( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي
صفحة : 545
وثالث قد حاز كلتيهـمـا قد جمع الدنيا مع الآخره
ورابع قد ضاع ما بينهـم ليست له دنيا ولا آخـره فأنكر المأمون ذلك في الوقت واستعظمه، وقال: أيكم سمع هذا منه. قالوا: هذا مستفاض من قوله فينا يا أمير المؤمنين، فأمر بإخراجهم عنه، وعَزَلَ يحيى عنهم.
وفي يحيى وما كان عليه بالبصرة يقول ابن أبي نعيم:
يا ليت يحيى لم يلده أكْثَـمُـهْ ولم تطأْ أرضَ العراق قَدَمُهْ
ألْوَط قاضٍ في العراق نَعْلَمه أي دواة لم يلفها قـلـمـه
وأي شِعْبٍ لم يَلِجْهُ أرقمـه وضرب الدهر ضرباته فاتصل يحيى بالمأمون ونادمه، ورخَّصَ له في أمور كثيرة، فقال له يوماً: يا أبا محمد، من الذي يقول:
قاضٍ يري الحدَّ في الزناء، ولا يرى على من يلوط من بـأس قال: ذلك ابن أبي نعيم يا أمير المؤمنين، وهو القائل:
أمِيرُنَا يرتـشـي وحـاكـمـنـا يلوط والـرأس شـر مـا راس
قاضٍ يرى الحدَّ في الـزنـاء ولا يرى على من يلوط مـن بـاس
ما أحسب الجور ينقضي وعلى ال أمة وَالٍ مـن آل عـبـــاس فأطرق المأمون خجلاً ساعة، ثم رفع رأسه وقال: يُنْفَى ابن أبي نعيم إلى السند.
وكان يحيى إذا ركب مع المأمون في سفر ركب معه بمنطقة وقَبَاء وسيف بمعاليق وساسية، وإذا كان الشتاء ركب في أقْبِيَةِ الخز وقلانس السمُّور والسروج المكشوفة، وبلغ من إذاعته ومجاهرته باللواط أن المأمون أمره أن يفرض بنفسه فرضاً يركبون بركوبه ويتصرفون في أُموره، ففرض أربعمائة غلام مُرْداً اختارهم حسان الوجوه، فافتضح بهم، وقال في ذلك راشد بن إسحاق يذكر ما كان من أمر يحيى في الفرض:
خليليَّ انظرا متـعـجِـبَـيْنِ لأظرف منظر مَقَلَتْهُ عَيْنِـي
لفرض ليس يقبـل فـيه إلا أسيل الخدّ ِحلوُ المُقْـلَـتـين
وإلا كلّ أشقَـر أكْـثَـمِـيٍّ قليلُ نبات شعرِ العارِضَـيْن
يُقَدَّم دونَ موقفِ صَاحِـبـيه بقدر جمالِهِ وبـقـبـح ذين
يقودُهُمُ إلى الهيجـاءِ قـاض شديد الطعن بالرمح الرُّدَيْنِي
إذا شهد الوَغى منهم شجـاعُ تجدَّل للجـبـين ولـلـيدين
يقودهم على عِلْـمٍ وحِـلْـمٍ ليوم سـلامة لا يوم حَــيْنِ
وصار الشـيخ مـنـحـنـياً عليه بمدمجه يجوزُ الركبتين
يغادرهم إلى الأذهان صَرْعى وكلهم جريحُ الخـصـيتـين وفيه يقول راشد أيضاً:
وكنا نرجِّي أن نرى العدل ظاهراً فأعقبنا بعد الـرجـاء قُـنُـوطُ
متى تَصْلُح الدنيا ويصلح أهْلُهَـا وقاضي قضاة المسلمين يلـوط وكان يحيى بن أكثم بن عمرو بن أبي رباح من أهل خراسان من مدينة مَرْوَ، وكان رجلاً من بني تميم، وسخط عليه المأمون في سنة خمس عشرة ومائتين وذلك بمصر، وبعث به إلى العراق مغضوبَاً عليه، وكان قد كتب الحديث وتفقّه للبصريين كعثمان البَتَيِّ وغيره وله مصنفات في الفقه وفي فروعه وأصوله، وكتاب أفرده سماه بكتاب التنبيه يردُّ فيه على العراقيين وبينه وبين أبي سليمان أحمد بن أبي عُوَاد بن علي مناظرات كثيرة.
وفاة الِإمام الشافعي
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق