( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي
صفحة : 535
ولما وضع رأس الأمين بين يدي طاهر قال: اللهم مالك الملك، تؤتي الملك من تشاءُ، وتنزع الملك ممن تشاء، وتعزمن تشاء، وتذل من تشاء، بيدك الخير، أنك على كل شيء قدير وَحُمِل الرأس إلى خراسان إلى المأمون في منديل والقطنُ عليه والأطْلِيَةُ، فاسترجع المأمون وبكى واشتد تأسفه عليه، فقال له الفضل بن سهل: الحمد لله يا أمير المؤمنين على هذه النعمة الجليلة، فإن محمداً كان يتمنى أن يراك بحيث رأيته، فأمر المأمون بنصب الرأس في صَحْنِ الدار على خشبة، وأعطى الجند، وأمر كل من قبض رزقه أن يلعنه، فكان الرجل يقبض ويلعن الرأس، فقبض بعض العجم عَطَاءه، فقيل له: العن هذا الرأس، فقال: لعن اللّه هذا ولعن والديه وما ولدا وأدخلهم في كذا وكذا من أمهاتهم، فقيل له: لعنت أمير المؤمنين، وذلك بحبث يسمعه المأمون منه فتبَسَّمَ وتغافل، وأمر بحَطِّ الرأس، وترك ذلك المخلوع، وطيب الرأس وجعله في سَفَطٍ، وردهُ إلى العراق فدفن مع جثته، ورحم اللّه أهل بغداد وخلصهم مما كانوا فيه من الحصار والجزع والقتل، ورثاه الشعراء، وقالت زبيمة أم جعفر والدته:
أودى بإلفك من لم يترك الناسـا فامنح فؤادك عن مقتولك الياسا
لًمّا رأيتُ المنايا قد قَصَدْنَ لـه أصَبْنَ منه سواد القلب وَالراسا
فبتُ متكئاً أرْعَى النُّجُـومَ لَـه إخَال سنته في الليل قِرْطَاسَـا
والموت دان له، وَالهَم قـارنـه حتى سَقَاه التي أودت بها الكَاسَا
رزئته حين بَاهَيْتُ الرِّجَال بـه وقد بنيت به للدهـرأسـاسـا
فليس مَنْ مات مَردوداً لنا أبـداً حتى يَرُدَّ علينا قبـلـه نَـاسَـا ورَثَتْهُ زوجته لُبَابة ابنة علي بن المهدي، ولم يكن دخل بها، فقالت:
أبكيك لا للنـعـم وَالأنـس بل للمعالي والسيف والترس
أبكي على سيد فُجِعْـتُ بـه أرْمَلَنِي قبل ليلة الـعـرس
يا مالكاً بالعَرَاءِ مُطَّـرَحـا خانته أشْرَاطه مع الحرس ولما قتل محمد دخل إلى زبيدة بعضُ خدمها، فقال لها: ما يجلسك وقد قتل أمير المؤمنين محمد، فقالت: وَيْلَك وما أصنع. فقال: تخرجين فتطلبين بثأره كما خرجَتْ عائشة تطلب بدم عثمان، فقالت: أخسأ لا أم لك، ما للنساء وطلب الثِّأْر ومنازلة الأبطال. ثم أمرت بثيابها فسودت، ولبست مسحاً من شَعَرٍ، ودعت بدواة وقرطاس، وكتبت إلى المأمون:
لخير إمام قام من خـيرعُـنْـصُـر وَأفضل رَاق فوق أعواد مـنـبـر
ووارث علم الأولـين وفـخـرهـم وللملك المأمون من أم جـعـفـر
كَتَبْتُ وعيني تستهـلُّ دمـوعُـهَـا إليك ابن عمي من جُفُوني ومحجري
أصِبْتُ بأدنى الناس مـنـك قـرابة وَمَنْ زال عن كبدي فقَلَّ تَصبـرِي
أتى طاهر، لا طهَرَ الله طـاهـراً، وما طاهر في فعله بـمُـطـهَـر
فأبرزني مكشوفة الوجـه حـاسـراً وأنهبَ أمـوالـي وَآخـربَ أدؤري
يعزُّعَلَى هارون مـا قـد لَـقِـيتُـهُ وما نالذي من ناقص الخلق أعـور
فإن كان ما أسْدَى لأمـر أمـرتـه صبرتُ لأمـرمـن قـديرمـقـدَر فلما قرأ المأمون شعرها بكى ثم قال: اللهم إني أقول كما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم اللّه وجهه لما بلغه قتلُ عثمان: والله ما قتلت، ولا أمرت، ولا رضيت اللهم جلَلْ قلب طاهرحزنَاً قال المسعودي: وللمخلوع أخبار وسير غير ما ذكرنا قد أتينا عليها في كتابينا في أخبار الزمان وفي الكتاب الأوسط، فأغنى ذلك عن ذكرها في هذا الكتاب، والله-سبحانه- ولي التوفيق.
ذكر خلافة المأمون
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق