة تسعين وسبعمائة. وقد تقدم شرح هذه الأخبار كلها مستوعبة.
ثم وفد أبو تاشفين مع محمد بن عريف شيخ سويد على السلطان أبي العباس صريخاً على أبيه ومؤملاً الكرة بإمداده، فتقبله السلطان وأجمل له المواعيد. وأقام أبو تاشفين في انتظارها، والوزير محمد بن يوسف بن علال يعده ويمنيه ويحلف له على الوفاء. وبعث السلطان أبو حمو إلى السلطان ابن الأحمر، لما علم من استطالته على دولة بني مرين كما مر، يتوسل إليه في أن يصدهم عن صريخ أبي تاشفين وإمداده عليه، فجلا ابن الأحمر في ذلك وجعلها من أهم حاجاته. وخاطب السلطان أبا العباس في أن يجهز إليه أبا تاشفين، فتعلل عليه في ذلك بأنه استجار بابنه أبي فارس، واستذم به. ولم يزل الوزير ابن علال يفتل لسلطانه ولابن الأحمر في
الذروة والغارب، حتى تم أمره وأنجز له السلطان بالنصر موعده. وبعث ابنه الأمير أبا فارس والوزير ابن علال في العساكر صريخين له، وانتهوا إلى تازى. وبلغ الخبر إلى أبي حمو، فخرج من تلمسان في عساكره واستألف أولياءه من عبد الله. ونزل بالغيران من وراء جبل بني ورنيد المطل على. تلمسان، وأقام هنالك متحصناً بالجبل وجاءت العيون إلى عساكر بني مرين بتازى من مكانه هو وأعرابه من الغيران، فأجمعوا غزوه. وسار الوزير ابن علال وأبو تاشفين وسلكوا القفر، ودليليهم سليمان بن ناجي من الاحلاف. ثم صبحوا أبا حمو ومن معه من أحياء الخراج بمكانهم من الغيران، فجاولوهم ساعة، ثم ولوا منهزمين وكبا بالسلطان أبي حمو فرسه، فسقط وأدركه بعض أصحاب أبي تاشفين فقتلوه قعصاً بالرماح وجاؤا برأسه إلى ابنه أبي تاشفين والوزير ابن علال، فبعثوا به إلى السلطان وجيء بابنه عمير أسيراً، فهم أخوه أبو تاشفين بمتله، فمنعه بنو مرين أياماً. ثم أمكنوه منه فقتله، ودخل إلى تلمسان اخر سنة إحدى وتسعين وسبعمائة. وخيم الوزير وعساكر بني مرين بظاهر البلد، حتى دفع إليهم ما شارطهم عليه من المال. ثم قفلوا إلى المغرب، وأقام أبو تاشفين بتلمسان يقيم دعوة السلطان أبي العباس صاحب المغرب ويخطب له على منابر تلمسان وأعمالها، ويبعث إليه بالضريبة كل سنة، كما اشترط على نفسه. وكان أبو حمو ملك تلمسان، ولى ابنه أبا زيان على الجزائر. فلما بلغه مقتل أبيه امتعض ولحق بأحباء حصين ناجياً وصريخاً. وجاءه وفد بني عامر من زغبة يدعونه للملك، فسار إليهم. وقام بدعوته شيخهم المسعود بن صغير، ونهضوا جميعاً إلى تلمسان في رجب سنة إثنتين وتسعين وسبعمائة، فحاصروها أياماً. ثم سرب أبو تاشفين المال في العرب، فافترقوا عن أبي زيان. وخرج إليه أبو تاشفين، ابنه صريخاً إلى المغرب، فجاءه بمدد من العسكر. ولما انتهى إلى تاوريرت، أفرج أبو زيان عن تلمسان وأجفل إلى الصحراء. ثم أجمع رأيه على الوفادة إلى صاحب المغرب، فوقد عليه صريخاً، فتلقاه بالتكرمة وبر مقدمه ووعده النصر من عدوه. وأقام عنده إلى حين مهلك أبي تاشفين. والله أعلم.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق