( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي
صفحة : 551
قصة وفاء وإيثار
وفي سنة تسع ومائتين مات الواقدي، وهو محمد بن عمرو بن واقد مولًى لبني هاشم، وهو صاحب السير والمغازي، وقد ضعف في الحديث، وذكر ابن أبي الأزهر قال: حدثني أبو سهل الرازي، عمن حدثه، عن الواقدي قال: كان لي صديقان أحدهما هاشمي، وكنا كنفس واحدة، فنالتني ضَيْقة شديدة، وحضر العيد، فقالت امرأتي: أما نحن في أنفسنا فنصبر على البؤس والشدة، وأما صبياننا هؤلاء فقد قَطعوا قلبي رحمة لهم؛ لأنهم يَرَوْنَ صبيان الجيران قد تَزَئنُوا في عيدهم وأصلحوا ثيابهم، وهم على هذه الحال من الثياب الرثّةِ، فلوا احْتَلْتَ بشيء تصرفه في كسوتهم، قال: فكتبت إلى صديقي الهاشمي أسأله التوسعة عليَ لما حضر، فوجه إليّ كيساً مختوماً ذكر أن فيه ألف درهم، فما استقر قراري حتى كتب إليَّ الصديقُ الآخر يشكو مثل ما شكوت إلى صاحبي، فوجهت إليه الكيس بحاله، وخرجت إلى المسجد فأقمت فيه ليلي مستحيياً من امرأتي، فلما دخلت عليها استحسنت ما كان مني ولم تعنفني عليه، فبينا أنا كذلك إذ وافى صديقي الهاشمي ومعه الكيس كهيئته، فقال لي: أصْدُقْنِي عما فعلته فيما وجهت إليك، فعرفته الخبر على جهته، فقال: إنك وجهت إلي وما أملك على الأرض إلا ما بعثْتُ به إليك، وكتبت إلى صديقنا أسأله المواساة، فوجه بكيسي بخاتمي، قال: فتواسينا الألف ثلاثاً بعد أن أخرجنا إلى المرأة قبل ذلك مائة درهم، ونمي الخبر إلى المأمون، فدعاني، فشرحت له الخبر، فأمر لنا بسبعة آلاف دينار: لكل واحد ألفا دينارٍ، وللمرأة ألف دينار، وقُبِضَ الواقدي وهو ابن سبع وسبعين سنة.
وفيها كانت وفاة يحيى بن الحسن بن زيد بن علي بن الحسين بن علي ببغداد، وصلى عليه المأمون، وقد أتينا على خبره فيما سلف من كتبنا.
بين أزهر وأبي جعفر المنصور
وفيها مات أزْهَرُ السمان، وكان صديقاً لأبي جعفر المنصور في أيام بني أمية وكانا قد سافرا جميعاً وسمعا الحديث، وكان المنصور يألفه، ويأنس إليه، ويكبر عنده، فلما أفْضَتِ الخلافة إليه أشْخَصَ إليه من البصرة، فسأله المنصور عن زوجته وبناته، وكان يعرفهنَّ بأسمائهم، وأظهر بره وإكرامه، ووَصَله بأربعة آلاف درهم، وأمره أن لا يقدم إليه مستمحاً، فلما كان بعد حَوْلٍ صار إليه، فقال له: ألم آمرك أن لا تسير إليّ مستميحاً، فقال له: ما صرت إليك إلا مسلماً ومجدداً بك عهداً، قال: ما أرى الأمر كما ذكرت، فأمر له بأربعة آلاف درهم، وأمره أن لا يصير إليه مسلماً ولا مستميحاً، فلما كان بعد سنة صار إليه، فقال: إني لم أقدم عليك للأمرين اللذين نهيتني عنهما، وإنما بلغني أن علة عرضت لأمير المؤمنين فأتيته عائداً، فقال: ما أظنك أتيت إلا مستوصلاً، فأمر له بأربعة آلاف درهم، فلما كان بعد الحول ألح عليه بناتُه وزوجتُه، وقلن له: أمير المؤمنين صديقُكَ فارجِع إليه، فقال: ويحكن ماذا أقول له وقد قلت له أتيتك مستميحاً ومسلماَ وعائداً. ماذا أقول في هذه المرة. وبم أحتجُّ. فأبوا على الشيخ إلا الِإلحاح، فخرج فأتى المنصور وقال: لم آتك مسترفداً، ولا زائراً، ولا عائداً، وإنما جئت لسماع حديث كنا سمعناه جميعاً في بلد كذا من فلان عن النبي صلى الله عليه وسلم و فيه اسم من أسماء اللهّ تعالى مَنْ سأل اللّه به لم يرده ولم يخيب دعوته، فقال له المنصور: لا تُرِده فإني قد جَرَّبْته فليس هو بمستجاب، وذلك أني مذ جئتني أسأل اللّه به أن لا يردَّك إلي، وها أنت ترجع لا تنفك من قولك مسلماً أو عائداً أو زائراً. ووصله بأربعة آلاف درهم، وقال له: قد أعيتني فيك الحيلة فصر إني متى شئت
مقتل ابن عائشة
وفي سنة تسع ومائتين ركب المأمون إلى المطبق بالليل حتى قتل ابن عائشة، وهو رجل من ولد العباس بن عبد المطلب، واسمه إبراهيم بن محمد بن عبد الوهاب بن إبراهيم الِإمام أخي أبي العباس والمنصور، وقتل معه محمد بن إبراهيم الإفريقي وغيره، وابن عائشة هذا أول عباسي صُلِبَ في الإِسلام، وتمثل المأمون حين قتله بقول الشاعر:
إذا النار في أحجارها مُسْتَكِنَّة متى ما يُهِجْهَا قادح تتضرم
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق