إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 29 سبتمبر 2014

1466 موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية للدكتور عبد الوهاب المسيري المجلد الخامس: اليهودية.. المفاهيم والفرق الجزء الثاني: المفاهيم والعقائد الأساسية في اليهودية الباب السادس: اليهودية الحاخامية (التلمودية) التشريع والشريعة Halakhah


1466

موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية

للدكتور عبد الوهاب المسيري

المجلد الخامس: اليهودية.. المفاهيم والفرق

الجزء الثاني: المفاهيم والعقائد الأساسية في اليهودية

الباب السادس: اليهودية الحاخامية (التلمودية)

التشريع والشريعة

Halakhah

مصطلح «التشريع» هو المقابل العربي لكلمة «هالاخاه» العبرية. وهذا المصطلح يعني «القانون» أو «التشريع». وكلمة «هالاخاه» من أصل آرامي، ومعناها الحرفي هو «الطريق القويم»، وإن كان يُقال في التفسيرات الحديثة إن معنى الكلمة الأصلي هو «الضريبة» أو «القاعدة الثابتة». وكلمة «هالاخاه» لها معنى ضيق، وقد ورد لأول مرة في كتابات معلمي المشناه (تنائيم) وكانت تعني في بداية الأمر «الحكم الشفهي الذي يصدره الفقهاء» ثم أصبحت تشير إلى «الفقرة الواحدة المُتضمَنة في سنة واحدة في الفقهيات الشرعية». ثم أصبحت الكلمة تشير إلى الجانب التشريعي لليهودية ككل (وضمن ذلك الشريعة الشفوية) بحيث أصبحت تشمل في نطاقها العرف والعادة والقوانين المحلية والمراسيم الشرعية وهي في ذلك مثل كلمة «لو Law» في الإنجليزية أو «قانون» في العربية، فيمكن أن نشير مثلاً إلى «قانون العقوبات»، وإلى «القانون الجنائي» كما يمكن أن نشير إلى «القانون» بشكل عام. وهكذا يُقال: "ما الهالاخاه المتصلة بهذا الموقف؟"، أي "التشريع الخاص بهذا الموقف"، كما يمكن القول "لقد امتلك فلان ناصية الهالاخاه" أي "التشريع بشكل عام". والكلمة تكاد تكون مرادفة لكلمة «توراة» التي تعني أيضاً «الشريعة» و«القانون» بالمعنى العام. ولعل الفرق يكمن في أن كلمة «توراة» تظل ذات دلالة عامة فقط، بينما كلمة «هالاخاه» تكون أحياناً ذات معنى عام أو معنى خاص. وحتى لا نخلط، يمكن القول بأن «هالاخاه» تشير إلى الصياغة القانونية المحددة لتفاصيل الشريعة اليهودية، وذلك في مقابل:

1 ـ المدراش: الدارسة والوعظ الذي يعتمد دائماً على الاستشهاد بالتوراة، وعلى البحث عن المعاني الخفية.

2 ـ الأجاداه: التي تعتمد على الوعظ عن طريق القصص.

ويحتـوي التلمـود على أجزاء هـالاخية تشـريعية، أي قانونية مختلفة، وأخرى أجادية قصصية وعظية. ولكن المشناه تتميز بأنها تحتوي على تشريع أكثر مما تحوي القصص والمواعظ، في حين تتسم الجماراه بأن فيها من الأجاداه (أي من القصص والمواعظ) أكثر مما فيها من الهالاخاه (أي من التشريع). وتُعَدُّ المصادر الأساسية للتشريعات: الشريعة المكتوبة (أي التوراة) والشريعة الشفوية والعرف الساري بين اليهود.

ويرى بعض الحاخامات أن التشريع بكامله مُوحى به من الإله. بل إن بعضهم يدعي أنه، منذ هدم الهيكل، لم يَعُد هناك من شغل شاغل للإله إلا هذا التشريع. ويُلاحَظ أن كلمة «تشريع» أو «هالاخاه» يضيق نطاقها أحياناً لتشير إلى الشعائر بالدرجة الأولى، بحيث إن الحوار بشأن الهالاخاه أصبح حواراً بشأن الشعائر. وهنا يمكننا أن نقول إن نطاق كلمة «هالاخاه» بهذا المعنى هو تعبير عن الطبقة الحلولية داخل اليهودية.بل إن ترادف كلمة «هالاخاه» بمعنى «قانون» و«هالاخاه» بمعنى «شعيرة» هو نفسه تعبير عن النزعة الحلولية حيث تتلاحم كل الدلالات وحيث يقل التجريد والتسامي. ويتبدَّى النسق الحلولي لا في الإيمان بالله الواحد وإنما في ممارسة عدد هائل من الشعائر التي تعبِّر عن قداسة الممارس وعزلته عن الآخرين.

ويُلاحَظ أن الفلاسفة الدينيين اليهود في العالم الإسلامي، مثل سعيد بن يوسف الفيومي وموسى بن ميمون، لم يطبقوا تفكيرهم الفلسفي على التشريع والشعائر مكتفين بالتعامل مع القضايا الفلسفية الكبرى المجردة. فموسى بن ميمون، في كتابه مشنيه توراة، وهو مُصنَّفه التشريعي الضخم، يكتب فصلاً فلسفياً تمهيدياً لا علاقة له بالتشريعات اليهودية التي ترد في الكتاب. بل إنه يشير إلى أن التشريعات اليهودية، مثل تحريم طبخ الجدي في لبن أمه وغير ذلك من الوصايا والنواهي والشعائر، هي بقايا عبادات وثنية اختفت منذ زمن قديم، وأنها طريقة إلهية لمخاطبة عقول البسطاء والبدائيين. وبالنسبة للفلاسفة، لا يوجد أي معنى للتشريعات، وإن وجد معنى ما، فهو معنى فلسفي مجرد يُقلل شأن التشريع نفسه. ولكن القبَّاليين نجحوا فيما فشل فيه الفلاسفة، إذ جعلوا التشريع جزءاً من عالمهم السحري، بحيث أصبح تنفيذه كالتميمة السحرية والوسيلة الأكيدة للتأثير في العالم العلوي ومعنى هذا أنهم وصلوا بالنسق الحلولي إلى نتيجته المنطقية.

وفي إسرائيل، يواجه الناس كثيراً من المشاكل الناجمة عن محاولة تطبيق التشريعات بحذافيرها بعد تفسيرها حرفياً. وقد أنشئ معهد للتكنولوجيا والهالاخاه (التشريع)، الهدف منه حل بعض المشاكل الناجمة عن محاولة إقامة الشعائر التي نص عليها الشرع، فتم تطوير نوع من أنواع النباتات العلفية التي لا تنتشر حتى لا تختلط مع النباتات الأخرى، الأمر الذي يُعَد تحايلاً على التحريم الخاص بعدم الخلط بين النباتات المختلفة. كما تم تطوير طريقة لزراعة الخضر في الماء حتى يمكن إراحة الأرض في السنة السبتية. كما تم التوصل كذلك إلى أدوات كهربائية ذات مفاتيح زمنية يتم ضبطها قبل يوم السبت، بحيث تنير من تلقاء نفسها يوم السبت.

والتشريعات المختلفة هي محور الخلاف بين الفرق اليهودية في العصر الحديث. ويرى اليهود الأرثوذكس أنهم ملتزمون بتنفيذ كل ما جاء في التــشريعات، وأن نمـط حياتهم يتبع قواعـدها. أما الإصلاحيون، فيرون أن التشريعات مرتبطة بزمان ومكان محددين، وأن قواعدها غير ملزمة لهم. ويرى اليهود المحافظون أنهم ينفذون روح التشريعات دون حرفيتها. وقد تخلَّى معظم يهود العالم عن تنفيذ التشريعات اليهودية من الناحية الفعلية والنظرية، أي أنهم لا يتبعونها من ناحية المبدأ. كما أن هناك أعداداً كبيرة تخلت عنها من ناحية الممارسة وحسب، دون أن تتخلى عنها من ناحية المبدأ. ولم يبق سوى جماعة صغيرة (تتراوح بين 5% و10%) ترى أن ما جاء في هذه التشريعات مُلزم لها وتحاول وضعها موضع التطبيق.



يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق