إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 28 سبتمبر 2015

( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي صفحة : 552



( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي

صفحة : 552


  وكان رجل من ولد العباس بن علي بن أبي طالب فو مال وثروة وعز ومنعة وفهم وبلاغة، وهو العباس العلوي، بمدينة السلام، وكان المعتصم يَشْنؤه لحالٍ كانت بينهما، فمكن في نفس المأمون أنه شانئ له ولدولته، ماقِتٌ لأيامه، فلما كان في تلك الليلة لحق العباس بالمأمون على الجسر فقال له المأمون: ما زلت تنتظرها حتى وقعت، فقال: أعيذك باللّه يا أمير المؤمنين، ولكني ذكرت قول اللّه عزّ وجلّ  ما كان لأهل المدينة ومَنْ حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول اللّه، ولا يركبوا بأنفسهم عن نفسه  هذه فحسن موقع ذلك منه، ولم يزل يسايره حتى بلغ المطبق، فلما قتل ابن عائشة قال: يأذن أمير المؤمنين في الكلام. قال: تكلم، قال: اللّه اللّه في الدماء، فإن الملك إذا ضَرِيَ بها لم يصبر عنها، ولم يُبْقِ على أحد، قال: لو سمعت هذا الكلام منك قبل أن أركب ما ركبت ولا سفكت دماً، وأمر له بثلاثمائة ألف درهم.
 وقد أتينا على خبر ابن عائشة هذا، وما أراد من الإِيقاع بالمأمون، وما كان من أمره في كتابنا شي أخبار الزمان.

 موت أبي عبيدة معمر بن المثنى

 وفي سنة إحدى عشرة ومائتين عات أبو عبيدة مَعْمَر بن المثنى بالبصرة، وكان يرى رأي الخوارج، وبلغ نحواً من مائة سنة، ولم يحضر جنازته أحد من الناس، حتى أكترى لها من يحملها، ولم يكن يسلم عليه شريف ولا وضيع إلا تكلم فيه، وله مصنفات حِسَان في أيام العرب وغيرها: منها كتاب المثالب، ويذكر فيه أنصاب العرب وفسادها، ويرميهم بما تسيء الناسَ ذِكْره، ولا يحسن وصفه، وكان أبو نُوَاسٍ الحسن بن هانئ كثير العبث به، وكان أبو عبيدة يقعد في مسجد البصرة إلى سارية من سَوَارية، فكتب أبو نُوَاس عليها في غيبته عنها بهذين البيتين يُعَرِّضُ به:         
  صَلّى الإِلهُ عَلَى لوطٍ وشيعتـه                      أبا عُبيدة قل بالـلّـه آمـينـا
  وأنت عندي بلا شك يقيتُـهـمْ                      مذ احتلمت وقد جاوزت تسعينا فلما جاء أبو عُبيدة ليجلس في مجلسه ويستند على تلك السارية رأى ذلك، فقال: هذا فعلُ الماجِنِ اللواط أبي نواس، حُكّوه وإن كان فيه صلاة على نبي.

 موت أبي العتاهي وشيء من أخباره

 وفي هذه السنة- وهي سنة إحدى عشرة ومائتين- مات أبو العتاهية إسماعيلُ بن القاسم، الشاعر، متنسكاً لابساً للصوف، وكان له مع الرشيد أخبار حسان: من ذلك ما قدمنا ذكره فيما سلف من هذا الكتاب، ومنها أن الرشيد أمر ذات يوم بحمله إليه، وأمر أن لا يكلم في طريقه، ولا يعلم ما يراد منه، فلما صار في بعض الطريق كتب له بعض مَنْ معه في الطريق: إنما يراد قتلك، فقال أبو العتاهية من فوره:         
  ولعل ما تخشاه ليس بكـائن                      ولعل ما ترجُوهُ سوف يكون
  ولعل ما هَوَّنْتَ ليس بهـين                      ولعل ما شَدَّدْتَ سوف يهون وحج في بعض الحجج مع الرشيد، فنزل الرشيد يوماً عن راحلته، ومشى ساعة، ثم أعيا، فقال: هل لك يا أبا العتاهية أن تستند إلى هذا الميل. فلما قعد الرشيد أقبل على أبي العتاهية وقال له: يا أبا العتاهية، حركنا، فقال:         
  هب الدنيا توَاتـيكـا                      أليس الموت يأتيكا.
  ألا يا طالِبَ الدنـيا                      دع الدنيا لشانـيكـا
  وما تصنع بالـدنـيا                      وظل الميل يكفيكا ولأبي العتاهية أخبار وأشعار كثيرة حسان، قد قدمنا فيما سلف من كتبنا جملاً مما اختير من شعره وما انتخب من قوافيه، وكذلك قدمنا من ذلك لمعاً فيما سلف من هذا الكتاب في أخبار خلفاء بني العباس، ومما استحسن من ذلك قوله:         
  أحْـمَــدٌ قـــال لـــي ولـــم يدْرِ مـــا بـــي:                      أتـحـب الـــغـــداة عـــشـــية حـــقـــا.
  فتنفّسْتُ ثم قلت: نعم حُبّاً جرى فِي العروق عِرْقاً فـعـرقـا
  ليتني مُتُّ فاسترحْتُ فإني                      أبـداً مـا حـييت مــنـــهـــا مُـــلَـــقـــى
  لا أرانـــي أبـــقـــى ومـــن يَلْـــقَ مـــا لا                      قَيْتُ مـن لـوعة الــجـــوى لـــيس يبـــقـــى
  فاحْتَسِبْ صحبتي، وقل: رحمة اللّه على صاحِب لنا مات عشقا
  أنا عَبْدٌ لها وإن كنت لا أر                      زَقُ مـنـهـا والـحًـمـد لـلَّـــه عـــتـــقـــا ومما استحسن من شعره أيضاً قوله:         
  يا عُتْبَ مالي ولَـكِ                      يا ليتنِي لـم أرَكِ
  ملكتني فانتهـكـي                      ما شئت أن تنتهكي 



يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق