إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 29 سبتمبر 2015

( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي صفحة : 639



( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي

صفحة : 639


  وحضر مجلس بعض الوزراء، فتعارضوا حديث بعض البرامكة وكرمهم وما كانوا عليه من الجود، فقال الوزير لأبي العيناء، وقد كان أمْعَنَ في وصفهم وما كانوا عليه من البذل والإِفضال: قد أكْثَرْت من ذكرهم ووصفك إياهم، وإنما هذا من تصنيف الوَرَاقين وتأليف المحسنين، فقال له أبو العيناء: فلم لا يكذب الوَرَّاقون عليك أيها الوزير بالبذل والجود. فأمْسَكَ عنه الوزير، وتعجب الناس من إقدامه عليه.

 واستأذن يوماً على الوزير صاعد بن مخلد، فقال له الحاجب: الوزير مشغول فانتظر، فلما أبطأ إذنه قال للحاجب: ما صنع الوزير. قال: يصفَتي، قال: صدقت لكل جديد لذة، يعيره بأنه حديث عهد بالإِسلام.

 وقد كان أبو العيناء دخل على المتوكل في قصره المعروف بالْجَعْفَرِي، وذلك في سنة ست وأربعين ومائتين، فقال له: كيف قولك في دارنا هذه. فقال: إن الناس بَنَوْا الدور في الدنيا، وأنت بنيت الدنيا في دارك، فاستحسن ذلك ثم قال له: كيف شربك النبيذ. فقال: أعجز عن قليله، وأفتضح من كثيره، فقال له: دَعْ هذا عنك ونادمنا، فقال: أنا امرؤ محجوب، والمحجوب تتخطرف إشارته، ويجور قصده، وينظر منه. إلى ما لا ينظر إليه، وكل مَنْ في مجلسك يخدمك، وأنا أحتاج أن أخْدَمَ، وأخرى لست آمن أن تنظر إلَيَّ بعين رَاضٍ وقلبك غضبان، أو بعين غضبان وقلبك رَاضٍ، ومتى لم أمَيِّز بين هاتين هلكت، فأختار العافية على التعرض للبلاء، فقال: بَلَغنا عنك بَذَاء، قال: يا أمير المؤمنين، قد مدح الله تعالى وذم فقال:  نعم العبد إنه أواب  جل ذكره:  هماز مشاء بنميم  الآية فإن لم يكن البذاءَ بمنزلة العقرب يلدغ النبي والذمي فلا ضَيْرَ في ذلك، قال الشاعر:         
  إذا أنا بالمعروف لم أك صاقداً                      ولم أشتم النَكْسَ اللئيم المذممـا
  ففيمَ عَرَفْتُ الخير والشر باسمه                      وَشَق لي اللّه المدامع والفمـا قال: من أين أنت. قال: من البصرة، قال: ما تقول فيها. قال ماؤها أجاج، وحرها عذاب، وتطيب في الوقت الذي تطيب فيه جهنم. وكان وزيره عبيد اللّه بن يحيى بن خاقان واقفاً على رأسه، قال: ما تقول في عبيد اللّه بن يحيى بن خاقان. قال: نعم العبد، منقسم بين ميمون. قال: يد تسرق، واست تضرط، وهو بمنزلة يهودي قد سرق نصف خزينة، له إقدام ومعه إحكام، إحسانه تكلف، وإساءته طبيعة فأضحكه ذلك منه، ووصله وصرفه.

 هدايا الصفار للمعتضد

 وفي سنة ثلاث وثمانين ومائتين ورَدَتْ هدايا من قبل عمرو بن الليث الصفار: منها مائة دابة من مَهَاري خراسان وجمازات كثيرة وصناديق كثيرة وأربعة آلاف ألف درهم، وكان معها صنم من صُفْر على مثال امرأة لها أربعة أيْدٍ وعليها وشاحان من فضة مُرَصَّعَانِ بالجوهر الأحمر والأبيض، وبين يحيى هذا التمثال أصنام صغار لها أيد ووجوه وعليها الحلي والجوهر، وكان هذا التمثال على عَجَلٍ قد عمل على مقدارها تجره الجمازات؛ فصير بذلك أجمع إلى دار المعتضد؛ ثم رد هذا التمثال إلى مجلس الشرطة في الجانب الشرقي؛ فنصب للنساء ثلاثة أيام ثم رد إلى دار المعتضد، وذلك في يوم الخميس لأربع خلون من شهر ربيع الآخر من هذه السنة؛ فسمت العامة هذا التمثال شغلاً؛ لاشتغالهم عن أعمالهم بالنظر إليه عدة هذه الأيام.

 وقد كان عمرو بن الليث قد حمل هذا الصنم من مدن افتتحها من بلاد الهند ومن جبالها مما يلي بلاد بسط ومعبر وبلاد الحوار، وهي ثغور في هذا الوقت- وهيِ سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة- مما يليها من الأكافر والأمم- المختلفة حَضرٌ وبدْو، فمن الحضر بلاد كابل وبلاد باميان وهي بلاد متصلة ببلاد زابلستان والرخج، وقد قدمنا فيما سلف من هذا الكتاب في أخبار الأمم الماضية والملوك الغابرة أن زابلستان تعرف ببلاد فيروز بن كبك- ملك زابلستان.
 وقد كان عيسى بن علي بن ماهان دخل في طلب الخوارج في أيامِ الرشيد إلى السند وجبالها والقندهار والرخج وزابلستان، ويقتل ويفتح فتوحاً لم يتقدم مثلها في تلك الديار؛ ففي ذلك يقول الأعمى الشاعر المعروف بابن العذافر القمي:         
  كاد عيسى يكون ذا القرنين                      بلغ المغربين والمشرقـين
  لم يَدَع كابلاً ولا زابلسـتـا                      ن فما حولها إلى الرخجين 



يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق