إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 7 أكتوبر 2014

1859 موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية للدكتور عبد الوهاب المسيري المجلد الخامس: اليهودية.. المفاهيم والفرق الجزء الثالث: الفرق الدينية اليهودية الباب التاسع: اليهودية وأعضاء الجماعات اليهودية وما بعد الحداثة الأثــر Trace



1859


موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية

للدكتور عبد الوهاب المسيري

المجلد الخامس: اليهودية.. المفاهيم والفرق
  
الجزء الثالث: الفرق الدينية اليهودية

الباب التاسع: اليهودية وأعضاء الجماعات اليهودية وما بعد الحداثة

الأثــر

Trace

«الأثر» ترجمة لكلمة «تريس trace» الإنجليزية، وهو من المفاهيم الأساسية في فكر دريدا والمرتبط تمام الارتباط بمفهوم الاخترجلاف. والاخترجلاف هو القوة الكامنة في اللغة الدافعة لها والمقوضة للدلالة. ويبيِّن دريدا أن معنى الكلمة (دلالتها) ليـس كامناً فيهـا، فهي لا جـوهر لها، وإنما يتحدد من خلال الاخترجلاف. أي أن مدلول كل كلمة يتحدد من خلال غياب المدلولات الأخرى، فحضور الدال وارتباطه بمدلوله هو غياب الدوال والمدلولات الأخرى. ولكن، رغم غياب الدوال الأخرى، فإن الدال الحاضر يستدعيها عن غير وعي. ولذا، فإنني حينما أفكر في الدال الماثل أمامي وأركز عليه، أفكر عن غير وعي في الدوال الأخرى. وكل دال يحتوي على أثر من الدوال التي يختلف عنها سواء وردت قبله أم وردت بعده. ومعنى الدال غائب عنه دائماً وليس له حضور كامل قط، فهو جزء من شبكة العلاقات الدلالية (غائب/حاضر). ومن خلال عملية الاخترجلاف عبر السنين، يحدث تراكُم للآثار. ويبدو هذا التراكم وكأنه المعنى الثابت والمستقر للكلمات، ولكنه في واقع الأمر ليس كذلك، فهو مجرد وهم ـ أثر. وتعني عبارة «سو راتير sous rature» الفرنسية (بالإنجليزية: أندر إريشر under erasure) «تحت الممحاة» أن الكلمة التي نظن أنها مُحيت وزالت تترك وراءها أثراً لا يزول ويمارس وظيفته أو آثاراً من وظيفته.

والنتيجة أن اللغة ليست طاهرة تماماً، ذلك لأن كل كلمة تحتوي أثراً من الكلمات السابقة وتترك أثراً في الكلمات اللاحقة، ولذا يفيض المعنى عن إرادة الكاتب وعن حدود النص، وبذا يحل الأثر محل الحضور ويمَّحي الأصل تماماً إذ لا يبقى من الأصل سوى الأثر، فالأثر هو الأصل الذي لم يبدأ شيئاً، فهو أصل بلا أصل، ومن ثم فإن الإنسان يجد نفسه بلا أصل رباني أو إنساني ولا يبقى أمامه سوى الصيرورة الثابتة (التي تشبه النفي الأزلي لليهودي). ولذا، فإن القارئ لن يجد أساساً قوياً يستند إليه وينزلق لذلك في دوامة الصيرورة. وإذا كانت الحقيقة هي المقدرة على التمييز بين الحضور والغياب، فإن الحقيقة (بذلك) تغيب، والأثر يلقي بظلاله على كل شيء، وهذا يعني استحالة الوصول إلى الحضور الكامل والمدلول المتجاوز الذي يقع خارج نطاق الحسية المباشرة والنص، كما يعني استحالة الوصول إلى أي معنى، فالمعنى متناقض غير محدد ولا يمكن التوصل إليه. وهذا لا يختلف كثيراً عن مفهوم الشريعة الشفوية حيث حل التفسير محل الأصل والنص المقدَّس ولم يبق منه سوى أثر. كما أن التفسيرات نفسها تتلاحق بحيث يجُبُّ بعضها البعض ولا يبقى سوى صدى، أثر لعملية التفسير نفسها والتي أُعطيت آلياتها لموسى مع الشريعة المكتوبة (التوراة)، أي أن التوراة من البداية جاءت ومعها التفسير الذي لا يقل عنها قداسة. وبرغم كل هذا، فنحن لا نملك سوى تكرار استخدام الكلمات. ولذا، فإن التكرار هو الذي يعطيها هويتها (الآثار المتراكمة) وهو الذي يهدمها. والتكرار من ثم هو فقدان دائم للبراءة والطهر. ولكن ليس أمامنا سوى التكرار، ولا يوجد أمامنا سوى أن نعني (نقول) شيئاً (بالفعل ـ دائماً ـ كذلك) مختلفاً عما نود أن نوصله (نعنيه ـ نقوله) ونفهم شيئاً ثالثاً، وما نصل إليه من معنى هو نتاج لعب لامتناه للدوال. ولأن الكلمات ليست بريئة، ولأن المعنى وقع في قبضة لعب الدوال ورقص القيم، قرَّر دريدا (مقتفياً أثر هايدجر) أنه لابد أن يخلق لغته الخاصة، زاعماً أنه كلما نحت كلمات جديدة فإن الميتافيزيقا تستوعبها ويصبح لها معنى ثابت.



يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق