( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي
صفحة : 548
المأمون وعلي بن موسى الرضا
ووصل إلى المأمونُ أبو الحسن علي بن موسى الرضا، وهو بمدينة مَرْوَ، فأنزله المأمون أحسنَ إنزال، وأمر المأمون بجميع خواص الأولياء، وأخبرهم أنه نظر في ولد العباس، وولد علي رضي الله عنهم، فلم يجد في وقته أحداً أفْضَلَ ولا أحَقَّ بالأمر من علي بن موسى الرضا، فبايَعَ له بولاية العهد، وضرب اسمه على الدنانير والدراهم، وزوّج محمد بن علي بن موسى الرضا بابنته أم الفضل، وأمر بإزالة السواد من اللباس والأعلام وأظهر بدلاً من ذلك الخضرة في اللباس والأعلام وغير ذلك ونمي ذلك إلى مَنْ بالعراق من ولد العباس، فأعْظَمُوهُ إذ علموا أن في ذلك خروج الأمر عنهم، وَحَجَّ بالناس إبراهيم بن موسى بن جعفر أخو الرضا بأمر المأمون، واجتمع مَنْ بمدينة السلام من ولد العباس ومواليهم وشيعتهم على خلع المأمون ومبايعة إبراهيم بن المهدي المعروف بابن شِكْلَةَ، فبويع له يوم الخميس لخمس ليالٍ خَلَوْنَ من المحرم سنة اثنتين ومائتين، وقيل: إن ذلك في سنة ثلاث ومائتين.
مقتل الفضل بن سهل
وفي سنة اثنتين ومائتين قتل الفضل بن سهل ذو الرياستين في حمامٍ غِيلَةً، وذلك بمدينة سرخس من بلاد خُرَاسان، وذلك في دار المأمون في مسيره إلى العراق فاستعظم المأمون ذلك وقتل قَتَلَتَه، وسار المأمون إلى العراق.
موت علي بن موسى الرضا
وَقُبِضَ عليُّ بن موسى الرضا بطوس لعنب أكله وأكثر منه، وقيل: إنه كان مسموماً، وذلك في صفر سنة ثلاث ومائتين، وصلى عليه المأمون، وهو ابن ثلاث وخمسين سنة، وقيل: سبع وأربعين سنة وستة أشهر. وكان مولده بالمدينة سنة ثلاث وخمسين ومائة للهجرة، وكان المأمون زَوَّجَ ابنته أم حبيبة لعلي بن موسى الرضا، فكانت إحدى الأختين تحت محمد بن علي بن موسى، والأخرى تحت أبيه علي بن موسى.
إبراهيم بن المهدي يخرج على المأمون
واضطربت بغداد في أيام إبراهيم بن المهدي، وثارت الرويبضة، وسموا أنفسهم المطوعة، وهم رؤساء العامة والتوابع، ولما قرب المأمون من مدينة السلام صلى إبراهيم بن المهدي بالناس في يوم النحر، واختفى في يوم الثاني من النحر، وذلك في سنة ثلاث ومائتين، فخلعه أهْلُ بغداد، وكان دخوله المأمون بغداد سنة أربع ومائتين، ولباسه الخضرة، ثم غير ذلك، وعاد إلى لباس السواد، وذلك حين قدم طاهر بن الحسين من الرقة إليه.
خروج بابك الخرمي
وفي سنة أربع ومائتين كان القحط العظيم ببلاد المشرق والوباء بخراسان وغيرها، وفيها كان خروج بابك الخَرّمِيِّ ببلاد البدين في أصحاب جاويذان بن شهرك، وقد قَدَمنا ذكرنا بلاد بابك، وهي البدين من أرض أذربيجان والران والبيلقان فيما سلف من هذا الكتاب عند ذكرنا لجبل القبخ والباب والأبواب ونهر الراس وجريانه نحو بلاد البدين.
الظفر بإبراهيم
وَبَثَّ المأمون عيونه في طلب إبراهيم بن المهدي، وقد علم باختفائه فيها، فظفر به ليلة الأحد لثلاث عشرة ليلة خَلَتْ من شهر ربيع الآخر سنة سبع ومائتين في زيّ امرأة، ومعه امرأتان، أخذه حارس بن أسود في الدرب المعروف بالطويل ببغداد، فأدخل إلى المأمون فقال: هيه يا إبراهيم، فقال: يا أمير المؤمنين، وليُّ الثأر مُحَكَّم في القصاص، والعفو أقرب للتقوى، ومن تناوله الزمان واستولى عليه الاغترار بما مدَ له من أسباب الشقاء أمكن عادية الدهر من نفسه، وقد جعلك اللّه فوق كل ذي عفو، كما جعل كل في ذنب دوني، فإن تُعَاقِبْ فبحقك، وإن تَعْفُ فبفضلك، قال: بل العفو يا إبراهيم، فكَبَّرَ ثم خَرَّ ساجداً، فأمر المأمون فصيرت المقنعة التي كانت عليه على صدره ليرى الناس الحال التي أخذ عليها، ثم أمر به فصير في دار الحرس أياماً ينظر الناسُ إليه، ثم حول إلى أحمد بن أبي خالد، ثم رضي عنه من بعد أن كان وكَلَ به، فقال إبراهيم في ذلك من كلمة له:
إن الذي قَسَمَ المكارم حَازَهَـا من صُلْبِ آدم للإمام السابـع
جمع القلوبَ عليك جامعُ أهلها وَحَوَى ودادك كل خير جامـع
فبذلتَ أعظم ما يقوم بحمـلـه وُسْعُ النفوس من الفعال البارع
وَعَفَوْتَ عَمَّنْ لم يكن عن مثله عفو ولم يشفع إليك بشـافـع
زواج المأمون ببوران بنصَ الحسن بن سهل
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق