إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 8 أكتوبر 2014

1948 موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية للدكتور عبد الوهاب المسيري المجلد السادس: الصهيــونيــــة الجزء الثاني: تاريخ الصهيونية الباب الأول: تاريخ الصهيونية تاريــــــخ الصهيونيــة: مقدمــــة History of Zionism: Introduchion


1948

موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية

للدكتور عبد الوهاب المسيري

المجلد السادس: الصهيــونيــــة

الجزء الثاني: تاريخ الصهيونية

الباب الأول: تاريخ الصهيونية

تاريــــــخ الصهيونيــة: مقدمــــة

History of Zionism: Introduchion

يرى الصهاينة والمعادون لليهود أن الحركة الصهيونية بدأت مع التاريـخ اليهـودي نفسه وأنها لازمت اليهود عَبْر تاريخهم بعد تحطيم الهـيكل، وذلك لسـببين: واحـد سـلبي والآخــر إيجابي. أما السلبي، فهو ظاهرة العداء لليهود والمذابح والاضطهاد اللذين تعرَّض لهما اليهود في كل مكان وكل زمان، وهي ظاهرة حتمية أزلية من المنظور الصهيوني. أما السبب الإيجابي، فهو الرغبة العارمة لدى اليهودي في العودة إلى فلسطين (أرض الوطن ـ أرض الأجداد والأسلاف ـ الوطن القومي ـ أرض الميعاد) حيث إنه يشعر بالاغتراب العميق في أرض المنفى (الأمر الذي أدَّى إلى إفساد الشخصية اليهودية). وتعود هذه الرغبة إلى أن اليهود، من منظور صهيوني، يشكلون قومية رغم أنهم لا يوجدون في مكان واحد ولا يتحدثون لغة واحدة ولا يتسمون بسمات عرْقية أو نفسية واحدة ولا يخضعون لظروف اقتصادية واحدة. وقد بدأت المسألة اليهودية يوم أن ترك اليهود وطنهم قسراً. والصهيونية هي التي ستضع نهاية لهذا الوضع، وهي ستفعل ذلك عن طريقة آلية جديدة، فهي ترفض سلبية اليهودية الحاخامية وخنوع الشخصية اليهودية، وبالتالي سوف تحرِّض اليهود على العودة بأنفسهم إلى فلسطين ليحققوا تطلُّعهم القومي وستقوم بتنظيمهم لتحقيق هذا الهدف. ولكل هذا، تنظر الصهيونية إلى نفسها باعتبارها التعبير الحقيقي والوحيد عن مسار التاريخ اليهودي.

لكن هذه الرؤية الصهيونية لتاريخ الصهيونية ليس ذات مقدرة تفسيرية عالية إذ أنها تفشل في أن تفسر سبب ظهور الصهيونية بين اليهود في أوربا في أواخر القرن التاسع عشر ولم تظهر قبل ذلك التاريخ في مكان آخر. ولو كان سبب ظهور الصهيونية هو عداء الأغيار لليهود ورغبتهم العارمة في العودة، لكان الأولى أن تظهر الصهيونية إبان حروب الفرنجة على سبيل المثال. وكيف نفسر ظهور الفكر الصهيوني في الأوساط الاستعمارية الغربية وهم لا يدينون باليهودية ولا يوجد عندهم أي تطلُّع للعودة ولم يتعرضوا لاضطهاد الأغيار؟
وفي تصوُّرنا أن الصهيونية تعود إلى مركب من الأسباب التاريخية والحضارية والفكرية (انظر: «السياق التاريخي والاقتصادي والحضاري للصهيونية» ـ «المصادر العلمانية للفكر الصهيوني») لعل أهمها طراً هو ظهور الإمبريالية كرؤية معرفية وحركة سياسية اكتسحت العالم بأسره وحولته نظرياً وفعلياً إلى مادة لا قداسة لها تُوظَّف في خدمة الشعوب الغربية. وقد واكب هذا ظهور معاداة اليهود الحديثة التي ارتبطت تماماً بتصاعُد معدلات العلمانية الشاملة والعنصرية. ومن هذه النقطة سنطرح تعريفاً للصهيونية، وسوف يتضمن هذا التعريف الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة التي تنظر إلى اليهود من الخارج، وسنضع بين قوسين الديباجات الصهيونية اليهودية التي هوَّدت الصيغة ومن ثم يسَّرت على المادة البشرية المستهدفة استبطانها.

ويمكن تعريف الصهيونية بشكل مبدئي بأنها حركة داخل التشكيل السياسي والحضاري الغربي تنظر إلى اليهود من الخارج باعتبارهم فائضاً بشرياً، فهم بقايا الجماعات الوظيفية اليهودية التي فَقَدت وظيفتها ونفعها وتحوَّلت إلى شعب عضوي منبوذ وفائض بشري لا نفع له (ويتم تهويد هذا حيث ينظر اليهود إلى أنفسهم من الداخل باعتبارهم الشعب المختار أو الشعب العضوي أو الشعب الذي فقد وطنه ولذا فهو لا يمكنه تحقيق رسالته). هذا الفائض (الشعب) يجب أن يُهجَّر (يعود) من أوطانهم (أرض المنفى) إلى خارج أوربا في أية بقعة في العالم. ثم تحدَّدت البقعة بفلسطين (صهيون أو إرتس يسرائيل أو أرض إسرائيل في المصطلح الصهيوني). وسيتم نقلهم حتى يتم توظيفهم وتحويلهم إلى عنصر استيطاني قتالي يقوم على خدمة المصالح الغربية (واحة الديموقراطية الغربية ـ نور الأمم ـ مركز الثقافة اليهودية ـ وطن قومي يهودي ـ مكان تحقق فيه رسالة اليهود المقدَّسة) نظير أن يضمن الغرب بقاءه واستمراره داخل إطار الدولة الوظيفية.

وحركة النقل السكاني هذه تتضمن حركة أخرى لا تذكرها الأدبيات الصهيونية إلا نادراً. فالعنصر السكاني الجديد لن يقوم باستبعاد السكان الأصليين أو استغلالهم عن طريق سرقة أرضهم وتحويلهم إلى عمالة رخيصة وإنما سيحل محلهم. فالمستوطن الصهيوني يريد الأرض خالية من السكان، وبالتالي لابد من التخلص منهم إما عن طريق الإبادة (على الطريقة الأمريكية)، وهذا أمر أصبح مستحيلاً، أو عن طريق التهجير، ومن ثم فإن المشروع الصهيوني ليس مشروعاً استعمارياً غربياً وحسب، وليس مشروعاً استعمارياً استيطانياً وحسب، وإنما هو مشروع استعماري غربي، استيطاني إحلالي، له ديباجات يهودية فاقعة.

ورغم هذه الديباجات، ومع أن هناك بعض ملامح خصوصية بل متفردة في الصهيونية، فإنها في تصوُّرنا ليست حركة عالمية، فهي ليست ثمرة تفاعل حركيات عالمية على مستوى التاريخ العالمي وإنما ثمرة قوى حضارية وسياسية واجتماعية داخل التشكيل الحضاري الغربي. بل نذهب إلى أن الصهيونية إشكالية كامنة داخل الحضارة الغربية ولا يمكن فهمها بمعزل عن سياق هذه الحضارة وتياراتها الفكرية والقوى السياسية والاجتماعية التي تعتمل فيها والإشكاليات الكبرى التي تواجهها. ولعل معظم الناس يسمونها «صهيونية عالمية» لأنها أطلقت على نفسها هذا الاسم، ولأنه حدث ترادف كامل في عقول معظم الناس بين ما هو غربي وما هو عالمي.

ولكل هذا، فإن تاريخ الصهيونية هو بالدرجة الأولى جزء لا يتجزأ من تاريخ الحضارة الغربية، ولا يمكن فهمه خارج حركيات هذا التاريخ. وسنستخدم الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة كوحدة تحليلية تبسيطية أساسية نقدم من خلالها تاريخ الصهيونية. ولنا أن نلاحظ أن التاريخ الذي نقدمه من خلال الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة مرتبط تماماً بتاريخ تحوُّل الجماعات اليهودية في الغرب إلى جماعات وظيفية وبفقدانها هذا الدور في عصر النهضة. وهو الأمر الذي أدَّى إلى تصاعد حمى معاداة اليهود وتزايد وتيرة الدعوة الصهيونية بين غير اليهود ثم بين اليهود، فهو إطار تاريخي عام ينتظم تاريخ الغرب وتاريخ الصهيونية بين غير اليهود واليهود وتاريخ معاداة اليهود. ونحن نصر دائماً على ما نسميه «نظرية الصهيونيتين»، أي أن هناك صهيونيتين، واحدة توطينية وأخرى استيطانية، لكلٍّ رؤيتها وتاريخها ومصالحها وجماهيرها، ولكنهما تحالفا بعد صدور وعد بلفور. ولكن، رغم هذا التحالف، فإن كل صهيونية لا تزال محتفظة بتوجُّهها ومقاصدها وجماهيرها.

وفي مداخل هذا الباب سنقوم أولاً بتقديم السياق التاريخ والاقتصادي والحضاري للصهيونية، ثم نقدم تاريخاً موجزاً للفكر والحركة الصهيونية. وفي بقية مداخل الباب سنقدم تواريخ الحركة الصهيونية في مختلف بلاد العالم.



يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق