( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي
صفحة : 555
علة المأمون وموته
قال المسعودي: وأخبرنا القاضي أبو محمد عبد اللّه بن أحمد بن زيد الدمشقي بدمشق، قال: لما توجَّه المأمون غازياً، ونزل البديدون، جاءه رسول ملك الروم فقال له: إن الملك يخيرك بين أن يَرُدَّ عليك نفقتك التي أنفقتها في طريقك من بلدك إلى هذا الموضع، وبين أن يخرج كل أسير من المسلمين في بلد الروم بغير فداء ولا درهم ولا دينار، وبين أن يعمر لك كل بلد للمسلمين مما خربت النصرانية ويرعَّه كما كان، وترجع عن غَزَاتِكَ، فقّام المأمون ودخل خيمة، فصلى ركعتين، واستخار اللهّ عزّ وجلّ وخرج، فقال للرسول: قل له، أما قولك تَرُدًّ عليَّ نفقتي، فإني سمعت اللّه تعالى يقول في كتابه، حاكياً عن بلقيس: وإنِّي مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون، فلما جاء سليمان قال: أتمدونني بمال. فما أتاني اللّه خيرٌ مما آتاكم، بل أنتم بهديتكم تفرحون وأما قولك: إنك تخرج كل أسير من المسلمين في بلد الروم، فما في يدك إلا أحد رجلين: إما رجل طلب اللّه عز وجل والدار الآخرة، فقد صار إلى ما أراد، وإما رجل يطلب الدنيا، فلا فَكَّ اللّه أسْرَهُ، وأما قولك: إنك تعمر كل بلد للمسلمين قد خربته الروم، فلو أني قلعت أقصى حجر في بلاد الروم ما اعتضت بامرأة عثرت عثرة في حال أسرها، فقالت: وامحمداه وامحمداه، عُدْ إلى صاحبك، فليس بيني وبينه إلا السيف، يا غلام اضرب الطبل، فرحل، فلم ينثن عن غَزَاتِهِ، حتى فتح خمسة عشر حصناً، وانصرف من غزاته، فنزل على عَيْن البديدون، المعروفة بالقشيرة على حسب ما قدمنا في هذا الكتاب، فأقام هنالك حتى ترجع رُسُله من الحصون، فوقف على العين ومنبع الماء، فأعجبه بَرْدُ ماتها وصفاؤه وبياضه وطيب حسن الموضع وكثرة الخضرة، فأمر بقطع خشب طوال وأمر به فبسط على العين كالجسر، وجعل فوقه كالأزج من الخشب وورق الشجر، وجلس تحت الكنيسة التي قد عقدت له والماء تحته، وطرح في الماء درهم صحيح فقر أكتابته وهو في قرار الماء لصفاء الماء، ولم يقدر أحد يدخل يده في الماء من شدة بَرْده، فبينما هو كذلك إذ لاحت سمكة نحو الذراع كأنها سبيكة فضة، فجعل لمن يخرجها سَبْقاً، فبحر بعض الفراشين فأخذها وصعد، فلما صارت على حرف العين أو على الخشب الذي عليه المأمون اضطربت وأفلتت من يد الفراش فوقعت في الماء كالحجر،
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق