( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي
صفحة : 550
من أخبار إبراهيم بن المهدي
ومن أحسن ما اختير من أخبار إبراهيم في حال تنقله واختفائه ببغداد خبره مع المزين، وهو أن المأمون لما دخل بغداد على ما ذكرنا فيما سلف من هذا الباب من بَثِّهِ العيون طالباً لإِبراهيم بن المهدي، وجعل لمن دَلَّ عليه جُعْلاً خطيراً من المال، قال إبراهيم: فخرجت في يوم صائف في وقت الظهر لا أدري أين أتَوَجَّهُ، فصرت إلى زُقَاق ولا مَنْفَذَ له، فرأيت أسْوَدَ على باب دارٍ، فصرت إليه وقلت له: أعندك موضع أقيم فيه ساعة من نهار. فقال: نعم، وفتح بابه، فدخلت إلى بيت فيه حصير نظيف ووسادة جلد نظيفة، ثم تركني وأغلق الباب في وجهي وَمَضَى، فتوهمته قد سمع الجعالة فِيَّ، وأنه خرج ليدل عَلَيَ، فبينما أنا كذلك إذ أقبل ومعه طبق عليه كل ما يحتاج إليه من خبز ولحم، وقدر جديد وآلتها، وَجَرَة نظيفة، وكيزان نظاف، كل ذلك جديد، وقال لي: جعلني اللهّ فداك، إني حَجَّام، وإني أعلم أنك تَتَقَذّر ما أتَوَلاّهُ، فشأنك بما لم تقع عليه يدي، وكانت بي حاجة شديدة إلى الطعام، فقمت فطبخت لنفسي قدراً ما أذكر أني أكلت أطيَبَ منها، ثم قال لي بعد ذلك: هل لك في النبيذ. فقلت: ما أكره ذلك، ففعل مثل فعله في الطعام، وأتاني بكل شيء نظيف لم يَمَسَّ شيئاً منه بيده، ثم قال لي بعد ذلك: أتأذن لي جعلني اللّه فداك أن أقعد ناحية منك، فأتي بنبيذ فأشرب منه سروراً بك. قال: فقلت: أفْعَلْ ذلك، فلما شرب ثلاثاً دخل خزانة له وأخرج منها عُوداً وقال: يا سدي، وليس من قدْرِي أن أسألك أن تغني، ولكن قد وجبت عليك حرمتي، فإن رأيت أن نشرف عبدك بأن تغنيه، قال: فقلت: وكيف توهمت عَلَيَّ أني أحسن الغناء. فقال متعجباً: يا سبحان اللّه أنت أشهر من أن لا أعرفك، أنت إبراهيم بن المهدي الذي جعل المأمون لمن دَلَّ عليك مائة ألف درهم، قال: فلما قال لي ذلك تناولْت. العود، فلما هممت بالغناء قال: يا سيدي أتجعل ما تغنيه ما أقترحه عليك. قلت: هات، فاقترح ثلاثة أصوات أتَقَدَّمُ فيها كلَّ مَنْ غَنَّى، قلت: هَبْكَ عرفتني، هذه الأصوات من أين لك بمعرفتها. قال: أنا أخدم إسحاق بن إبراهيم الموصلي، وكثيراً ما كنت أسمعه يذكر المحسنين وما يُجِيدُونَة، ولم أتوهم أني أسمع ذلك منك في منزلي، فغنيته، وأنست به، واستظرفته. فلما كان الليلُ خرجت من عنده، وقد كنت حملت معي خريطة فيها دنانير، فقلت له: خذها فاصرفها في بعض مُؤْنتك، ولك عندنا مزيد إن شاء اللّه تعالى. فقال: ما أعجب هذا واللّه عزمت على أن أعرض عليك جملة ما عندي، وأسألك أن تتفضل بقبولها، ثم أجللتك عن ذلك، وامتنع من قبول شيء، ومضى حتى دَلّنِي على الموضع الذي احتجت إليه، وانصرف، وكان آخر العهد به.
يزيد بن هارون
وفي سنة ست ومائتين- وذلك في خلافة المأمون- مات يزيد بن هارون بن زادان الواسطي، وله تسع وثمانون سنة، وكان مولده سنة سبعَ عشرَةَ ومائةٍ وهو مولى لبني سُلَيم، وكان أبوه يخدم في مطبخ زياد بن أبيه وعبيد الله بن زياد ومصعب بن الزبير والحجاج بن يوسف، ويزيد هذا عند أهل الحديث من عِلْيتهم، وعظيم من عظمائهم، وكانت وفاته بواسط العراق.
موت جماعة من أهل العلم
وفيها مات جرير بن خًزَيمة بن حازم، وشيبة بن سَوَّار المدني، والحجاج بن محمد الأعور الفقيه، وعبد اللّه بن نافع الصائغ المدني مولًى لبني مخزوم، ووهب بن جرير، ومؤمل بن إسماعيل، وروح بن عبادة، وفيها مات الهيثم بن عديٍّ وكان يغمز عليه نسبه، وفيه يقول القائل:
إذا نَسَبْتَ عَدِيّاً في بني ثُـعَـل فقدِّم الدال قبل العين في النسب
قصة وفاء وإيثار
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق