326
الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء الثانى
ذكر الفتنة بخراسان
في هذه السنة كان حصار عبد الله بن خازم من كان بخراسان من بني تميم بسبب قتلهم ابنه محمدًا وقد تقدم ذكره فلما تفرقت بنو تميم بخراسان على ما تقدم أتى قصر فرتنا عدة من
فرسانهم ما بين السبعين إلى الثمانين فولوا أمرهم عثمان بن بشر بن المحتفز المازني ومعه شعبة بن ظهير النهشلي وورد بن الفلق العنبري وزهير بن ذؤيب العدوي وجيهان بن مشجعة الضبي والحجاج بن ناشب العدوي ورقية بن الحر في فرسان من تميم وشجعانهم فحاصرهم ابن خازم فكانوا يخرجون إليه فيقاتلونه ثم يرجعون إلى القصر.
فخرج ابن خازم يومًا في ستة آلاف وخرج إليه أهل القصر فقال لهم عثمان بن بشر: ارجعوا فلن تطيقوه فحلف زهير بن ذؤئب بالطلاق أنه لا يرجع حتى يتعرض صفوفهم.
فاستبطن نهرًا قد يبس فلم يشعر به أصحاب عبد الله حتى حمل عليهم فحط أولهم على آخرهم واستدار وكر راجعًا واتعبوه يصيحون به ولم يجسر أحد أن ينزل إليه حتى رجع إلى موضعه فحمل عليهم فافرجوا له حتى رجع.
فقال ابن خازم لأصحابه: إذا طاعنتم زهيرًا فاجعلوا في رماحكم كلاليب ثم علقوها في سلاحه.فخرج إليهم يومًا فطاعنهم فأعلقوا فيه أربعة أرماح بالكلاليب فالتفت إليهم ليحمل عليهم فاضطربت أيديهم وخلوا رماحهم فعاد يجر اربعة أرماح حتى دخل القصر.
فأرسل ابن خازم إلى زهير يضمن له مائة ألف وميسان طعمة ليناصحه فلم يجبه.
فلما طال الحصار عليهم أرسلوا إلى ابن خازم ليمكنهم من الخروج ليتفرقوا فقال: لا إلا على حكمي فأجابوا إلى ذلك.
فقال زهير: ثكلتكم أمهاتكم! والله ليقتلنكم عن آخركم وإن طبتم بالموت نفسًا فموتوا كرامًا اخرجوا بنا جميعًا فإما أن تموتوا كرمًا وإما أن ينجو بعضكم ويهلك بعضكم وايم الله لئن شددتم عليهم شدةً صادقةً ليفرجن لكم فإن شئتم كنت أمامكم وإن شئتم كنت خلفكم.
فأبوا عليه.
فقال: ساريكم.
ثم خرج هو ورقبة ابن الحر وغلام تركي وابن ظهير فحملوا على القوم حملةً منكرةً فأفرجوا لهم فمضوا فأما زهير فرجع ونجا أصحابه.
فلما رجع زهير إلى من بالقصر قال: قد رأيتم أطيعوني: قالوا: إنا نضعف عن هذا ونطمع في الحياة.
فقال: لا أكون أعجزكم عند الموت.
فنزلوا على حكم ابن خازم فأرسل إليهم فقيدهم وحملوا إليه رجلًا رجلًا فأراد أن يمن عليهم فأبى عليه ابنه موسى وقال له: إن عفوت عنهم قتلت نفسي فقتلهم إلا ثلاثة: أحدهم الحجاج بن ناشب فشفع فيه بعض من معه فأطلقه والآخر جيهان بن مشجعة الضبي الذي ألقى نفسه على محمد بن عبد الله كما تقدم والآخر رجل من بني سعد من تميم وهو الذي رد الناس عن ابن خازم يوم لحقوه وقال: انصرفوا عن فارس مضر.
وقال: ولما أرادوا حمل زهير بن ذؤيب وهو مقيد أبى واعتمد على رمحه فوثب الخندق ثم أقبل إلى ابن خازم يحجل في قيوده فجلس بين يديه فقال له ابن خازم: كيف شكرك إن أطلقتك وأطعمتك ميسان قال: لو لم تصنع بي إلا حقن دمي لشكرتك.
فلم يمكنه ابنه موسى من إطلاقه فقال له أبوه: ويحك نقتل مثل زهير! من لقتال عدو المسلمين من لحمى نساء العرب فقال: والله لو شركت في دم أخي لقتلتك! فأمر بقتله.
فقال زهير: إن لي حاجة لا تقتلني ويخلط دمي بدماء هؤلاء اللئام فقد نهيتهم عما صنعوا وأمرتهم أن يموتوا كرامًا ويخرجوا عليكم مصلتين وايم الله لو فعلوا لأذعروا بنيك هذا وشغلوه بنفسه عن طلب ثأر أخيه فأبوا ولو فعلوا ما قتل منهم رجل حتى يقتل رجالًا.
فأمر به ابن خازم فقتل ناحيةً.
فلما بلغ الحريش قتلهم قال: أعاذل إني لم ألم في قتالهم وقد عض سيفي كبشهم ثم صمما أعاذل ما وليت حتى تبددت رجالٌ وحتى لم أجد متقدما أعاذل أفناني السلاح ومن يطل مقارعة الأبطال يرجع مكلما أعيني إن أنزفتما الدمع فاسكبا دمًا لازمًا لي دون أن تسكبا دما أبعد زهيرٍ وابن بشرٍ تتابعا ووردٍ أرجي في خراسان مغنما أعاذ كم من يوم حربٍ شهدته أكر إذا ما فارس السوء أحجما يعني زهير بن ذؤيب وابن بشر هو عثمان وورد بن الفلق.
وفي هذه السنة لثمان بقين من ذي الحجة يوم السبت سار إبراهيم بن الأشتر لقتال عبيد الله بن زياد وكان مسيره بعد فراغ المختار من وقعة السبيع بيومين وأخرج المختار معه فرسان أصحابه ووجوههم وأهل البصائر منهم ممن له تجربة وخرج معه المختار يشيعه فلما بلغ دير أما ورب المرسلات عرفا لنقتلن بعد صفٍ صفا وبعد ألف قاسطين ألف ثم ودعه المختار وقال له: خذ عني ثلاثًا: خف الله عز وجل في سر امرك وعلانيتك وعجل السير وإذا لقيت عدوك فناجزهم ساعة تلقاهم.
ورجع المختار وسار إبراهيم فانتهى إلى أصحاب الكرسي وهم عكوف عليه قد رفعوا أيديهم إلى السماء يدعون الله فقال إبراهيم: اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا هذه سنة بني إسرائيل والذي نفسي بيده إذ عكفوا على عجلهم ثم رجعوا وسار إلى قصده.
ذكر حال الكرسي الذي كان المختار يستنصر به قال الطفيل بن جعدة بن هبيرة: أضقنا إضاقةً شديدة فخرجت يومًا فإذا جار لي زيات عنده كرسيٌّ ركبه الوسخ فقلت في نفسي: لو قلت للمختار في هذا شيئًا فأخذته من الزيات
وغسلته فخرج عود نضار قد شرب الدهن وهو يبص قال فقلت للمختار: إني كنت أكتمك شيئًا وقد بدا لي أن أذكره لك إن أبي جعدة كان يجلس على كرسي عندنا ويروي أن فيه أثرًا من علي.
قال: سبحان الله أخرته إلى هذا الوقت! ابعث به فأحضرته عنده وقد غشي فأمر لي باثني عشر ألفًا ثم دعا: الصلاة جامعة فاجتمع الناس فقال المختار: إنه لم يكن في الأمم الخالية أمر إلا وهو كائن في هذه الأمة مثله وإنه كان في بني إسرائيل التابوت وإن هذا فينا مثل التابوت.فكشفوا عنه وقامت السبئية فكبروا.
ثم لم يلبثوا أن أرسل المختار الجند لقتال ابن زياد وخرج بالكرسي على بغل وقد غشي فقتل أهل الشام مقتلة عظيمة فزادهم ذلك فتنة فارتفعوا حتى تعاطوا الكفر فندمت على ما صنعت وتكلم الناس في ذلك تعيبه.
وقيل: إن المختار قال لآل جعدة بن هبيرة وكانت أم جعدة أم هانىء أخت علي بن أبي طالب لأبويه: إيتوني بكرسي علي.
فقالوا: والله ما هو عندنا.
فقال: لتكونن حمقى اذهبوا فأتوني به.
قال: فظنوا أنهم لا يأتونه بكرسي غلا قال هذا هو وقبله منهم.
فأتوه بكرسي وقبضه منهم وخرجت شبام وشاكر ورؤوس أصحاب المختار وقد جعلوا عليه الحرير وكان أول من سدنه موسى بن أبي موسى الأشعري كان يلم بالمختار لأن أمه أم كلثوم بنت الفضل بن العباس فعتب الناس على موسى فتركه وسدنه حوشب البرسمي حتى هلك المختار وقال أعشى همدان في ذلك شعر: شهدت عليكم أنكم سبئيةٌ وإني بكم يا شرطة الشرك عارف فأقسم ماكرسيكم بسكينةٍ وإن كان قد لفت عليه اللفائف وأن ليس كالتابوت فينا وإن سعت شبامٌ حواليه ونهدٌ وخارف وإني امرؤٌ أحببت آل محمدٍ وتابعت وحيًا ضمنته المصاحف وبايعت عبد الله لما تتابعت عليه قريشٌ شمطها والغطارف وقال المتوكل الليثي: أبلغ أبا إسحاق إن جئته أني بكرسيكم كافر تروا شبام حول أغواده وتحمل الوحي له شاكر محمرةً أعينهم حوله كأنهن الحمص الحادر ذكر عدة حوادث وحج بالناس في هذه السنة عبد الله بن الزبير.
وكان على المدينة مصعب بن الزبير عاملًا لأخيه عبد الله وعلى البصرة عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي لابن الزبير أيضًا كان بالكوفة المختار متغلبًا عليها وبخراسان عبد الله بن خازم.
وفي هذه السنة توفي اسماء بن حارثة الأسلمي وله صحبة وهو من أصحاب الصفة وقيل: بل مات بالبصرة في إمارة ابن زياد.
وتوفي جابر بن سمرة وهو ابن أخت سعد بن أبي وقاص وقيل: مات في إمارة بشر بن هارون وتوفي أسماء بن خارجة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري سيد قومه.
حارثة بالحاء المهملة والثاء المثلثة.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق