13
( أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم ) للمقدسي
الجزء الأول
أقاليم العرب
جزيرة العرب
مكة:
هي مصر هذا الإقليم قد خطت حول الكعبة في شعب واد، رأيت لها ثلاث نظائر عمان بالشام واصطخر بفارس وقرية الحمراء بخراسان. بناؤها حجارة سود ملس وبيض أيضاً، وعلوها الاجركثيرة الاجنحة من خشب الساج، وهي طبقات مبيضة نظيفة، حارة في الصيف إلا أن ليلها طيب قد رفع الله عنهم مؤونة الدفأ وأراحهم من كلف الاصطلاء. وكلما نزل عن المسجد الحرام يسمونه المسفلة، ؤما ارتفع عنه المعلاة، وعرضها سعة الوادي. والمسجد في ثلثى البلد إلى المسفلة، والكعبة في وسطه، وفيه طول باب الكعبة مرتفع عن الأرض نحو قامة، عليه مصراعان ملبسان بصفائح الفضة قد طليت بالذهب قبال المشرق، طول المسجد ثلاثمائة ذراع وسبعون ذراعاً، وعرضه ثلاثمائة وخمسة عشر ذراعاً. وطول الكعبة أربعة وعشرون ذراعاً وشبر في ثلاثة وعشرين ذراعاً وشبر، وذرع دور الحجر خمسة وعشرون ذراعاً، وذرع الطواف مائة ذراع وسبعة أذرع، وسمكها في السماء سبعة وعشرون ذراعاً، والحجر من قبل الشام فيه يقلب الميزاب شبه أندر قد البست حيطانه بالرخام مع أرضه، إرتفاعها حقو ويسمونه الحطيم، والطواف من ورائه ولا يجوز الصلاة إليه. فإن قال قائل إذا لم يجز الطواف إلا عليه فأجز الصلاة إليه، قيل له هذا كلام غيرفهيم لأنه مشكوك فيه فوجب أن يحتاط فيه من الوجهين. والحجر الاسود على الركن الشرقي عند الباب على لسان الزاوية مثل رأس الانسان، ينحني إليه من قبله يسيراً. وقبة زمزم تقابل الباب الطواف بينهما، ومن ورائها قبة الشراب، فيها حوض كان يسقي فيه السويق والسكر في القديم. والقام بازاء وسط البيت الذي فيه الباب وهو أقرب إلى البيت من زمزم، يدخل في الطواف أيام الموسم ويكب. عليه صندوق حديد عظيم راسخ في الأرض، طوله أكثر من قامة، وله كسوة ويرفع المقام في كل موسم إلى البيت، فإذا رد جعل عليه صندوق خشب له باب يفتح أوقات الصلاة، فإذا سلم الامام إستلمه ثم أغلق الباب، وفيه أثر قدم إبراهيم عم، مخالفة، وهو أسود وأكبر من الحجر. وقد فرش الطواف بالرمل، والمسجد بالحصى، وأدير على صحنه أروقة ثلاثة على أعمدة رخام، حملها المهدي من الاسكندرية في البحر إلى جدة، والمسجد من بنائه. قد ألبست حيطان الأروقة من الظاهر بالفسيفساء حمل إليها صناع الشام ومصر، الا ترى اسماءهم عليه وله تسعة عشر باباً: باب بني شيبة، باب النبي، باب بني هاشم، باب الزياتين، باب البزازين، باب الدقاقين، باب بني مخزوم، باب الصفا، باب زقاق الشطوي، باب التمارين، باب دار الوزير، باب جياد، باب الحزورة، باب إبراهيم، باب بني سهم، باب بني جمح، باب العجلة، باب الندوة، باب البشارة، وإليه الاسواق من المشرق والجنوب، ودور المصريين ومنازلهم من الغرب. ويقع السعي بين الصفا والمروة في السوق الشرقي، والعدو من قرنة المسجد إلى باب بني هاشم وثم أميال خضر، وخلف هذين السوقين آخران إلى آخر المعلاة بينهما منافذ. فمن دخل من العراق وأراد باب بني شيبة فليتيامن وليسلك سوق رأس الردم ولا يسلك سوق الليل. ومن أراده من المصريين فإذا بلغ الجراحية خارج البلد عطف على اليسار إلى الثنية، ثم انحدر على المقابر إلى مدخل العراقيين. ويدخل إليها من ثلاثة وجوه، أبواب منى نحو العراق دربان ثم درب العمرة ثم درب اليمن بالمسفلة، الجميع مصفحة بالحديد والبلد محصن. وأبو قبيس مطل على المسجد يصعد إليه من الصفا في درج. وقد أحاط بالطواف أميال من الصفر وخشبات فيها قناديل معلقة، ويجعل فوقها الشمع لملوك مصر واليمن والشار صاحب غرجستان.
وبمكة ثلاث برك تملأ من قناة شقتها زبيدة من بستان بني عامر، وآبار عذيبية ومستغلاتهم الدور. أخبرنا أبو بكر بن عبدان الشيرازي، قال: حدقنا علي بن الحسين ابن معدان، قال: حدثنا محمد بن سليمان لوين المصيصي، قال: حدثنا أبو الأحوص عن الأشعث بن سليم عن الاسود بن يزيد، قال: قالت عائشة رضها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الحجر من البيت هو، قال: نعم، قلت: فمالهم لم يدخلوه في البيت، فقال: أن قومك قصرت بهم النفقة، قلت: فماشأن بابه مرتفعاً، قال: فعل ذلك قومك ليدخلوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا، ولولا أن قومك حديث عهد بالجاهلية فأخاف تنكر قلوبهم لنظرت أن أدخل الحجر في البيت وأن الزق بابه بالأرض. ويقال أن ابن الزبيرأدخل عشرة من مشايخ الصحابة حتى سمعوا ذلك منها، ثم أمر بهدم الكعبة فاجتمع إليه الناس وأبوا ذلك، فأبى إلا هدمها، فخرج الناس إلى فرسخ خوفاً من نزول عذاب، وعظم ذلك عليهم ولم يكن ألا الخير. وبناها على ما حكت عائشة وتراجع الناس، فلما قدم الحجاج تحرم ابن الزبير بالكعبة، فأمر بوضع المنجنيق على أبي قبيس وقال: ارموا الزيادة التي ابتدعها هذا المكلف، فرموا موضع الحطيم، وأخرج ابن الزبير وصلبه، ورد الحائط كما كان في القديم، وأخذ بقية الاحجار فسد منها الباب الغربي، ورصف بقيتها في البيت كيلاتضيع.
وسمعت بعض مشايخ القيروان يقول حج المنصور فرأى صغر المسجد الحرام وشعثه وقلة معرفتهم بحرمته، ورأى ا الإعرابي يطوف بالبيت على بعيره وبجاوية، فساءه ذلك وعزم على شراء ما حوله من الدور وزيادتها فيه، وتفخيمه وتجصيصه. فجمع أصحابها ورغبهم في الاموال الجمة فتابوا عن بيعها وضنوا بجوار بيت الله الحرام، فاهتم لذلك ولم يجز أن يغصبها عليهم، ولم يظهر للناس ثلاثة أيام. وتحدث الناس بذلك وأبو حنيفة في تلك السنة حاج، ليس له بعد ذكر ولا ظهر الناس على فقهه، وصائب رأيه، قال: فقصد خيامه وكانت بالابطح، فسأل عن أمير المؤمنين وما الذي غيب شخصه. فذكرت القصة، فقال: هذا باب هين لو قد لقيته عرضته عليه. فأنهي ذلك إليه، فأمر بإحضاره. فلما سأله عن ذلك قال أبو حنيفة: يحضرهم أمير المؤمنين فيسألهم أهذه الكعبة نزلت عليكم أم أنتم نزلتم عليها. فإن قالوأ نزلت علينا كذبوا، لأن منها دحيت الأرض. وإن قالوا نحن نزلنا عليها، فجوابهم أنه قد كثر زوارها وضاقت ساحتها، فهي أحق بفنائها، ففرغوه لها. فلما جمعهم وسألهم قال سفيرهم وكان رجلاهاشمياً، نحن نزلنا عليها. قال: ردوا فناءها فقد كثر زوارها واحتاجت إليه، فبهتوا ورضوا بالبيع. وهذه الحكاية تقوي أحدى الروايتين عن أبي حنيفة كراهية بيع دور مكة وأخذ أجورها إلا على تأويل.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق