إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 29 سبتمبر 2014

1462 موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية للدكتور عبد الوهاب المسيري المجلد الخامس: اليهودية.. المفاهيم والفرق الجزء الثاني: المفاهيم والعقائد الأساسية في اليهودية الباب السادس: اليهودية الحاخامية (التلمودية) التلمــود وأعضــاء الجماعــات اليهوديـــة The Talmud and the Jewish Communities


1462

موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية

للدكتور عبد الوهاب المسيري

المجلد الخامس: اليهودية.. المفاهيم والفرق

الجزء الثاني: المفاهيم والعقائد الأساسية في اليهودية

الباب السادس: اليهودية الحاخامية (التلمودية)

التلمــود وأعضــاء الجماعــات اليهوديـــة

The Talmud and the Jewish Communities

يفترض المعادون لليهود الذين يهاجمون أعضاء الجماعات اليهودية بسبب ما جاء في التلمود، أن كل يهودي قد درس التلمود بعناية فائقة، وأنه يُخْضع كل حركاته وسكناته لما ورد فيه من تعاليم سلبية. لكن هذا تصوُّر ساذج وتبسيط آلي، فما يحدد سلوك فرد ما، يهودي أو غير يهودي، ليس كتبه الدينية ومُثُله العليا وحسب وإنما مركب هائل من الأسباب التاريخية (الاقتصادية والاجتماعية) التي تختلف باختلاف الزمان والمكان. ولا يمكن فهم سلوك العرب المحدثين في ضوء ما جاء في تراثهم الديني، أو في ضوء ميثاق جامعة الدول العربية، رغم أهمية كل ذلك في تحديد هذا السلوك. والواقع أن دراسة التلمود مسألة شاقة للغاية تتطلب معرفة بالقراءة والكتابة باللغتين العبرية والآرامية، وهما لغتان ساميتان يصعب على الإنسان غير المتخصص دراستهما في الوقت الحاضر. ولذا، لم يكن يقرأ التلمود سوى أعضاء النخبة المتعلمة التي كانت في المراكز الدينية. أما جماهير اليهود، فكانت لا تعرف ما جاء فيه لأنها لم تكن تملك المقومات الثقافية لذلك. بل إن صغار الحاخامات أنفسهم الذين وجدوا في القرى المتناثرة، أو أولئك البعيدين عن المدارس التلمودية العليا، لم يكونوا يعرفون ما جاء فيه.

وقد تكون علاقة أعضاء أكبر جماعة يهودية في العالم (أي يهود بولندا) في بدايات العصر الحديث بالتلمود مثلاً جيداً على طبيعة العلاقة بين اليهود وهذا المجلد الضخم (التلمود). فقد انتشر اليهود، في القرن السادس عشر، في الشتتلات التي شيدها النبلاء البولنديون (شلاختا) في أوكرانيا وغيرها، فعاشوا بجوار الفلاحين الأوكرانيين المسيحيين السلاف بعيداً عن مراكز الدراسات التلمودية، واكتسبوا عبر السنوات سمات الفلاحين الذين كانوا يعيشون بينهم ومنها فلكلورهم الشعبي وبعض معتقداتهم الدينية (والواقع أن التمييز بين معتقدات دين ومعتقدات دين آخر مسألة صعبة بعض الشيء على المستوى الشعبي، كما أن الديانات الشعبية تركيبات جيولوجية تتسم في معظمها بالحلولية). ولقد أدَّى هذا الوضع إلى انتشار الحركات المشيحانية والصوفية بين اليهود ابتداءً من القرن السابع عشر، وهي حركات شعبية يهودية كانت موجهة ضد المؤسسة الحاخامية التلمودية الأرستقراطية، وكانت تجد تربة خصبة في الأطراف (وخصوصاً في مقاطعة بودوليا) بعيداً عن سلطة المؤسسة. وفي التربة نفسها، ظهرت الحركة الفرانكية والحركة الحسيدية، وكلتاهما حركتان شعبيتان ترفضان سلطة التلمود. وقد كان الفرانكيون يطلقون على أنفسهم اسم «الزوهاريين» نسبة إلى كتاب الزوهار القبَّالي. وقد انضم إلى هذه الحركات أساساً صغار التجار والحرفيين وصغار الحاخامات الذين لم تكن لهم علاقة كبيرة بالمؤسسة التلمودية الأرستقراطية.

ومع تحديث أغلبية اليهود وعلمنتهم التدريجية داخل الحضارة الغربية، ومع انتقاد اليهودية الإصلاحية للتلمود ورفضها له، ضعفت العلاقة بين اليهود والتلمود حتى اختفت تماماً بالنسبة إلى الأغلبية العظمى. فالأمريكيون اليهود (اليهود الجدد) والإسرائيليون لا يعرفون ما جاء في التلمود، ويُصدَم كثير منهم حينما تُذكَر أمامهم بعض أقواله. ويبدو أن أهم مفكرين دينيين يهوديين في العصر الحديث، مارتن بوبر وفرانز روزنزفايج، لم يدرسا التلمود، وربما لم يقرآه كاملاً. وقد حصل بوبر على أول نسخة منه في عيد ميلاده الستين! وفي استطلاع للرأي أُجري في إسرائيل صرح 84% ممن شملهم الاستطلاع أنهم لم يقرأوا التلمود قط.

لكل ما تقدَّم، يجب ألا تُجرَّد النصوص التلمودية من سياقها، وألا يُجرَّد التلمود نفسه من سياقه التاريخي، بل يجب أن يُنظَر إليه في كليته لا ككتاب ديني وحسب وإنما أيضاً ككتاب أدب شعبي لا يتسم بكثير من التناسق أو التجانس، كما يجب أن يُقرأ باعتباره كتاباً يحوي الفكرة ونقيضها، وباعتباره كتاباً لا يحدد وحده سلوك الفرد اليهودي الذي عادةً ما يجهل ما جاء فيه. والواقع أن استخدام التلمود كنموذج تحليلي ينم عن الكسل الفكري، فهو رفض للتعمق في كلية الظاهرة اليهودية وتركيبيتها وتنوعها بحيث يصبح كل أعضاء الجماعات اليهودية في كل زمان ومكان مجرد يهود، ويصبح المحدد الأساسي لسلوكهم هو التلمود (وهذا ضرب من ضروب الحلولية المعرفية إذ يتم اختزال الواقع بأسره إلى مستوى واحد ويتم القضاء على التعددية وعلى كل الثنائيات). وينجم عن هذا، بطبيعة الحال، فشل كامل في رصد سلوك أعضاء الجماعات اليهودية أو التنبؤ به.



يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق