إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 28 سبتمبر 2015

( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي صفحة : 542 رجل يرفع قصة للمأمون



( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي

صفحة : 542


 رجل يرفع قصة للمأمون
 
  وحكى الجوهري عن العتبي، عن عباس الديري، قال: رفع رجل قصة إلى المأمون، وسأله أن يأذن له في الدخول عليه، والاستماع منه، فأذن له، فدخل فسلّم، فقال له المأمون: تكلم بحاجتك، قال: أخبر أمير المؤمنين أن مصائب الدهر وأعاجيب الأيام ومحن الزمان قصدتني فأخذت مني ما كانت الدنيا أعطتني، فلم تبق لي ضيعة إلا خربت ولا نهر إلا اندقر، ولا منزل إلا تهدَّمَ، ولا مال إلا ذهب، وقد أصبحْتُ لا أملك سَبَداً ولا لَبَداً، وعليً دَيْن كثير، ولي عيال وأطفال وصبية صغار، وأنا شيخ كبير، قد قَعَدَت بي المطالب، وكبرت عني المكاسب، وبي حاجة إلى نظر أمير المؤمنين وعطفه، قال: فبينما هو في الكلام إذ ضرَطَ، فقال: وهذا يا أمير المؤمنين من عجائب الدهر ومحنته، ولا واللّه ما ظهر مني قط إلا في موضعه، فقال المأمون لجلسائه: ما رأيت قط أقوى قلباً ولا أرْبَطَ جأشاً ولا أشَدَّ نفساً من هذا الرجل، ثم أمر له بخمسين ألف درهم مُعَجًلة.

 المأمون وأبو العتاهية

 قال أبو العتاهية: وَجَّه إليَّ المأمون يوماً فصِرْتُ إليه، فألفيته مُطْرِقاً متفكراً مغموماً، فأحجمت عن الدنو إليه وهو على تلك الحال، فرفع رأسه وأشار بيده: أن ادْنُ، فدنوت، فأطْرَقَ ملياً ثم رفع رأسه فقال: يا إسماعيل، شأن النفس الملَلُ، وحُبًّ الاستطراف، والأنس بالوحدة، كما نأنس بالألفة، قلت: أجل يا أمير المؤمنين، ولي في هذا بيت شعر، قال: وما هو. قلت:         
  لا يُصْلح النَّفْسَ إذ كان مُصَرّفة                      إلا التنقُّلُ من حال إلى حـال قال: أحسنت زدني، فقلت: لا أقدر على ذلك، وآنسته بقية يومه، وأمر لي بمال، فانصرِفت.

 المأمون ورجل عامي

 ويحكى أن المأمون أمر بعض خواصِّهِ من خَدَمِه أن يخرج فلا يرى أحداً في الطريق إلا أتى به كائناً مَنْ كان من رفيع أو خسيس، فأتاه برجل من العامة، فدخل وعنده المعتصم أخوه ويحيى بن أكثم ومحمد بن عمرو الرومي، وقد طبخ كل واحد منهم قِدْراً، فقال محمد بن إبراهيم الطاهري للرجل العامي: هؤلاء من خواص أمير المؤمنين فأجبهم عما يسألون، فقال المأمون: إلى أين خرجت في هذا الوقت وقد بقي عليك من الليل ثلاث ساعاتٍ. فقال: غرني القمر، وسمعت تكبيراً فلم أشك أنه أذان، فقال له المأمون: اجلس، فجلس، فقال له المأمون: قد طبخ كل واحد منا قِدْراً هو ذا يقدِّمُ إليك من كل واحد منها قَدْراً فذق ذلك فأخبر عن فضائلها وما ترى من طيبها، فقال: هاتوا، فقدمت في طبق كبير كلها موضوعة عليه لا تمييز بينها، ولكل واحدة ممن طبخها علامة، فبدأ فذاق قِدْراً طبخها المأمون فقال: زه، وأكل منها ثلاث لقمات، وقال: أما هذه فكأنها مسكة وطباخها حكيم نظيف ظريف مليح، ثم ذاق قدر المعتصم، فقال: هذه واللّه فكأنها والأولى من يد واحدة خرجَتَا، وبحكمة متساوية طبختا، ثم ذاق قدر محمد بن عمرو الرومي فقال: وهذه قِدْرُ طباخٍ ابن طباخ أجاد، ما أحكمه، ثم ذاق قدر يحيى بن أكثم القاضي فأعرض بوجهه، وقال: شه، هذه واللّه جعل طباخها فيها مكان بصلها خرا، فضحك القوم وذهب بهم الضحك كلَّ مَذْهَب، وقعد يحادثهم ويطايبهم ويتلهَّى معهم، وطابوا معه، فلما برق الفجر قال له المأمون: لا يخرجَنَّ منك ما كنا فيه، وعلم أنه علم بهم، فوَصَله بأربعة آلاف دينار، وقَسَّط له على أصحاب القدور كل واحد منهم على قدر مرتبته، وقال: إياك أن تعود إلى الخروج في مثل هذا الوقت مرةَ أخرى، فقال: لا أعدمكم الله الطبيخ ولا أعدمني الخروج، فسألوه عن تجارته، وعرفوا منزله، وجعل يعدُّ في خدمة المأمون وخمدة الجميع، وصار في جملتهم.

 عيّ المأمون عن جواب ثلاثة
 



يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق